عاد عبد الناصر محمود ناصر الحصري مستنداً على عكّازته، في جولة وزيارة إلى مسقط رأسه قرية الكابري المهجرة، التي ولد بها عام 1932، لم تخنه ذاكرته فهو يعرف من قطن في الحي الشرقي والغربي من القرية، بالرغم من كهولته.
الجولة جاءت بتنظيم من جمعية "المهجرين" صباح يوم السبت تحضيراً لمسيرة العودة التي ستعقد يوم الثاني من مايو/ أيار المقبل تحت عنوان "العودة حق مقدس".
تبعد قرية الكابري 13 كيلومتراً من الشمال الشرقي لمدينة عكا، وتقع عند سفوح الجليل الغربي، وترتفع 75 متراً عن مستوى البحر، تبلغ مساحة أراضيها 47 دونماً، واشتهرت بعذوبة وغزارة مياهها، وكان فيها أربع عيون ماء، نبع عين المفشوخ، وعين الفوّار، وعين الكابري أو الباشا، وعين العسل؛ لعذوبة مياهها. وعُرفت أيضاً بخصوبة أراضيها وزراعة الحمضيات والموز وغيرها.
سقطت قرية الكابري يوم 21 أيار/مايو من عام 48 بيد القوات الصهيونية بعملية سُميت بن عامي. وكان عدد سكانها الفلسطينيين بعام النكبة قرابة 1700. اسم الكابري هو من أصل سرياني، ومعناه الكبير والغنيّ.
وتهجّر غالبية أهاليها، أي أكثر من 99 بالمائة والغالبية الساحقة في لبنان، خاصة مخيم برج البراجنة، ومع الوقت وبعد النكبة انتشروا أيضاً في الشتات.
مطحنة الريس ما زالت قابعة في مكانها وشاهدة على النكبة وذكريات الماضي، رغم تهويد المكان وإقامة مستوطنة الكابري، وهدم غالبية بيوتها وعمرانها، إلا أن شواهد القبور لأهالي قرية الكابري راسخة في مكانها شاهدة على عروبة وفلسطينية المكان.
وفي حديثٍ مع عبد الحصري، مهجر من قرية الكابري يقطن في مدينة عكا اليوم، ولديه 11 من الأبناء والبنات، قال: "ذهبت ثلاث مرات إلى لبنان بعد الاحتلال عام 48، لأننا بقينا لوحدنا في عكا بعد النكبة. فقط أنا ووالدي الذي توفي عام 1954. فبقيت وحيداً من عائلة الحصري، لأن غالبية عائلتي تهجَّرت بالنكبة".
وتابع "قبل الاحتلال ذهبت إلى لبنان عبر البحر ونزلت في صيدا وعدت إلى عكا. وفي سنة الثلجة 1950 بعد النكبة، ذهبت باحثاً عن أقاربي في لبنان سيراً على الأقدام. وبعد عام 1967 وجدتهم في مخيم نهر البارد. ذهبت إلى لبنان مشياً على الأقدام، خرجت من عكا إلى قرية البعنة ومن ثم إلى قرية دير الأسد، وبعدها إلى قرية حرفيش حتى وصلت قرية رميش في لبنان، وذهبت لبيروت. في السابق كانت الحدود مفتوحة".
وأضاف "مرة بالصدفة عند عودتي إلى عكا من لبنان في سنة الخمسين، وجدت في طريقي رجلين وامرأتين، بطريقهم للعودة إلى فلسطين، مشيت معهم وعندما أردنا عبور الشارع رأينا دبابة إسرائيلية أمامنا، فاختبأنا في الوادي حتى مرت وواصلنا طريقنا. في ذلك الوقت لم تكن الحدود مثل اليوم، وكانت الناس تذهب إلى لبنان وتعود لفلسطين".
وتابع "جدّي وجدتي، أبناء عمي وأعمامي خارج البلاد. كبار السن غالبيتهم توفوا. ومؤخراً زرت عائلتي في الدنمارك وألمانيا وأيضاً ابنة عمي في كندا، أردت أن أتواصل معهم ليعرفوا أننا موجودون على قيد الحياة".
وأقامت الحركة الصهيونية كيبوتس "يحيعام" في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1946 بجانب الكابري وسكنه 60 شخصاً. منذ قرار التقسيم في 29 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1947 حوصر الكيبوتس الذي كان داخل منطقة مكتظة بالعرب.
وفي السياق قال محمد كيال من جمعية المهجرين: "كان وضع الكيبوتس حرجًا، قررت قيادة لواء "كرميلي" إرسال قافلة عسكرية تحمل مؤنًا مكونة من تسع مركبات مدرعة مع حوالى 90 جنديًا من الكتيبة 21 التابعة للواء المذكور. وعند محاولة دخول الكتيبة الصهيونية للقرية تصدى لها المقاومون العرب الفلسطينيون بيوم 27 مارس/آذار بعام 48 وسقط في أعقابها 47 صهيونياً، وكذلك قائد الكتيبة شختير بن عامي، وسميت المستوطنة اليهودية بن عامي. بعد شهرين في 21 مايو/أيار عندما احتل الصهاينة الكابري كانت العملية تحمل اسم بن عامي على اسم قائد القافلة الذي سقط في هذه المعركة. ووفق مصدر من كتاب الهاجانة يقول إن هذه المعركة استمرت عشر ساعات".
وأضاف "قيل للقوات الصهيونية التي هاجمت القرى المشمولة بعملية بن عامي في مايو/أيار 48 أنه يجب إزالتها انتقاماً لخسارة القافلة، دمّرْ واطردْ. مهمتنا هي الهجوم من أجل الاحتلال، قتل الرجال تدمير وإحراق الكابري وقريتي أم الفرج والنهر"، هذا الاقتباس ذُكر في أرشيف كتاب إسرائيلي ذكر كتيبة لواء كرميلي في حرب الاستقلال. تم احتلال الكابري خلال 29 ساعة، وجرت عمليات تطهير عرقي.