تدعى مريم الخطيب، ولا يتجاوز عمرها ست سنوات. تجلس على أحد أرصفة الطرقات في مدينة صيدا (جنوب لبنان). تضع أمامها بعض علب المحارم، ولا تُجيد التوسّل إلى المارة لطلب المال أو بيع ما تحمله. تنتظر أن يرأف الناس بحالها، من دون أن تتفوّه بأي كلمة. تنظر إلى المارة وتعلو ابتسامة خجولة شفتيها الصغيرتين. أحياناً، تشيح بوجهها خجلاً أو ربما خوفاً. تجوع كثيراً منذ أن قُتل والداها في حمص. لا تذهب إلى المدرسة، حالها حال أطفال آخرين، وها هي تسعى إلى تأمين عيشها.
في الصباح الباكر، توقظها جدتها التي تعتني بها وشقيقيها. تعيش العائلة في كوخ صغير في منطقة وادي الزينة في المدينة. لا خيار أمام مريم إلا أن تحمل أغراضها وتنزل إلى الشارع وتبحث عن لقمة عيشها. بداية، تتململ في نومها، وسرعان ما تستيقظ وتجهز نفسها، فلا مفرّ من الذهاب إلى العمل.
تحمل مريم علب المحارم الصغيرة البيضاء، وتنظر إلى أطفال يحملون حقائب على أكتافهم، وهم يصعدون حافلة المدرسة. أحياناً، تستقل سيارة أجرة، أو تذهب إلى مدينة صيدا سيراً على الأقدام. لم تختر مريم أن تكون بائعة محارم، بل هو الموت الذي خطف والديها منها، والقذائف التي كانت تسقط على حمص. بقيت وشقيقتها وشقيقها على قيد الحياة. وبعد موت والديها، جاءت بهم الجدة إلى لبنان، لتواجه هذا المصير المرّ.
ويقول عامل في موقف للسيارات إن جدة مريم ليست أرحم من قذائف الموت، هو الذي يراها تأتي بهم إلى هذا المكان كل يوم، ليبيعوا ما يملكون من بضائع. وحين سألناها إذا ما كانت تحبّ المدرسة، أشاحت بوجهها خجلاً. لكن عيناها قالتا إنّها لطالما أحبت الذهاب إلى المدرسة، والدراسة، واللعب مع أصدقائها، والعيش مع والديها، لكن الحرب كانت قاسية، وتركتها في مواجهة مصيرها.
مستقبلها اليوم متوقّف على ما تبيعه من علب محارم. بعض المارة ينظرون إليها بحزن شديد. وكثيرون يعطونها المال من دون أن يأخذوا منها المحارم بالضرورة. يُدركون أن الشارع يرهقها، وأن جسدها الصغير في حاجة إلى النوم وتناول الطعام.
مريم وغيرها من الأطفال هم ضحايا الحرب. ربما يخسرون طفولتهم ومستقبلهم إلى الأبد. لم تتحدث مريم عن تركها سورية والانتقال إلى لبنان. تعرف فقط أن بيتها في حمص تهدّم بسبب القذائف، وأن والديها قتلا، وقد خسرت كل شيء، وبات عليها أن تواجه الحياة التي قست عليها.