وقع الحادث قبل عامين حين كان مصطفى في السوق، إذ شعر بوخزة آلمته في كتفه الأيمن، خرج على إثرها قليل من الدم. صورة الأشعة أظهرت أن رصاصة طائشة أصابت كتفه، ما استدعى إجراء عملية صغيرة لاستخراجها.
المسؤول الأمني في مستشفى مدينة الطب، في وسط العاصمة العراقية بغداد، طلب من مصطفى أن يكشف عن الفاعل، لكنه أكد أنه لا يعلم مصدرها، وإنها نزلت من السماء.
الأمر ليس لغزاً محيراً في العراق، فالسلاح متاح للجميع، وسماع أصوات إطلاق نار في أي وقت أمر معتاد. ففي الأفراح والأحزان يعبر العراقيون عن مشاعرهم بإطلاق الرصاص في الجو.
وتكثر القصص التي تشير إلى حوادث مؤسفة تعرض لها مواطنون، أدت إلى موت أشخاص وإعاقة آخرين، نتيجة التعبير عن المشاعر بإطلاق زخات من الرصاص القاتل.
يتلخص الدعاء بالشر المتعارف عليه بين العراقيين بكلمتين هما "طلقة تايهة" (تائهة)، ويقصد به أن يتلقى المعني بالدعاء طلقة رصاص لا أحد يعرف مصدرها فتقتله. بعضهم يطلق هذا الدعاء على سبيل المزاح، وآخرون يطلقونه وهم غاضبون، فـ"الطلقة التايهة" لا يستطيع ضحيتها أو ذويه محاسبة الفاعل لأنه مجهول.
مصطفى صلاح يشير بحديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنه تعرض لعيار ناري في كتفه يوم خميس، وهو يوم تكثر فيه الأعراس وإطلاق العيارات النارية. ويقول: "صرت أتجنب الخروج أيام الخميس قدر الإمكان، وإن خرجت أكن حذراً".
ويحاول الشيخ القبلي عبد الهادي الزير جاوي حائراً أن يجد سبباً مقنعاً لآلاف العيارات النارية التي أطلقت في تشييع أحد أفراد قبيلته، في منطقة ريفية في جنوبي بغداد. ويقول لـ"العربي الجديد" من الصعب أن يُفرض على أفراد القبيلة قوانين تعارض أعرافاً اعتادوها، مضيفاً "أنا أعترف أن تلك ممارسة مؤذية وخطرة وتؤدي إلى كوارث بحق آخرين، لكن الأمر يفوق طاقتنا على منع الرجال من ذلك".
بعض الرجال الملتزمين بإطلاق العيارات النارية في المناسبات، الذين ذكرهم الشيخ الزير جاوي، توحدوا في بعض إجاباتهم، حين حاول مراسل "العربي الجديد" الوصول إلى جدوى ممارستهم رمي الرصاص، وماذا لو أبدلوها بفعل آخر؟
من هؤلاء المزارع حيدر فاضل (37 عاماً) الذي استفسر عن البديل لإطلاق النار في الأفراح والأحزان، لا سيما في المناطق الريفية، وعند إشارة مراسل "العربي الجديد" إلى قرع الطبل والدف والموسيقى ورمي المناشير الملونة في الأفراح على سبيل المثال، ومواساة أهالي الفقيد وتقديم مختلف أوجه المساعدة لهم والوقوف إلى جانبهم في محنتهم، ردّ فاضل قائلاً "ذلك كله نفعله، ولكن للعيارات النارية وقعا آخر، أيضاً تلك عاداتنا التي توارثناها ويصعب أن نتركها، إنها أشياء متجذرة فينا".
في حين يبرر حسن عبد الرحمن (41 عاما)، وهو مزارع أيضاً، إطلاق العيارات النارية بأنها "دليل الرجولة، والتعبير الصادق عن الوقوف إلى جانب الآخرين في مناسباتهم".
وطالبت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق أول من أمس الجمعة، الحكومة العراقية بتفعيل قانون منع إطلاق العيارات النارية في المناسبات الاجتماعية، داعية منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام إلى تنفيذ "برامج توعوية" للحد من هذه الظاهرة.
وقالت المفوضية في بيان إن العيارات النارية العشوائية "أودت بحياة العشرات من المواطنين وتسببت بجرح العديد منهم، ما يمثل انتهاكا لحق الحياة الذي كفله الدستور العراقي".
وطالبت المفوضية مجلس النواب بـ"تشريع قوانين رادعة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي باتت تشكل مصدر خطرٍ كبير على الحياة لانتشار الأسلحة غير المرخصة".
كما أعلنت دائرة صحة محافظة المثنى (250 كم جنوب غرب بغداد)، يوم الجمعة الماضي، أن عشرة أشخاص سقطوا بين قتيل وجريح بإطلاق نار أثناء وجودهم قرب مناسبة عشائرية داخل المحافظة.