يدرس تلاميذ جزائريون في درجة حرارة منخفضة شتاء، خصوصاً في الجبال، ما يربط مفهوم الدراسة بالعقوبة لديهم
جعلت الحكومة الجزائرية إلحاق الآباء لأطفالهم البالغين سنّ السادسة بالمدرسة إجبارياً، وتتضمّن مدوّنتها التشريعية عقوباتٍ للمخالفين. قفز هذا المعطى الذي يُعدّ ثاني مكسب تربوي، بعد مجانية التعليم، بعدد التلاميذ في المحافظات الثماني والأربعين، إلى قرابة تسعة ملايين، في مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي، أي ما يساوي ربع إجمالي عدد السكان.
خُصّص لاستيعاب هذا العدد من التلاميذ، وتسيير المؤسسات التربوية التي تستقبلهم، ميزانية مالية هي في المرتبة الثانية بعد ميزانية الدفاع الوطني. وقد أجريت عدّة إصلاحات في قطاع التعليم، من زاوية البرامج والمناهج، بعضها أثار نقاشات ساخنة، بين مثمّن ورافض لها. فقلة عدد المدارس في بعض المناطق المزدحمة مثلاً أثمرت عن زيادة عدد التلاميذ في القسم الواحد، وعن نقص في الموظفين التربويين. وهو ما اضطرّ الوزارة إلى الاستعانة بمدرّسين بلا خبرة مع غيرها من النقائص التي تسبب ضرراً من نوع آخر على التلاميذ.
يأتي في صدارة هذه النقائص، على مستوى عدد معيّن من المدارس، عدم تزويد أقسام الدرس بالأثاث والأجهزة المخصصة لراحة التلميذ، مثل المدافئ في فصل الشتاء الذي يتميز بقساوته في المناطق الشمالية، خصوصاً في تلك التي لم يصلها غاز المدينة، حيث بقيت التدفئة فيها إمّا باستعمال الوقود أو الغاز المحمّل في القارورات أو الحطب.
عملياً، تتولّى البلديات توفير التدفئة بالوقود للمؤسسات التربوية في المناطق التي لم تحظَ بإيصال غاز المدينة إليها، والذي تستفيد منه نسبة من السكان تقدّر بـ75 في المائة، لكنّ "الإهمال أو التقاعس أو نقص الميزانية أو المشاحنات السياسية بين أعضاء المجلس البلدي، يجعل بلدياتٍ لا تقوم بدورها في هذا الباب، ما يؤثر سلباً في واقع التلاميذ" بحسب رئيس سابق لإحدى بلديات الشرق الجزائري.
جعلت الحكومة الجزائرية إلحاق الآباء لأطفالهم البالغين سنّ السادسة بالمدرسة إجبارياً، وتتضمّن مدوّنتها التشريعية عقوباتٍ للمخالفين. قفز هذا المعطى الذي يُعدّ ثاني مكسب تربوي، بعد مجانية التعليم، بعدد التلاميذ في المحافظات الثماني والأربعين، إلى قرابة تسعة ملايين، في مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي، أي ما يساوي ربع إجمالي عدد السكان.
خُصّص لاستيعاب هذا العدد من التلاميذ، وتسيير المؤسسات التربوية التي تستقبلهم، ميزانية مالية هي في المرتبة الثانية بعد ميزانية الدفاع الوطني. وقد أجريت عدّة إصلاحات في قطاع التعليم، من زاوية البرامج والمناهج، بعضها أثار نقاشات ساخنة، بين مثمّن ورافض لها. فقلة عدد المدارس في بعض المناطق المزدحمة مثلاً أثمرت عن زيادة عدد التلاميذ في القسم الواحد، وعن نقص في الموظفين التربويين. وهو ما اضطرّ الوزارة إلى الاستعانة بمدرّسين بلا خبرة مع غيرها من النقائص التي تسبب ضرراً من نوع آخر على التلاميذ.
يأتي في صدارة هذه النقائص، على مستوى عدد معيّن من المدارس، عدم تزويد أقسام الدرس بالأثاث والأجهزة المخصصة لراحة التلميذ، مثل المدافئ في فصل الشتاء الذي يتميز بقساوته في المناطق الشمالية، خصوصاً في تلك التي لم يصلها غاز المدينة، حيث بقيت التدفئة فيها إمّا باستعمال الوقود أو الغاز المحمّل في القارورات أو الحطب.
عملياً، تتولّى البلديات توفير التدفئة بالوقود للمؤسسات التربوية في المناطق التي لم تحظَ بإيصال غاز المدينة إليها، والذي تستفيد منه نسبة من السكان تقدّر بـ75 في المائة، لكنّ "الإهمال أو التقاعس أو نقص الميزانية أو المشاحنات السياسية بين أعضاء المجلس البلدي، يجعل بلدياتٍ لا تقوم بدورها في هذا الباب، ما يؤثر سلباً في واقع التلاميذ" بحسب رئيس سابق لإحدى بلديات الشرق الجزائري.
هذا الواقع دفع "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان" إلى إصدار بيان لاذع أشارت فيه إلى أنّ 2700 مؤسسة تربوية ما زالت تعاني من غياب وسائل التدفئة، ما يجعل التحاق التلاميذ المنتسبين إليها بصفوفها الباردة، خلال فصل الشتاء، عقوبة بلا ذنب. ذكّر البيان بأنّ أموالاً طائلة رُصدت لهذا الغرض من طرف وزارة التربية ووزارة التضامن الوطني ومجالس المحافظات والمجالس البلدية، على مدار السنوات الخمس الأخيرة: "فأين ذهبت هذه الأموال، في ظل انعدام التدفئة في المراحل الثلاث بنسبة بلغت 35 في المائة من المدارس؟".
مصدر من وزارة التربية، تحفّظ على هويته، يعلّق لـ"العربي الجديد" أنّ الوزارة أنفقت ما عليها إنفاقه في هذا الباب "وبقي على المواطن أن يعرف، قبل أن يشنّ هجومه عليها، أنّ هذه النقائص متأتية من تقصير المجالس المحلية التي انتخبها بنفسه، فلماذا لا يستعمل حقه الدّستوري في محاسبتها؟". يضيف: "لماذا هذه السوداوية في تقييم الخدمات التربوية؟ لماذا لا يذكرون مثلاً أنّ الوزارة وفّرت مطعماً في كلّ مدرسة، يقدّم وجبات ساخنة للتلاميذ، بمن فيهم الذين يقيمون على بعد خطوات من المدرسة؟".
"العربي الجديد" عاينت بدورها مجموعة من المدارس، في محافظات المسيلة وسطيف وبرج بوعريريج، شرقاً، وهي من أبرد الجهات الجزائرية في الفترة ما بين شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وفبراير/ شباط، ووقفت على التفاوت في توفر التدفئة، ما بين متوفرة ومنعدمة ومعطلة أحياناً. يسخر المدرّس حسين ب: "يكفي أن أحدّد لتلاميذي الموقع الجغرافي لسيبيريا، أما مزاياها المناخية شتاءً، فأكتفي بالقول إنّها شبيهة بمناخ الصّف". يشكو: "تصعب مهمّة التعليم خلال هذه الفترة، لأنّ هامشاً كبيراً من اهتمام التلميذ يذهب إلى محاولة تدفئة نفسه".
يفسر: "تقلّ حركة رفع الأصابع خلال هذه الفترة، فمن الصعب إخراج الأيدي من الجيوب، كما يقلّ النشاط العفوي لدى التلميذ، خوفاً من ارتكاب ما يقتضي عقابه، ذلك أنّ الضرب على الأيدي المتجمّدة مؤلم جدّاً" يتحدث المدرّس باعتبار الضرب عقوبة "عادية" في مدارس المنطقة بالرغم من عدم قانونيتها. يواصل: "لاحظت أنّ تلاميذي يدخلون مترددين إلى الصف، بينما يخرجون منه مسرعين إلى المطعم المدرسي، ثم إلى بيوتهم، ممّا يشير إلى أنّهم يكرهون الدراسة خلال هذه الفترة. مقارنة بسيطة بين علامات فصل الشتاء المدرسية وعلامات فصلي الربيع والخريف، تؤكد هذه الحقيقة".
في أعالي جبال سطيف، يتفادى التلاميذ البرد بارتداء أكثر من قطعة شتوية، ما يجعل مشيتهم ثقيلة، ومع وزن الحقيبة المدرسية، يبدو الوضع سيئاً في حمله الثقيل الذي لا يتناسب مع سنّهم. البخار يتصاعد من الأفواه، فيما يترك التلاميذ شقاوتهم التي يُعرفون بها، فكأنهم سائرون إلى المشنقة لا إلى المدرسة. يقول حسام الذي يتهيأ للثانوية العامة: "أشفق على التلاميذ الذين التحقوا بالمدرسة حديثاً، فقد تدفعهم هذه المعاناة إلى أن يربطوا الدراسة بهذه الظروف ما يجعلهم ينفرون من المدرسة منذ البداية". يتساءل بإشارة ذكية: "كلنا نتساوى في رفع العلم الوطني صباحاً، فلماذا لا نتساوى في التدفئة؟".
اقــرأ أيضاً
مصدر من وزارة التربية، تحفّظ على هويته، يعلّق لـ"العربي الجديد" أنّ الوزارة أنفقت ما عليها إنفاقه في هذا الباب "وبقي على المواطن أن يعرف، قبل أن يشنّ هجومه عليها، أنّ هذه النقائص متأتية من تقصير المجالس المحلية التي انتخبها بنفسه، فلماذا لا يستعمل حقه الدّستوري في محاسبتها؟". يضيف: "لماذا هذه السوداوية في تقييم الخدمات التربوية؟ لماذا لا يذكرون مثلاً أنّ الوزارة وفّرت مطعماً في كلّ مدرسة، يقدّم وجبات ساخنة للتلاميذ، بمن فيهم الذين يقيمون على بعد خطوات من المدرسة؟".
"العربي الجديد" عاينت بدورها مجموعة من المدارس، في محافظات المسيلة وسطيف وبرج بوعريريج، شرقاً، وهي من أبرد الجهات الجزائرية في الفترة ما بين شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وفبراير/ شباط، ووقفت على التفاوت في توفر التدفئة، ما بين متوفرة ومنعدمة ومعطلة أحياناً. يسخر المدرّس حسين ب: "يكفي أن أحدّد لتلاميذي الموقع الجغرافي لسيبيريا، أما مزاياها المناخية شتاءً، فأكتفي بالقول إنّها شبيهة بمناخ الصّف". يشكو: "تصعب مهمّة التعليم خلال هذه الفترة، لأنّ هامشاً كبيراً من اهتمام التلميذ يذهب إلى محاولة تدفئة نفسه".
يفسر: "تقلّ حركة رفع الأصابع خلال هذه الفترة، فمن الصعب إخراج الأيدي من الجيوب، كما يقلّ النشاط العفوي لدى التلميذ، خوفاً من ارتكاب ما يقتضي عقابه، ذلك أنّ الضرب على الأيدي المتجمّدة مؤلم جدّاً" يتحدث المدرّس باعتبار الضرب عقوبة "عادية" في مدارس المنطقة بالرغم من عدم قانونيتها. يواصل: "لاحظت أنّ تلاميذي يدخلون مترددين إلى الصف، بينما يخرجون منه مسرعين إلى المطعم المدرسي، ثم إلى بيوتهم، ممّا يشير إلى أنّهم يكرهون الدراسة خلال هذه الفترة. مقارنة بسيطة بين علامات فصل الشتاء المدرسية وعلامات فصلي الربيع والخريف، تؤكد هذه الحقيقة".
في أعالي جبال سطيف، يتفادى التلاميذ البرد بارتداء أكثر من قطعة شتوية، ما يجعل مشيتهم ثقيلة، ومع وزن الحقيبة المدرسية، يبدو الوضع سيئاً في حمله الثقيل الذي لا يتناسب مع سنّهم. البخار يتصاعد من الأفواه، فيما يترك التلاميذ شقاوتهم التي يُعرفون بها، فكأنهم سائرون إلى المشنقة لا إلى المدرسة. يقول حسام الذي يتهيأ للثانوية العامة: "أشفق على التلاميذ الذين التحقوا بالمدرسة حديثاً، فقد تدفعهم هذه المعاناة إلى أن يربطوا الدراسة بهذه الظروف ما يجعلهم ينفرون من المدرسة منذ البداية". يتساءل بإشارة ذكية: "كلنا نتساوى في رفع العلم الوطني صباحاً، فلماذا لا نتساوى في التدفئة؟".