توليفة من اللهجات المحكية الشامية تتحالف مع خيال الطفلة الفلسطينية، شهرزاد، في الولايات المتحدة، لتنتج عبر والديها قصة للأطفال مختلفة عن غيرها، ويعد مؤلفاها بالمزيد.
أصدرت الصحافية الفلسطينية، ريم مخول، وزوجها الصحافي الإيرلندي، ستيفن فارل، قصة للأطفال بعنوان "البنت اللّي ضيّعت خيالها" عن مشروع ودار نشر "قصص" التي أسسها الزوجان. ليس الاثنان بعيدين عن عالم الكتابة، فقد عمل كلّ منهما مراسلاً وصحافياً لعدة مطبوعات، من بينها جريدتا "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال" وعاشا في نيويورك قبل الانتقال مؤخراً إلى العاصمة البريطانية لندن للعمل هناك. وعلى الرغم من توجه الكثير من الصحافيين إلى الكتابة الإبداعية في مرحلة ما من حياتهم أو العكس، لكن قلّما نرى من بين هؤلاء من يختارون الكتابة للأطفال.
عن هذه التجربة والخيارات تحدثت ريم مخول إلى "العربي الجديد". تقول ابنة بلدة البقيعة الجليلية عن اختيارها كتابة القصة وباللهجة المحكية: "عندما ولدت ابنتي شهرزاد، وكنت أقرأ لها القصص بالعربية، واجهتني عدة تحديات، خصوصاً أننا كنا نعيش في نيويورك. ومن بين تلك التحديات أنّها لم تسمع العربية إلاّ مني. وهذا يعني أنني لو حكيت لها قصة بالفصحى لن تفهم ما أقول، بل عليّ أن أترجم لها الفصحى إلى محكية". ترى مخول أنّ هذا الأمر يؤثر سلباً في درجة تفاعل الأطفال مع القصة واللغة. وبعد واحدة من تلك الليالي قررت أن تبدأ كتابة قصة لابنتها بالمحكية التي تفهمها، خصوصاً أنها لم تجد قصصاً ملائمة في فلسطين أو دول عربية أخرى عندما بحثت عن مشاريع مشابهة.
كان مشروع تأليف القصة مشتركاً بين مخول وزوجها وإلى حد ما مع ابنتهما شهرزاد، التي كُتبت القصة من أجلها. تشرح مخول: "بدأ الأمر عندما كنت أمشي مع ابنتي في اتجاه أحد ملاعب الأطفال في نيويورك. كانت تقول أشياء غريبة وجميلة منها مثلاً: ماما الغيمة اللّي فوقينا عم تلحقنا بدها تيجي معنا على الملعب؟ أو كانت تتساءل أحياناً: هاي السيارات اللّي ماشية طول النهار على الشارع بتتعب من المشي كمان؟ وأمور من هذا القبيل. لاحظت أنّ لدى ابنتي مخيلة واسعة، ومن هنا جاءت الفكرة للكتابة عن فتاة تفقد مخيلتها ليوم واحد. أنا وزوجي ستيفن كتبنا القصة وأخذنا اقتباسات قالتها ابنتنا شهرزاد وبنينا القصة حولها".
إذن، تحول مشروع قصة من أجل شهرزاد الطفلة، ليتطور ويصبح من أجل الأطفال عامة، خصوصاً أطفال فلسطين الشتات، الذين يتلقون تعليمهم في مدارس الدول التي يعيشون فيها، ويتحدثون هناك لغات أخرى. من هنا تأتي أهمية توسيع ثروتهم اللغوية بالمحكية الفلسطينية، وكذلك، توسيع معرفتهم بثقافتهم الأصلية عن طريق القصص والكتب التي تحدثهم بلهجة مفهومة، هي التي يستخدمونها في منازلهم، عكس الفصحى التي لا تستخدم في المنزل ولا تُدرَّس في المدرسة.
كتبت ريم النص بالمحكية الفلسطينية، لكن عند الحديث عن "لهجة فلسطينية" يبقى هذا حديثاً عاماً غير دقيق لأنّ هناك لهجات فلسطينية كثيرة. تقول مخول في هذا السياق: "حاولت أن أجد حلاً وسطاً، أي إيجاد لهجة يفهمها جميع أهل الشام، سورية ولبنان وفلسطين والأردن. المحكية ليست لهجة واحدة في كلّ بلد منها، لكن بينها الكثير من الأمور المشتركة. أنا كبرت في بيت يتحدث به والدي لهجة قرية البقيعة، وهي مختلفة تماماً عن لهجة والدتي ابنة الناصرة". ولكي تجد مخول الحل الوسط بين اللهجات الشامية المختلفة قررت أن ترسل النص إلى عدة أشخاص تعرفهم من كلّ تلك الدول، وتأخذ ملاحظاتهم في عين الاعتبار. عن ذلك تقول: "على سبيل المثال، في لهجتي الفلسطينية عندما أريد أن أقول إنّي لا أريد تناول الطعام أقول: بدّيش آكل. في لبنان وسورية يقولون: ما بدي آكل. واستخدمت الصيغة الثانية للتسهيل، وحاولت أن أجد نصاً وسطياً في الكثير من الأحيان".
تقول مخول إنّ المشروع بالنسبة إليها أكبر من مسألة اللهجات. فالقصة تدور حول فتاة صغيرة فلسطينية عربية تسكن في مدينة نيويورك. ولا تشعر الفتاة أنّ نيويورك ليست مدينتها، أو أنّ انتماءها إلى ثقافة عربية يتناقض مع انتمائها وحبها لتلك المدينة. تدور أحداث القصة في المدينة التي تحبها وهي مدينة ليست غريبة عنها. وتؤكد مخول أنّ هذا ضروري جداً لكي يندمج الأطفال العرب، سواء كانوا لاجئين أو مهاجرين، مع محيطهم الغربي، من دون أن ينسوا جذورهم.
وعن ردود الفعل تقول: "ردود الفعل هي التي شجعتني على إكمال المشروع. أوجدنا بديلاً للناس وهؤلاء أحبوا فكرة أن يتمكنوا من القراءة من دون الترجمة لأطفالهم، خصوصاً أولئك الذين يعيشون في الشتات، وبالكاد يسمع الأطفال في بيوتهم غير اللهجات المحكية".
ولدت فكرة دار النشر مع التحضير لولادة الكتاب الأول. لم يرغب الكاتبان في الخضوع لإملاءات السوق فقررا طباعة القصة بتمويل ذاتي، وبذلك لا حاجة لهما للتنازل عن مقومات الطباعة الجيدة. كما يمكنهما معرفة زبائنهما وردود الفعل خصوصاً أنهما مضطران إلى تسويق الكتاب بنفسيهما. والجدير بالانتباه أنّ الأشخاص الذين يشترون هذا الكتاب ليسوا فقط من العرب، بل هناك الكثير من الأجانب الذين يدرسون العربية الفصحى، لكنهم يريدون تعلم المحكية للتكلم مع الناس. في الوقت الحالي يعمل الزوجان على قصة من سلسلة شهرزاد ستصدر بعنوان "وين بدي أتخبّى؟". كذلك، يأملان أن يتمكنا من إطلاق كتب للناشئة، وإنجاز تطبيقات للأطفال لتعلّم العدّ والأحرف بمحكيّات عربية عديدة.