في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، بدأت إجراءات انتخابات الاتحادات الطالبية في مصر، على أن تنتهي في 14 ديسمبر/ كانون الأول الجاري. وهذه الانتخابات، بحسب ما يبدو، سوف تفرز اتحاد طلاب مطيعاً للنظام.
بعد عامَين من التوقّف، انطلقت أمس الأحد انتخابات الاتحادات الطالبية في جامعات مصر، وسط مقاطعة الطلاب المحسوبين على المعارضة بسبب الإسراع في إجرائها وعدم مشاركتهم في وضع اللائحة الطالبية. وتشهد الجامعات الحكومية منذ الأسبوع الماضي، دعاية للطلاب المرشّحين والمختارين بعناية من قبل مكاتب رعاية الشباب التي تُشرف عليها الأجهزة الأمنية.
وكانت الجامعات قد أعلنت عن المرشّحين لتلك الانتخابات بعد فحص الطعون الثلاثاء الماضي، علماً أنّها كانت قد فتحت باب الترشح في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. يُذكر أنّ العملية الانتخابية الطالبية تستمر حتى 14 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وفقاً للجدول الزمني المقرّر.
وقد تأخرت انتخابات الاتحادات الطالبية لمدّة عامَين نظراً إلى تأخر صدور اللائحة الطالبية التي أصدرتها الحكومة المصرية في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بموجب القرار 2523 لسنة 2017، وذلك بصورة عاجلة، وسط اعتراضات واسعة داخل المجتمع الطالبي والأكاديمي والأوساط الحقوقية والسياسية والحزبية المعارضة في مصر. تلك الجهات رأت أنّ ذلك يبرز رغبة الوزارة في تحجيم الاتحادات الطالبية وإسناد ميزانيتها إلى الحكومة.
في السياق، أصدر أحد عشر اتحاداً للطلاب على مستوى الجامعات المصرية ولجان طلاب في أحزاب سياسية مصرية معارضة بياناً مشتركاً جاء فيه: "نناديكم في اللحظات الأخيرة، وفي انتخابات يبدو أنّه يُراد بها الانتقام على أضيق نطاق، أعلن وزير التعليم العالي أخيراً عن جدول انتخابات اتحاد الطلاب للعام الدراسي الحالي 2017 - 2018، بعد الإفراج عن اللائحة المحتجزة منذ اعتمادها قبيل بدء العام الدراسي في شهر أغسطس/ آب الماضي". وعن اللائحة الجديدة، أضاف البيان: "رسّخت شكوكنا بخصوص أهداف الوزارة محاولة استعادة أوضاع ما قبل 2011، وفقاً للائحة 2007 سيئة السمعة والمعروفة بلائحة أمن الدولة، وهو ما رفضه بعض رؤساء الجامعات. لكن تم تمرير أشهر بنودها وهو شرط النصاب (الأغلبية المطلقة في اليوم الأول و20 في المائة أو 1000 طالب في يوم الإعادة)، وتعيين الاتحاد من قبل الإدارة في حالة عدم تحقق الشرط، إلى جانب إلغاء اتحاد طلاب مصر".
وأما عن جدول الانتخابات، فقد قال موقّعو البيان نفسه إنّه "لا يحتاج خبيراً في الأحوال الجامعية ليؤكد أنّه تم وضعه بعناية فائقة ليتناسب مع عمل انتخابات بدون طلاب، فأولاً تُعقَد مع نهاية الفصل الدراسي الأول وبدء غياب معظم طلاب الكليات النظرية للاستعداد للامتحانات، وانشغال طلاب الكليات العملية بامتحانات أعمال السنة، وهو ما يتعارض مع مبرر دفاع الوزارة عن شرط النصاب بأنّه يهدف إلى توسيع المشاركة في الانتخابات الطلابية. وثانياً ينطلق الجدول كقطار فائق السرعة فتتم الانتخابات على مستوى الدفعات والإعادة ولجان الكليات ورئيس ونائب الكليات ولجان الجامعة ورئيس ونائب الجامعة في خمسة أيام فقط، مقابل يوم واحد فقط للترشح ومثله للدعاية". وتابعوا: "يبدو أنّ التزكية تحصل على معظم المقاعد، فالدفعات ليست كافية لتفريغ العملية من مضمونها، ولكن يجب أن تُستعاد أجواء ما قبل 2011 بحذافيرها لتكون النتيجة النهائية هي التعيين".
والجولة الأولى من الانتخابات الطالبية التي انطلقت أمس الأحد في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، جرى خلالها فتح لجان التصويت أمام الطلاب لانتخاب أعضاء اللجان الطالبية على مستوى الكليات. وغداً الثلاثاء 12 ديسمبر/ كانون الأول، تُستكمل العملية لانتخاب أمناء اللجان ومساعديهم في الكليات، على أن يُصار في اليوم التالي إلى انتخاب رئيس اتحاد طلاب الكلية. وتختتم انتخابات الطلاب الخميس 14 ديسمبر/ كانون الأول مع انتخاب أمناء اللجان ومساعديهم على مستوى الجامعة ورئيس اتحاد طلاب الجامعة.
تجدر الإشارة إلى أنّ الدعاية الانتخابية في كليات جامعة القاهرة بدأت الخميس الماضي، بعدما أعلنت لجان الانتخابات الطالبية القوائم النهائية للطلاب المتقدمين للانتخابات للعام الجامعي 2017 - 2018 في جميع الكليات، عقب فحص الطعون المقدّمة بين الطلاب المرشّحين التي بلغ عددها 234 طعناً، قُبِل منها 51 طعناً.
في السياق، أكد رئيس جامعة القاهرة، الدكتور محمد عثمان الخشت، قبيل العملية الانتخابية، استعداد الجامعة لإجراء انتخابات الطلاب مع "ضمان النزاهة والشفافية لها"، مشيراً إلى أنّ انتخابات الطلاب تُجرى وفقاً للائحة الطالبية ولا تتدخل إدارة الجامعة فيها. وقد توجّه الخشت إلى الطلاب ودعاهم إلى المشاركة في الانتخابات الطالبية وتأليف مجلسهم الذي يعبّر عنهم، وذلك بطريقة حضارية تليق بطلاب جامعة القاهرة. وشدّد متوجهاً إلى الطلاب المرشّحين لمجالس اتحادات الطلاب في الكليات، على ضرورة التزامهم بقواعد الدعاية الانتخابية وعدم استخدام شعارات سياسية أو حزبية أو دينية، بالإضافة إلى عدم وضع ملصقات دعايتهم الانتخابية على الجدران بطريقة تصعب إزالتها، والحرص في الدعاية على احترام التقاليد والقيم الجامعية وعدم الخروج عن الآداب العامة.
وكانت اللائحة الطالبية الجديدة التي اعتمدتها الحكومة المصرية قد أتاحت عرض أوراق الطلاب المرشّحين على "جهات أمنية" في حالة الشك في "نوايا المرشّح" أو "كونه يروّج لأفكار سيئة"، وذلك عقب تقديم طعن كتابي بخط اليد من زملائه. وهذا ما حدث بالفعل في أكثر من 14 جامعة حكومية على مستوى مصر، إذ قُبلت طعون كثيرة ضدّ طلاب من المرشّحين.
وقد أشارت لـ"العربي الجديد" مصادر في رئاسة الجمهورية إلى أنّ "مدير مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي يعمل بحرص لتخرج نتائج انتخابات اتحادات طلاب مصر مثلما خطّط لها، لا سيّما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقرّر إجراؤها بعد نحو أربعة أشهر، وذلك للحصول على أكبر تأييد ممكن في الأوساط الطالبية، وإن لم يكن حقيقياً".
يُذكر أنّ الانتخابات الطالبية في مصر توقّفت لنحو أربعة أعوام منذ آخر انتخابات أُجريت في عهد الرئيس محمد مرسي في عام 2012. وقد بقيت الاتحادات الطالبية مجمّدة حتى انتخابات العام الدراسي 2015 - 2016، ليجمّدها لاحقاً الدكتور وزير التعليم العالي السابق أشرف الشيحي، بسبب وصول رئيس اتحاد طلاب طنطا عمرو الحلو إلى منصب نائب رئيس اتحاد طلاب مصر بعدما تفوق على مرشّحي الوزارة. والمعروف أنّ الحلو عضو في حزب "مصر القوية" الذي يرأسه القيادي الإخواني السابق والمعارض المصري البارز الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، كذلك فإنه صاحب موقف واضح من قضيّة حبس الطلاب ومشهور بمواقفه المعارضة للدولة. وبعد تجميد الاتحاد، صرّح عمرو الحلو بأنّ "ثمّة مسؤولين في وزارة التعليم العالي لا يرغبون في اتحاد طلاب حقيقي منتخَب يعكس توجهات الطلاب الحقيقية، ويريدون اتحاد ديكور من أجل تمرير مصالح خاصة بهم يحققون منها أرباحاً". أضاف أنّ "قرار إعادة انتخابات اتحاد طلاب مصر مرّة أخرى لم يكن مفاجئاً، ولكنّ الصدمة هي في أنّ الوزارة هي التي تتدخل لإعادة الانتخابات"، لافتاً إلى أنّ القرار "مسيّس". وتابع الحلو أنّ "الوزارة كانت تدعم قوائم بعينها في الانتخابات على الرغم من أنّها تشرف على تلك الانتخابات، وهو أمر غير قانوني وانحياز يبطل الانتخابات". وقد أشار إلى تسجيلات لمستشار وزير التعليم العالي حينها، يطلب خلالها من عدد من الكليات دعم قائمة بعينها والتصويت لأشخاص معيّنين.
من جهته، برّر الوزير قرار تجميد الاتحاد بوجود خطأ في الإجراءات وعدم قانونية ذلك الاتحاد. ومنذ ذلك التاريخ واصلت وزارة الشيحي المماطلة في إجراء الانتخابات عاماً كاملاً بحجة إعداد لائحة طالبية جديدة، وهو ما أدّى إلى عدم إجراء انتخابات العام الماضي، وبالتالي ظلّت الجامعات من دون اتحادات طالبية.