لا يكُف أطفال الفلسطينية، نور الهدى العقاد، عن الصراخ كل صباح قبيل ذهابهم للمدرسة، مطالبين بالذهاب عند والدهم في تركيا، والسؤال عن معبر رفح المغلق الذي يقطع أوصال العائلات الفلسطينية ويزيد معاناة المرضى والحالات الإنسانية والطلبة.
مطالبات أطفال العقاد الأربعة، مالك وملاك ويوسف وأمير، المستمرة أصابت رأسها بصداع مستمر لعام كامل، ووجع لم ينجلِ بعد مع انتظارها الطويل للم شملها مع زوجها المُستقر في تركيا.
معاناة الغزّية تلك لم تتوقف على انتظارها المستمر لفتح معبر رفح البري، والذي تُغلقه السلطات المصرية منذ نحو 9 أشهر لدواع تصفها بـ"الأمنية". إذ بعد محاولاتها المستمرة في السفر إلى زوجها، انتهت قبل يومين تأشيرتها السابعة لتمكينها من السفر، ورغم ذلك تحاول استخراج تأشيرة ثامنة بسبب تشاؤمها الكبير، بغض النظر عن الرسوم المالية التي تكبدتها دون فائدة.
تقول العقاد لـ"العربي الجديد": "لا يوجد تجديد للفيزا التي انتهت أخيراً، الآن أحتاج إلى ألفي دولار أخرى لعمل فيزا جديدة، لعلّ معها يفتح معبر رفح مع مؤشرات على فتحه في منتصف الشهر الجاري، زوجي ينتظرنا في تركيا منذ عام كامل، القيادات تسافر ولا موانع أمنية، الموانع تكون فقط في سفر العالقين والمواطنين".
وتوضح أن أولادها الأربعة يستيقظون كل صباح على أمل سماع كلمة تفرحهم عن فتح معبر رفح، والسفر إلى والدهم، لكن إجابات الأم دائماً لم تفلح في تخفيف علامات الضجر والغضب التي ترتسم على ملامح أطفالها، كما تعكس عليهم مشاعر الحسرة الكبيرة داخلها، واتصالاتها التي لا تنتهي مع زوجها ولسان حالهما "ما باليد حيلة".
ويعاني نحو مليوني مواطن في غزة من الإغلاق المستمر لمعبر رفح البري، إذ لم يُفتح منذ بداية العام الجاري سوى عشرة أيام، و4 أخرى أثناء سفر حجاج القطاع إلى السعودية في منتصف شهر أغسطس/ آب الماضي. تبعتها فرحة لم تدم سوى ساعات قليلة بخبر فتح المعبر في 13 أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، قبل أن يعلن خبر غلقِه مرة أخرى لأحداث أمنية في جنوبي مدينتي رفح والشيخ زويد وقتها.
ووقعت حركتا "حماس" و"فتح" في 12 أكتوبر بنود اتفاقية المصالحة بينهما برعاية مصرية في القاهرة، ومعها بدأت الوعود بفتح معبر رفح أمام حركة المواطنين العالقين، بُعيد تسلم حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمد الله للمعابر في غزة، الأمر الذي لم يتحقق حتى اللحظة مع مرور شهر كامل على تلك التصريحات.
"أم ريان" زوجة فلسطينية عالقة مع ابنها في غزة، تعيش أسوأ كوابيسها في هذا الوقت، مع تهديدات زوجها لها بالطلاق، في حال لم تتمكن من السفر إليه والذهاب إلى أميركا في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، في ظل تصريحات سابقة للحمد الله بفتح المعبر حينها، الأمر الذي يجعلها تذرف الدموع دعاءً بتحقيق مرادها وإنهاء عذابها.
وتقول لـ"العربي الجديد": "زوجي مصري ويحمل الجنسية الأميركية، جئت إلى غزة في زيارة لأهلي في شهر مارس/آذار الماضي، وكانت الخطة أن أمكث شهرين تقريبًا وأعود إلى زوجي في أميركا، لكن للأسف ابني لم يلتحق بمدرسته، وكذلك لم أستطع إكمال علاجات الجلطة الرئوية التي كنت آخذها خارج غزة".
وتبين أم ريان أن إطالة إغلاق معبر رفح وعدم تمكنها من السفر والعودة، أدى إلى مشاكل زوجية، وصلت إلى تالهديد بالطلاق. وتقول: "فُرصتي الأخيرة هي السفر في 15 من الشهر الجاري في حال صدقت السلطات المصرية بفتحه في ذلك التاريخ". وتضيف: "أرجو ألا تسوء الأمور أكثر، وتصدق تصريحات القيادات".
معاناة أخرى مختلفة لدى يوسف أبو إسحاق، في عدم تمكنه من السفر إلى ألمانيا منذ ثمانية أشهر، لإكمال تخصصه في أورام الغدد. ويوضح لـ"العربي الجديد"، أنه درس البكالوريوس في الخارج واضطر للعودة بسبب مشاكل في الإقامة، ومنذ ذلك الوقت لم يحصل على فرصته بالسفر وإكمال الدراسة في ألمانيا.
ويضيف أبو إسحاق: "عمري 27 عامًا وسنواتي تضيع بانتظار محاولاتي السفر لإنهاء دراستي، نطالب رئيس حكومة الوفاق رامي الحمد لله بالنظر إلى معاناتنا نحن الطلبة والعالقين والزوجات والمرضى، يكفي انتظار شهور للسفر، الشعب لم يعد يستطيع التحمل أكثر من هذا، أنهوا معاناتنا".