"ماتوا من الكوليرا وهم لا يعرفون أنّهم مصابون بمرض خطير"، يقول عارف عبد الباسط بأسى وهو يشير إلى بعض الذين توفوا في ريف محافظتَي المحويت والحديدة (غرب) في منازلهم من دون أن يعلموا ما أصابهم. يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "كثيرين هم المواطنون اليمنيون الذين لم يعرفوا شيئاً عن الكوليرا الذي اجتاح اليمن ولم يدركوا مخاطره، فتوفوا في منازلهم بصمت". ويعيد عبد الباسط الأمر إلى "انقطاع الكهرباء وعدم وجود فرق تعمل على توعية المواطنين حول المرض ومخاطره في المناطق والقرى النائية التي لا تبلغها وسائل الإعلام".
وترِد الناس في بعض القرى النائية في محافظتَي الحديدة والمحويت، بحسب عبد الباسط، "أنباءٌ عن وفاة أحدهم الذي كان وحتى وقت قريب في أتمّ العافية، ليكتشفوا لاحقاً بأنّ القاتل هو مرض يسمعون عنه للمرّة الأولى". ويلفت إلى أنّهم "لا يستطيعون حتى معرفة وسائل الوقاية منه أو تشخيصه أو كيفية التعامل معه". وعبد الباسط الذي يسكن في منطقة خميس بني سعد التابعة للمحويت والمحاذية لمدينة الحديدة الساحلية، يخبر أنّه "نسمع يومياً عن أشخاص نعرف بعضهم توفوا بسبب المرض. لو كانوا في المدن، ربما كان من الممكن إنقاذهم، لأنّهم كانوا سمعوا بالتأكيد عن المرض وعرفوا ما هي وسائل الوقاية منه أو علاجه".
في السياق، يموت بعض المصابين بالمرض لعدم قدرتهم على بلوغ المستشفيات والمراكز المخصصة لعلاج المصابين بالكوليرا، لا سيّما هؤلاء الذين يقطنون في المناطق النائية. ويقول الناشط محمد صنعة لـ "العربي الجديد" إنّ "اثنَين أصيبا بالكوليرا في قرية الحائط في منطقة بني أسعد - حفاش، إصابة أحدهما خطرة، ونخشى أن يكون آخرون قد أصيبوا في المناطق ذات الطبيعة الجبلية الوعرة". ويشير إلى أنّهم "سوف يجدون صعوبة في الوصول إلى المستشفيات والمراكز الصحية في مركز المحافظة أو صنعاء".
وإذ يعيد صنعة أسباب تزايد أعداد المصابين إلى عدم اهتمام الجهات المعنية بمواجهة مثل هذه الأمراض، يؤكد على أنّ "أهالي المنطقة لا يجدون مياهاً نظيفة، في حين أنّ المنازل بمعظمها لا تحوي حمامات، فيضطرون إلى قضاء حاجتهم في العراء. إلى ذلك كله، لا نجد توعية ولا تثقيفاً". ويلفت كذلك إلى "وعورة الطريق وشحّ الامكانيات المادية وبُعد المسافة التي تفصل هؤلاء عن المراكز الصحية في عاصمة المدينة والتي لا تتوفر فيها غالباً، الأدوية المناسبة".
ويعبّر صنعة وهو أحد الناشطين في مجال التوعية حول مخاطر المرض على مواقع التواصل الاجتماعي، عن مخاوفه من مغبّة تجاهل المجتمع شروط النظافة الصارمة والمياه الآمنة في مثل هذه الظروف التي ينتشر فيها المرض بقوة. ويشدّد على أنّ ذلك "يؤدّي إلى زيادة الحالات التي تستوجب دخول المشافي والمراكز الصحية في حين يعجز النظام الصحي عن استقبال عدد كبير من المرضى في الوقت نفسه وتقديم العلاج لهم. فتأتي المعالجة بالتالي متأخرة أو جزئية أو لا تتمّ لعدم القدرة على استقبال الحالات وصولاً إلى حدّ الوفاة". ويطالب صنعة وزارة الصحة "الاستعداد لكل السيناريوهات وتجهيز كادر بشري ملائم والتمكّن مادياً لمواجهة المرض عبر العمل التوعوي الذي يستبق حدوث الكارثة".
تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) خصصت مليونَي دولار أميركي لمكافحة فاشية الكوليرا في اليمن عبر توفير الأدوية والمحاليل الطبية اللازمة. وقد أوضحت ممثلة اليونيسف في اليمن ميرتشل ريلانيو أنّ المنظمة "تعمل من أجل حماية الطفولة في اليمن وتدرك الوضع الإنساني الصعب". وكانت اليونيسف قد أعلنت كذلك عن "ارتفاع مخيف" في عدد الإصابات بالإسهال المائي الحاد والذي بلغ حتى صباح الأربعاء 17 ألفاً و219 إصابة، 257 حالة منها مؤكدة مخبرياً على أنّها كوليرا إلى جانب 206 حالات وفاة.
وعن جهود الدعم، أعلن مدير عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر دومينيك إستلهارد أخيراً أنّ المنظمة قررت زيادة مساعداتها لليمن بسبب انهيار النظام الصحي للأمراض، لا سيما مع إعلان صنعاء مدينة منكوبة. من جهتها، كانت منظمة أطباء بلا حدود قد دعت الأحد الماضي "المنظمات الدولية إلى زيادة مساعداتها بشكل سريع لوقف تفشّي المرض"، معبّرة عن مخاوفها من عدم تمكّن السلطات الصحية اليمنية وحدها من التعامل مع الكوليرا.
في سياق متصل، كانت وزارة حقوق الإنسان اليمنية قد دعت في رسالة وجّهتها أوّل من أمس إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى التدخّل السريع لإنقاذ حياة أكثر من 45 معتقلاً في سجون الحوثيين بعد إصابتهم بالكوليرا.