قرر أبو رأفت أن يبيت في المسجد القبلي من الأقصى؛ ليل اقتحام شارون للمسجد الأقصى هو ومجموعات من الشبان، خاصة أن وصول شارون إلى الأقصى تقرر في ساعة مبكرة من الصباح، وقبل أن تستيقظ القدس لتهب دفاعا عن مسجدها.
وصل شارون إلى الأقصى محاطا بمئات الجنود، كما يقول المواطن المقدسي لـ"العربي الجديد"، "عند الساعة السابعة صباحا، وقبل وصوله، دخلت مجموعات كبيرة من الجنود وتمركزوا عند مدخل المسجد القبلي على شكل هلال، قابلتهم مجموعة أخرى بذات العدد، وجعلوا ظهورهم باتجاه مسجد الصخرة، وأبقوا على مساحة بينهم ليتحرك شارون وحراسه.
في الوقت ذاته كان مئات المواطنين الفلسطينيين يحتشدون داخل الساحات، وكان أبو رأفت معهم للتصدي لزيارة شارون، يقول: "حين شاهدنا حجم التعزيزات الإسرائيلية انتقلنا إلى ساحة المصلى المرواني، وقررنا أن نمنع شارون من الوصول إلى الساحة، فألقينا بأنفسنا على الأرض عند مدخل المرواني، وكوّنّا طبقتين بعضنا فوق بعض حتى نمنعه من الدخول".
"مع وصول شارون إلى الساحة، حاول حراسه إخراجنا من المكان بالقوة، نهضنا وقلبناهم أرضا، قبل أن ينهالوا علينا بالضرب، ويتم الاعتداء على النائب، أحمد هاشم الزغير، بدفعه عن درجات المصلى المرواني" يقول الرجل المقدسي.
كان أبو رأفت واحدا ممن أصيبوا إلى جانب الزغير وعشرات المرابطين من الفلسطينيين، ويقول بلهجته المقدسية: "أكلت هواي بنص راسي (ضربت على رأسي)، ونفر الدم منها، وما كنت داري، بعدها سحبوني الشباب بقوة، وما كنت بدي أروح، ولما أجوا اليهود يسعفوني قلتلهم ما بدي إسعافكم، وظل الضرب شغال لحتى ما انقلع (غادر) هالمجرم شارون من الأقصى".
قبل ذلك، وبينما كان شارون يخترق صفوف جنوده، مستفزا رجال الوقف الإسلامي ونوابا فلسطينيين في الكنيست الإسرائيلي، ومسؤولين فلسطينيين آخرين، تقدم أبو رأفت، من موكبه، ولم يكن يفصله عنه سوى حائط من العسكر والحراس حاول اختراقهم، ملوحا بعكازته يريد أن يوجهها إلى شارون، لكن ضابط حراسة قذفه من مسافة قريبة بهراوته، فشج رأسه، ونجا شارون من عكازة أبو رأفت التي كادت أن تصيبه، ثم اندفع الجنود نحوه ليبعدوه بالقوة عن المكان.
بالنسبة للمسن المقدسي، كان ما حدث في اليوم التالي، 29 سبتمبر/أيلول 2000، أكثر فظاعة، فقد تغول الاحتلال على المقدسيين الذين هبوا بالآلاف بعد صلاة الجمعة دفاعا عن مسجدهم ، فانهال الرصاص عليهم، ليقتل سبعة شهداء، ويصاب نحو 300 آخرين، واستباح الاحتلال مجددا الأقصى في مشهد أعاد إلى الذاكرة سقوطه في قبضة جيش الاحتلال عام 1967، ورفع علم الاحتلال عليه.
يقول أبو رأفت: "كانوا بيضربوا رصاص من كل الاتجاهات، ما ردوا على صراخ الشيخ محمد حسين، خطيب المسجد الأقصى، والذي حملهم مسؤولية ما حصل، وهو ينادي على الناس بمكبرات الصوت لإنقاذ الجرحى الذين تساقطوا بالعشرات".
في ذلك اليوم، كان أحد أبناء "أبو رأفت" حاضرا بين جموع المواطنين الفلسطينيين إلى جانب والده، وكان معه طفله الصغير الذي لم يتجاوز العام ونصف العام، كان هم والد الطفل أن ينقل شهيدا من ساحة الصخرة إلى مستشفى المقاصد؛ تاركا وراءه طفله على مسطبة قرب باب المغاربة، حيث كان الرصاص يسقط المزيد من الجرحى، لكن الشهيد فارق الحياة دون إنقاذه، ورغم ذلك حمله ونقله إلى مستشفى المقاصد بالقدس.
على مدى السنوات الست عشرة الماضية، وحيث توافق ذكرى مجزرة الأقصى اليوم، ما زال "أبو رأفت" الذي تجاوز عامه الثمانين، واحدا من أبرز المرابطين في المسجد الأقصى، وما زال يحتفظ بعكازته.
ورغم دفاعه اليومي المستميت عن الأقصى في مواجهة اقتحامات المستوطنين، إلا أنه يشعر بالأسى والحزن الشديدين إلى ما آل إليه وضع المسجد، حيث يدنس يوميا، ويضرب الرجال فيه، وتمتهن كرامة الحرائر من المرابطات، ويبعد حراسه ويسجنون ويعتدى عليهم، في ما لا يخفي انتقاده اللاذع للسلطة الفلسطينية التي لا تظهر موقفا حازما من اعتداءات اليهود على الأقصى، حسب قوله.