نور الدين، واحد من هؤلاء الشباب، يتجه رفقة عدد من زملائه إلى العمل مع الأحزاب السياسية في كل استحقاق انتخابي للترويج لمشروعها وبرامجها الانتخابية، ليس على سبيل القناعة السياسية، ولكن لكسب أجرة شهرية خلال الحملة الانتخابية.
يتابع نور الدين دراساته العليا في جامعة بولاية البليدة، لكنه لا يدع هذه المناسبة تمر، دون أن يستغلها في توزيع الملصقات الإشهارية والمطويات لصالح حزب "الجبهة الوطنية الجزائرية" عبر شوارع بلديته في ولاية المدية (120 كيلومتراً) غربي العاصمة.
مجهود يومي يكلفه النهوض باكراً ليقصد مقر مداومة الحزب على الساعة التاسعة صباحاً، ليفتح باب المقر الذي يخصصه الحزب من أجل التعريف ببرنامجه واستقبال المواطنين والقيام باجتماعات يومية تعقد مساء كل يوم تضم مجموعة من المناضلين والمرشحين لتكثيف تدريبات الحملة الانتخابية أيضاً.
وكان للتجربة التي عاشها نور الدين في أبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين بمناسبة الانتخابات البرلمانية، دور في اكتساب الخبرة والمال أيضاً، يقول لـ "العربي الجديد": "لقد كانت فرصة تعلمت من خلالها طريقة التواصل مع الآخرين وإقناعهم، وتمكنت من الحصول على مبلغ مالي في ظرف شهر ونصف من العمل الجاد".
وفي الانتخابات البلدية التي تجري حملتها الدعائية الراهنة، يطمح نور الدين، إلى تكرار نفس التجربة، وهذا هو حال الكثير من الشباب في المناسبات السياسية وبخاصة في الانتخابات، التي تأتي مرة كل خمس سنوات.
وينتهز العشرات من الشباب الجزائري الفرصة للعمل تحت غطاء "التنظيم اللوجستيكي" مع الأحزاب السياسية وإدارة الحملة الانتخابية التي تستمر عادة أكثر من 25 يوماً، وتحتاج إلى جهود مختلفة سواء من منتمين للأحزاب أو المناضلين ومن خارج الهيكل الحزبي من شباب متطوع أو آخر يعمل بأجرة محددة مسبقاً مثلما شرح أحد مناضلي حزب طلائع الحريات لـ"العربي الجديد".
وتحاول الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات البلدية المنتظرة قبل نهاية الشهر الجاري، فتح مقرات ومداومات لاستقطاب الناخبين ومنصة للانطلاق في العمل الدعائي، وللتعريف بنشاطات الحزب وبرنامجه السياسي وعمل أعضائه اليومي خلال الحملة الانتخابية، وهو ما يدفعهم إلى توظيف شباب يقومون بأعمال متنوعة عبر مختلف البلديات وحتى المناطق النائية.
وتعد المداومات فضاء مفتوحاً يهدف إلى التقرب من المواطن أكثر والاحتكاك بأفراد الحي والمنطقة الواحدة، ولضعف انخراط المناضلين أو انعدامهم، تلجأ الأحزاب السياسية أو المرشحون إلى الاستعانة بمجموعات من الشباب المتطوع للعمل لصالحها في هذه المداومات بمقابل، وبالنسبة لهؤلاء الشباب لا يهم البرنامج السياسي، بقدر ما يهم العائد المالي.
ويقول الشاب الجزائري وليد لـ"العربي الجديد"، "لا يملك معظم الشباب العاملين لصالح الأحزاب السياسية وعياً سياسياً، ولا يبحثون عن فهم أيديولوجية الحزب وأهدافه المستقبلية، الهدف من عملي اليومي في مداومة أحد الأحزاب السياسية هو كسب أجرة مالية "، ويضيف "أنا أصلاً لا أنتخب، ولا يهمني الحزب والانتخابات بالقدر ما يهمني العائد المادي الذي سأجنيه، لأن المرشحين يبذلون كثيراً لأجل الحصول على أصوات الناخبين، ونحن نحاول أن نحقق لهم هدفهم مقابل المال".
توزيع البرامج الانتخابية وتعليق الملصقات وتنظيم مواعيد الأنشطة التي يقوم بها رؤساء الأحزاب ومرشحوهم، فضلاً عن التواجد أيضاً في مقرات الأحزاب عبر البلديات الموزعة عبر الوطن واستقبال المواطنين والإجابة عن تساؤلاتهم وتوجيههم ومحاولة إقناعهم أيضاً، هي مهام يتكلف بها شباب تتراوح أعمارهم ما بين 21 إلى 29 سنة، صورة تبرز غياب قواعد نضالية لدى العديد من الأحزاب السياسية، وكذا غياب استراتيجية للاستقطاب النضالي لدى الأحزاب السياسية في الجزائر.
وفي السياق، قالت طالبة الدكتوراه، نورة بن موسى، لـ "العربي الجديد"، إنّ "هناك عدداً قليلاً من الأحزاب السياسية التي تعمل لتحفيز الشباب على النضال السياسي وضخ دماء جديدة وتشجيع احتكاكهم بالفعل السياسي، لكن هناك أحزاب تشتغل ظرفياً فقط في استقطاب شباب لا يملك ثقافة أو وعياً سياسياً، هدفه الربح في فترة معينة"، لافتة إلى أن المؤسسة الحزبية في الجزائر عموماً لا تشتغل وفق منظومة محكمة، بل تستغل الشباب العاطل عن العمل في فترة زمنية محددة ننتهي صلاحيتهم مع انتهاء يوم الانتخابات.