تحت عنوان الهجرة، ولا سيّما هجرة الشباب العربي، استكمل المؤتمر السنوي للعلوم الاجتماعية والإنسانية فعالياته في الدوحة، قبل أن يختتمها بالجائزة العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية للعام الأكاديمي 2016 - 2017.
اختتمت مساء أمس الإثنين، أعمال المؤتمر السادس للعلوم الاجتماعية والإنسانية الذي نظّمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في العاصمة القطرية الدوحة على مدى ثلاثة أيام. وركّز اليوم الأخير للمؤتمر على مسائل الهجرة في المغرب العربي، من خلال جلستَين، الأولى تناولت "الأبعاد الاقتصادية لهجرة الشباب" والثانية "إشكاليات الهجرة السرية وأسئلة التنمية".
الدورة السادسة للمؤتمر الذي يُعقَد سنوياً منذ عام 2011، أتت لتناقش موضوعَين. وقد جاء الشق الأول للمؤتمر ليشتبك مع "سؤال الأخلاق في الحضارة العربية الإسلامية" والشقّ الاجتماعي ليناقش "الشباب العربي: الهجرة والمستقبل" بمشاركة نخبة من الباحثين والأكاديميين العرب.
في النقاشات التي تناولت الهجرة من دول المغرب العربي، رأى أستاذ الاقتصاد في جامعة القاضي عياض، إبراهيم المرشيد، أنّ المغرب لم يستثمر "الهِبة الديموغرافية" التي يعيشها منذ مطلع الألفيّة. جاء ذلك في ورقته التي قدّمها تحت عنوان "الهِبة الديموغرافية في العالم العربي: نعمة أم قنبلة موقوتة؟ المغرب أنموذج".
عرّف المرشيد الهِبة الديموغرافية قائلاً إنّها "مجموعة من التغيّرات الإيجابية التي تحدث في بلد معين، تتركز بنموّ الأفراد القادرين على العمل بشكل متفوق"، وهي تأتي في ظلّ انخفاض معدّل الولادات الجديدة. ولفت إلى أنّ هذه الهِبة "محدودة زمنياً، وتدوم لفترة قصيرة تتراوح بين 15 و20 سنة، وقد تساهم في خلق الثروات والإسراع بالنموّ الاقتصادي إذا تمّ استثمارها بشكل صحيح". وهو أمر لم يحدث في المغرب بحسب الباحث، على الرغم من أنّ ملامح الهِبة الديموغرافية بدأت في عام 2003 في البلاد، من خلال انخفاض معدّل الولادات الجديدة وانخفاض نسبة الإعالة لتصل إلى ما يقارب 51 في المائة. وشدّد المرشيد على أنّ استثمار الهِبة الديموغرافية يأتي من خلال إصلاح قطاعات "التعليم والصحة وسوق العمل"، وهو أمر لم يحدث في المغرب، فأدّى بالتالي إلى "عدم استفادة المغرب من الهِبة الديموغرافية، بل تحوّلت إلى نقمة، من خلال ارتفاع معدّلات البطالة وازدياد الهجرة السلبية".
تجدر الإشارة إلى أنّه في تعليق على ورقة المرشيد، قال الأكاديمي والباحث العراقي هاشم نعمة فياض إنّ دولاً عربية عدّة تمرّ بمرحلة "الهِبة الديموغرافية" من دون أن تستغلها على وجه أمثل، وتحدّث عن دول الخليج العربي والأردن وتونس ومصر والجزائر.
في السياق، رأى الباحث والخبير في التنمية البشرية والحوكمة، مروان أبي سمرا، أنّ المغرب "أمام اختلال تاريخي في سوق العمل، في ظل انخفاض قدرة السوق على خلق فرص وظيفية جديدة". وأكّد أنّ النمو الاقتصادي الذي شهده المغرب خلال السنوات القليلة الماضية، لم يولّد فرص عمل جديدة، إذ هو "في حاجة إلى خلق 300 ألف فرصة عمل سنوياً، بينما لا يقوم بخلق أكثر من 100 ألف فرصة تقريباً كلّ عام".
ولفت أبي سمرا النظر في ورقته التي جاءت تحت عناون "الهجرة ولغز انخفاض معدل البطالة في المغرب"، إلى مفارقة مثيرة للانتباه تتلخص بانخفاض معدّلات البطالة في المغرب خلال عشر سنوات (2000 - 2010) مع أنّه لا تتوفّر فرص وظيفية جديدة للشباب على الرغم من النموّ الاقتصادي. ويعزو الانخفاض في نهاية المطاف إلى ارتفاع معدلات الهجرة السنوية من المغرب، منذ عام 1995. وتناول أبي سمرا ما يسمّيه "العناصر المغذية لديناميات الهجرة وسيروراتها" التي يلخّصها في "شبكات وثقافة الهجرة"، واستفادة المغرب من أنّه ممرّ للهجرات الأفريقية إلى أوروبا، الأمر الذي ساهم في تراكم خبرات التهريب وعوامل وديناميات أخرى ذات خصوصية محلية.
من جهته، تحدّث الباحث وأستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة ابن زهر المغربية، زهير البحيري، عن هجرة الشباب المغربي السريّة أو "ظاهر الحريك" من ناحية اجتماعية ومن خلال بحث ميداني. وأكّد البحيري في ورقته التي ناقشت "الشباب وظاهرة الحريك بالمغرب" أنّ أسباباً متداخلة أدّت في نهاية المطاف إلى زيادة معدّلات الهجرة غير الشرعية من المغرب، أبرزها "ضعف مؤشّرات التنمية البشرية" و"المواقف الفردية والتمثلات الاجتماعية"، من خلال محاكاة تجربة الذين هاجروا سابقاً عبر المتوسط، بالإضافة إلى "دور مافيا الاتّجار بالبشر والتي ساهمت في ارتفاع معدّلات الهجرة غير الشرعية". وأشار البحيري إلى أنّ الهجرة غير الشرعية "لا تقتصر على الذكور، خصوصاً بعد تصاعد تأنيث الظاهرة مؤخراً"، مشدداً على أهميّة عدم النظر إلى الهجرة من زاويتَي الفقر والبؤس وإنّما محاولة رؤية الظاهرة "في أبعادها وإشكالياتها المركبة والمعقدة".