من بين تلك القضبان الحديديّة، تطلّ الصغيرة الفلسطينية برأسها. هي ليست في سجن من سجون الأحداث ولا هي تقضي مع والدتها المسجونة محكوميّة الأخيرة التي طالت. هي، مذ أبصرت النور قبل بضعة أعوام، وجدت نفسها في ذلك "القفص".
وذلك "القفص" في مخيّم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، الذي يُعَدّ ثالث أكبر مخيّمات اللاجئين في قطاع غزّة، البالغ عددها ثمانية. و"الشاطئ" الواقع في مدينة غزّة على البحر الأبيض المتوسّط هو من أكثر المخيّمات اكتظاظاً بالسكّان، لا بل يُعَدّ واحداً من أكثر المناطق اكتظاظاً حول العالم. فهو يضمّ بحسب آخر البيانات أكثر من 84 ألف فلسطيني في بقعة مساحتها نصف كيلومتر مربّع تقريباً.
تطلّ الصغيرة برأسها من بين تلك القضبان التي تغطّي الفراغات بينها بطانيات من الصوف، والأسى واضح عليها. كيف لا تشعر بذلك الأسى وحدودها لا تتخطّى نصف كيلومتر تقريباً؟ كيف لا تشعر بالأسى وقد أخبرتها جدّتها مذ كانت في الثانية من عمرها، أنّ "نكبة 48" هي التي حشرتهم هنا، في هذه البقعة، بينما كانت العائلة تملك بيتاً كبيراً وأرضاً ممتدّة على بعد كيلومترات فقط. الجدّة أخبرتها كذلك عن "وعد بلفور" الذي قضى بإنشاء "وطن قوميّ لليهود في فلسطين". لم تفهم في يوم ماذا يعني "وطناً قومياً لليهود"، غير أنّها تدرك جيّداً أنّ فلسطين وطنها هي ووطن كلّ هؤلاء الذين يعيشون في أقفاص تشبه قفصها في ذلك المخيّم.
تجدر الإشارة إلى أنّه غداً، الخميس في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، تحلّ الذكرى المئويّة الأولى لذلك الوعد الذي جعل الصغيرة وعائلتها في "قفص".
(العربي الجديد)