الأطفال الكويتيون، كما أطفال العالم، عرضة لاعتداءات تختلف طبيعتها. من هنا، كانت إجراءات عدّة للحدّ من ذلك، ولعلّ الخط الساخن رقم 147 في الكويت واحد منها.
المعتدون على أطفال الكويت، جسدياً أو معنوياً أو لفظياً أو جنسياً، ليسوا في مأمن من الحساب والعقاب، بعد حزمة الإجراءات التي اتّخذتها الحكومة بالتعاون مع البرلمان بهدف التقليل من العنف المتزايد ضدّ الأطفال داخل البيت وخارجه.
وكانت الحكومة الكويتية قد تقدّمت في عام 2015 بقانون يهدف إلى حماية الطفل، صادق عليه البرلمان بالإجماع. ونصّ القانون رقم 21 لسنة 2015 في شأن حقوق الطفل على معاقبة أفراد الأسرة المعتدين على الأطفال بالضرب، ونصّ كذلك على عدم استغلال الطفل في أعمال لا تناسبه، وعدم موافقة سفره من دون إذن وليّ أمره، وعدم منعه عن رؤية أحد والدَيه في حال طلاقهما.
بعد ذلك، شرعَت الحكومة في إنشاء الإدارات الخاصة بالطفل وعلى رأسها إدارة حماية الطفل التابعة لوزارة الصحة، والتي أطلقت قبل أشهر الخط الساخن رقم 147، للتبليغ عن أيّ حالة اعتداء على الأطفال. يُذكر أنّ الإدارة تملك صلاحية تبليغ وزارة الداخلية ووزارة الشؤون اللتَين تتخذان إجراءات قاسية ضدّ المعتدين.
تقول مديرة الإدارة، الدكتورة منى الخواري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة آليّة متّبعة من قبل إدارة حماية الطفل التابعة لوزارة الصحة بالتنسيق مع وزارة الداخلية، نتحقق من خلالها من صحّة المعلومات قبل أن يتحرّك أحد ضبّاط إدارة حماية الأحداث في وزارة الداخلية إلى المكان المشار إليه ويُنفّذ الإجراءات اللازمة بحقّ المعتدين". تضيف أنّ "فرق إدارة حماية الطفل موجودة في كل مستشفى رئيسي من مستشفيات الكويت، التي نتّخذها كمقرّات لنا، حيث تتألّف طواقم من أطباء وممرّضين ومتخصصين اجتماعيين ومعالجين وضابط أمن من إدارة الأحداث". وتشدّد الخواري على "السرية التي نتّبعها في كل تعاملاتنا مع المبلّغين، الذين يكونون في بعض الأحيان هم الأطفال المعتدى عليهم، وفي بعض الأحيان يكونون مارة أو جيراناً مثلما حدث في حالات عدّة".
وكان عدد حالات الاعتداء على الطفل المسجّلة والمبلّغ عنها قد وصل في السجلات الرسمية إلى أكثر من 300 حالة سنوياً، جرى الكشف عنها والتحقيق فيها بعد إقرار قانون الطفل، بينما ما زال عدد الحالات السابقة مجهولاً. يُذكر أنّ المتورّطين في حوادث الاعتداء يُحوَّلون إلى النيابة العامة التي ترفع قضيّة عليهم في المحكمة وتلزم الأسرة، إذا كانت معتدية، بمراجعة إدارة الرعاية الأسرية في وزارة الشؤون التي تخضع الوالدَين والطفل لجلسات توعية.
في السياق نفسه، تشير المتخصصة النفسية في إحدى المدارس الابتدائية في منطقة الجهراء، نورة الشمري، إلى أنّهم كانوا يسجّلون في المدرسة "حالات كثيرة لأطفال اعتدي عليهم في المنزل. وكنّا نجد أنفسنا كفريق نفسيّ مكبّلين بالروتين الحكومي، إذ إنّ التبليغ للمخفر يعني مشكلة للطفل ومشكلة للمدرسة ومشكلة للمبلّغ من دون أيّ رادع للمعتدي. لكنّه ومع قانون الطفل، بتنا قادرين على إيصال الطفل إلى أيدٍ أمينة تحميه وتأخذ له حقّه". وتضيف الشمري لـ"العربي الجديد": "ونحن نعمد إلى توعية التلاميذ الأطفال حول حقوقهم وبالتأكيد حول استقلاليتهم وكرامتهم الشخصية، ونوزّع عليهم رقم الخط الساخن في حال تعرّضوا إلى اعتداء. وهذا الأمر يترك أثراً جيداً في نفوسهم".
من جهته، يشدد الباحث الاجتماعي في جامعة الكويت، خليل خالد، لـ"العربي الجديد"، على "ضرورة عدم تصوير المجتمع على أنّه مدينة فاضلة. فمع انتشار المخدّرات الكيميائية بين الشباب وكثرة حالات الزواج المبكر لأشخاص لا تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة، تسجَّل اعتداءات كثيرة على الأطفال من هؤلاء الآباء أو الأمهات الشباب. لذا لا بدّ من تنفيذ القوانين الصارمة الخاصة بالاعتداء على الأطفال، على هؤلاء". ويضيف أنّ "اعتراضات سُجّلت على قوانين الطفل، من قبيل أنّها تشجّعهم على التمرّد وأنّ الضرب قد يكون مفيداً لهم. لكنّ هؤلاء المعترضين ليسوا متخصصين ليعرفوا أنّ ضرب الطفل يسبّب أضراراً نفسية مدمّرة على المدى البعيد تُفقده شخصيته واتزانه. كذلك فإنّ طبيعة المجتمع ما قبل 70 عاماً في البادية والقرى تغيّرت عن طبيعة المجتمع المتمّدن اليوم وتركيبته".
ولا تقتصر رقابة الدولة على حالات الاعتداء الجسدي أو المعنوي أو اللفظي أو الجنسي على أطفال الكويت، بل تمتدّ لتلزم بعض الأهالي من الوافدين أو اللاجئين السوريين في البلاد الذين يجبرون أبناءهم على العمل في الشوارع أو في محلات النجارة والحدادة وإخراجهم من المدرسة. ويقول في هذا السياق الرقيب فيصل الخالدي، من إدارة الأمن العام في وزارة الداخلية لـ"العربي الجديد" إنّه "خلال جولاتنا للاطمئنان على سير الأمور في مناطق الكويت، نتوقف عند بعض المحلات الخاصة بحدادة وتصليح السيارات والدراجات وكذلك الأجهزة الكهربائية، ونُفاجأ بوجود عدد من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 15 عاماً يعملون هناك فيما يغطّي الزيت وجوههم. فنأخذ الطفل الذي نجده إلى المخفر ونحقّق مع والده ونلزمه على كتابة تعهد يقضي بإدخاله إلى المدرسة".
بالنسبة إلى الخبير القانوني، عبد العزيز عطا لله، فإنّ "قانون الطفل يمثّل ثورة قانونية واجتماعية في الكويت إذ إنّ إدارة حماية الطفل تملك الصلاحيات التي تخوّلها تحويل الشكاوى، التي تردها عبر الخط الساخن، مباشرة إلى وزارة الداخلية لمحاسبة المعتدين، كذلك تخوّلها الحفاظ على سريّة البلاغ، وهو أمر لم يكن ممكناً في السابق".