في أوغندا، كما هي الحال في عدد من البلدان، يترافق ختان الفتيان بطقوس خاصة، تكون بمعظمها احتفالية. فالختان لدى شعوب تلك البلدان من العادات والتقاليد التي يحرص المجتمع على التمسّك بها.
في شرق أوغندا، يتنافس الأطفال لحضور موسم الختان، ليس كمشاهدين فقط بل كمشاركين في طقوس خاصة للختان تعرف باسم "موسم إيمبالو" وتحرص قبيلة "باماسابا" على تنظيمها كل ستة أشهر. ويُبدي الأطفال شجاعة بالغة، هم الذين يخضعون لعملية مؤلمة لكن ضرورية للانتقال إلى مرحلة البلوغ، بحسب التقاليد المحلية.
و"إيمبالو" حفل ختان تقليدي يعود تاريخه إلى أكثر من قرنين من الزمان. ارتبط بقبيلة باسامابا، وهي من أقدم القبائل الأوغندية. خلال هذا الموسم، يختن مئات الذكور من القبيلة، سواء أكانوا صغاراً أو مراهقين تراوح أعمارهم بين 16 و20 عاماً، وذلك على أيدي جراحين لا يتمتعون بالخبرة اللازمة أو معالجين تقليديين. ويحدث هذا أمام جمهور كبير من السياح الأفارقة وآخرين من دول مختلفة. ومنذ سنوات، دأبت السلطات ومجلس السياحة على الترويج لموسم "إيمبالو" كأحد أهم المهرجانات والمناسبات المحلية الوطنية، ليس فقط بسبب الطقوس والمظاهر الثقافية العديدة التي تسبق مراسم الختان الفعلية، بل أيضاً بسبب طبيعة المشاركين فيه وإصرارهم على الختان من دون مخدّر، وفي عمر مبكّر بالمقارنة مع الصغار.
في هذا السياق، يقول ممايدو باري (38 عاماً)، وهو مدرّس من مالي، إن "ختان إيمبالو من العادات الأصيلة التي يحرص عليها أبناء قبيلة باسامابا، إذ ينتقل المراهق إلى مرحلة البلوغ، ويصبح قادراً على أن يكون مستقلاً في حياته وترك منزل والديه والزواج وبدء عمله الخاص". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّه، خلال السنوات الأخيرة، بات الموسم أكثر جاذبية، ويستقطب كل عام مزيداً من السياح الدوليين الذين يعربون عن دهشتهم، خصوصاً لناحية قدرة الشباب على تحمّل الألم من دون تخدير. ويؤكّد باري، الذي عمل سنوات في أوغندا، أن كل الصبية يخدرون، ويتوجب عليهم أن يواجهوا السكين.
وتقول الأسطورة إن طقوس "موسم إيمبالو" بدأت للمرة الأولى حين أراد رجل ينتمي إلى قبيلة "باماسابا" الزواج من امرأة تنتمي إلى قبيلة "كالينجي" من كينيا، فاشترطت عليه قبيلة العروس ختانه قبل الزواج، ثم أخذ هذا التقليد يترسخ في أذهان شباب المنطقة، خصوصاً أولئك الذين يرغبون في الاستقرار، وتأكيد بلوغهم مرحلة الزواج.
وتبدأ الحكاية عندما يخبر الصبي والده أنه مستعد لطقوس الختان، ليبلغ بدوره زعيم القبيلة بالأمر. بعدها، يلتحق الشاب بآخرين يتم إعدادهم لهذه المرحلة. وتبدأ طقوس الختان برقصة احتفالية يشارك فيها مجموعة من الشبان، لجعلهم أكثر استعداداً لعملية الختان. وخلال الرقص، يتولّى المعالجون التقليديون تلطيخ أجسادهم بخليط من الأعشاب وروث البقر، وتزيينها بالخرز لتحصينها من العين الشريرة، ويحصل الختان في هذه الأجواء الحماسية من خلال استخدام سكين حاد. وبعد انتهاء الاحتفال الذي تشارك فيه النساء برقصات وأغانٍ حماسية، يرتدي الصبي الذي أصبح "رجلاً" سروالاً قصيراً مزيناً بأصداف وأجراس، وينقل إلى بيته في احتفال يشبه الزفة، وتقيم عائلته حفلة وتذبح ديكاً أو خروفاً بحسب قدرتها.
لكنّ بعض العشائر في أوغندا حاولت تشويه "موسم إيمبالو" من خلال فرض الختان القسري، في محاولة لتعميم هذه الممارسة. وتعمد إلى خطف بعض الشباب وإرغامهم على الختان بداعي "بدء مرحلة البلوغ". وقد أثارت حالات كثيرة ضجة في البلاد بعد إرغام الضحايا على الختان، ومعاناتهم من مضاعفات هذه العملية التي تحدث في الشارع أحياناً، وسط الهتافات.
وتتوقّف الحياة في بلدات ومدن شرق أوغندا خلال موسم الختان، خوفاً من إرغام الشباب على الختان. وأحياناً، تضطر الشرطة إلى التدخل لتفريق الحشود التي ترغم الشباب على الختان القسري في الشارع. وتجوب شوارع مدن شرق أوغندا مجموعات قبلية تردّد أغنيات عن الختان، وتدعو الشباب إلى المشاركة. وتتضمن الحملات إخبارهم بأن من يخضع للختان تقل لديه نسبة الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية الإيدز الذي يثير الرعب في البلاد.
وخلال السنوات الأخيرة، عمدت السلطات إلى تنظيم حملات علاجية وتوعوية من أجل مكافحة الإيدز، من خلال الختان، بهدف الحد من انتشار الفيروس. ونجحت هذه الحملات في التقليل من معدلات الإصابة بالإيدز، الذي انخفض من 10 إلى 6.3 في المائة، بحسب إحصائيات رسمية.
ولا يقتصر الأمر على أوغندا، بل هناك كينيا ورواندا اللتان بدأتا تنظيم حملة كبيرة للختان بهدف مكافحة انتشار الإيدز، وقد نالت هذه الحملات في أوغندا إعجاب الشباب الباحثين عن حياة صحية آمنة بعيداً عن شبح الإصابة بالإيدز، خصوصاً بعد نشر دراسات تشير إلى أن الرجال الذين تعرضوا للختان تنخفض لديهم نسب الإصابة، ما دفع رجالاً من أوغندا وكينيا ورواندا إلى الاقبال على الختان في ظل ارتفاع نسبة الإصابة محلياً بالإيدز. وكانت منظمة الصحة العالمية قد أقرّت الختان رسمياً كوسيلة للوقاية من الإيدز، بعدما أظهرت الدراسات أنّه يقلّص من معدل الإصابة بالفيروس بنسبة 60 في المائة.