توقّعت السلطات الأميركية في ولاية كاليفورنيا أمس الأحد، عودة رياح "سانتا آنا" العاتية التي ساهمت في تأجيج حرائق الغابات في بعض مناطق جنوبيّ الولاية، الأمر الذي أسفر عن تدمير مئات المنشآت وأجبر نحو 200 ألف شخص على الفرار من منازلهم.
مئات البيوت والمباني تحوّلت أكواماً من الرماد وحطاماً. سواد كسا مئات آلاف الهكتارات الخضراء التي راح الدخان يتصاعد منها. سيارات أكلتها نيران فاقت حرارتها 1500 درجة مئوية، وتركتها هياكل بالكاد يمكن التعرّف على هيئتها السابقة. ألسنة النيران ترتفع عالياً في السماء. هذه بعض من المشاهد التي تُسجَّل في ولاية كاليفورنيا، والتي تُظهر جزءاً من الدمار الذي تشهده الولاية منذ نحو أسبوع بسبب اشتعال الحرائق فيها مجدداً.
وتتشابه روايات الناجين من الحرائق المستجدّة في جنوبيّ كاليفورنيا. يخبر أحدهم أنّها "كانت الساعة متأخرة من الليل وكان والداي نائمَين، عندما بدأتُ أرى عتمة الليل وهي تتبدّد شيئاً فشيئاً مع ظهور لهب أحمر في الأفق البعيد. صرت أنظر من نافذتي مرّة كلّ 15 دقيقة، لأتأكد من وضع اللهب أو الضوء وإذا صار أقرب أو أقوى". يكمل: "لم أوقظ والدَيّ لاعتقادي بأنّ النيران بعيدة ولن تطاولنا، إلى أن جاء جارنا الذي يعمل في إحدى فرق الإطفاء. فطلب من الجميع المغادرة على الفور، لأنّ النيران تتقدّم بسرعة نحو منطقتنا. لم يكن لدينا وقت كثير وبالكاد تمكّننا من حمل بعض حاجياتنا، قبل أن نتوجّه إلى مستشفى يقع على تلة مجاورة ورحنا نشاهد منطقتنا وبيتنا يحترقان". بهذه الكلمات اختصر هذا الناجي من حرائق لوس أنجليس خروجه من البيت ونجاته وعائلته من الحرائق التي راحت تلتهم الأخضر واليابس. يُذكر أنّه واحد من مئات الآلاف الذين جرى إجلاؤهم من بيوتهم في مناطق عدّة.
والصور الآتية من لوس أنجليس ومناطق ساحلية أخرى جنوبيّ كاليفورنيا تبدو بحسب ما يصفها الناجون من الحرائق، كأنّها مقتطعة من فيلم رعب لا يكاد ينتهي حتى يبدأ من جديد. فهذه هي الموجة الحادية عشرة من الحرائق التي تضرب مناطق مختلفة في ولاية كاليفورنيا منذ بداية عام 2017 الذي شارف على نهايته. والموجة الأخيرة المستمرة منذ يوم الاثنين الماضي، تنتقل حرائقها بسرعة نتيجة الرياح واتجاهها وكذلك الجفاف. وقد تسبّبت سُحب الدخان الأسود الكثيفة الناجمة عن الحرائق، في إصابة عشرات الأشخاص بالاختناق وجرى نقلهم إلى المستشفيات. وحتى كتابة هذه السطور، أُعلِن عن وفاة شخص واحد، امرأة في السبعين من عمرها لقيت مصرعها في سيارتها وقد تعرّضت للاختناق. وتُعَدّ الإصابات من جرّاء هذه الحرائق قليلة نسبياً، إذا ما قورنت بأكثر من 40 قتيلاً خلال الحرائق التي اندلعت قبل شهرَين في شماليّ الولاية.
والحرائق التي تشهدها كاليفورنيا حالياً في جنوبيّ الولاية، كانت قد سبقتها موجة جرت السيطرة عليها قبل نحو شهرَين في شماليّ الولاية، لا سيّما في مناطق سونوما ونابا المعروفة بخضرتها وبأنّها مناطق سياحية، إلى جانب كروم العنب ومزارعها التي تنتج أنواعاً فاخرة من النبيذ وتملكها عائلات صغيرة. وكانت الخسائر الناجمة عن تلك الحرائق قد قُدّرت بأكثر من 300 مليار دولار أميركي. أمّا الخسائر الناجمة عن الحرائق الحالية، فما زال من المبكر الحديث عن حجمها. يُذكر أنّ موجة الحرائق الحالية في الجنوب قد طاولت عدداً كبيراً من البيوت الفاخرة، خصوصاً في مدينة لوس أنجليس والمنطقة المحيطة بها، حيث يعيش المشاهير من ممثّلي هوليوود ومن أغنياء آخرين.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن يوم الجمعة الماضي، حالة الطوارئ في جنوبيّ كاليفورنيا استجابة لطلب حاكم الولاية جيري براون. وهذا الإعلان يسمح للولاية بتلقّي مساعدات فدرالية، ويسمح كذلك للمكاتب الحكومية الفدرالية بتنسيق عمليات الإغاثة والمساعدة. وفي مؤتمر صحافي عقده براون أخيراً بعد تفقّده بعضاً من المناطق المتضررة من جرّاء النيران، قال: "نحن نواجه واقعاً جديداً في الولاية، إذ يهدّد عدد أكبر من الحرائق حياة الناس وكذلك أملاكهم وأحياءهم السكنية ويتسبب في خسارة مليارات من الدولارات. علينا أن نجد طرقاً أفضل لمكافحة هذه الحرائق ومواجهتها، وكذلك توفير موارد مادية ولوجستية لمكافحتها". وحذّر براون من موجات حرائق جديدة في أوقات لاحقة، تضطر رجال الإطفاء إلى مكافحتها كذلك خلال فترة عيدَي الميلاد ورأس السنة.
وسط النيران (ماريو تاما/ Getty) |
والحرائق التي اشتعلت في أكثر من 175 ألف هكتار أدّت الحرائق إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل شبكات المياه في مناطق عدّة ضربتها النيران وفي أخرى محيطة بها، إلى جانب أضرار في شبكات الهواتف والإنترنت. وبحسب مصادر رسمية، فقد انقطع التيار الكهربائي عن نحو سبعة آلاف منزل ومبنى.
وما زالت الحرائق حتى كتابة هذه السطور، مشتعلة في ستّ مناطق رئيسية في جنوبي كاليفورنيا، وثمّة صعوبة في السيطرة عليها لأسباب عدّة، من بينها اشتداد الرياح التي وصلت سرعتها في بعض المناطق إلى أكثر من 90 كيلومتراً في الساعة، وهو الأمر الذي يؤدّي إلى انتشار لهيب النيران بسرعة فائقة وفي اتجاهات مختلفة مع التغيّر المستمر في اتجاه الرياح. وقد شبّه مسؤول في الإطفاء الوضع خلال مؤتمر صحافي، بالأعاصير التي تضرب السواحل والتي يصعب القيام بأيّ شيء لوقفها، مؤكداً أنّ وقف النيران التي تنتشر بسرعة وبمساعدة الرياح يصير صعباً جداً.
وكان رجال الإطفاء قد حقّقوا بعض النجاح خلال مكافحتهم الحرائق التي تشتعل منذ نحو أسبوع في تلك المناطق، وتمكّنوا من احتواء عدد منها. في هذا الإطار، تشير السلطات في كاليفورنيا إلى أنّ تسعة آلاف رجل إطفاء (من بينهم نساء كذلك) يعملون منذ أسبوع تقريباً وفي ورديات متتالية على إخماد الحرائق المشتعلة، إلى جانب الجهد الذي تبذله عشرات المروحيات.
تجدر الإشارة إلى أنّ أكثر من ثمانية آلاف حريق ضربت كاليفورنيا منذ بداية عام 2017 وطاولت أكثر من ثمانية ملايين فدّان، في حين أعلنت حالة الطوارئ أكثر من 11 مرة في هذا السياق.