في أبريل/ نيسان الماضي، عادت أزمة كوليرا اليمن إلى الواجهة، لتطاول 18 محافظة بحسب المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها. وقد سُجّلت 38 في المائة من الإصابات في أمانة العاصمة.
تتّسع دائرة انتشار الكوليرا في اليمن وسط توقعات بوصول عدد المصابين إلى 300 ألف مصاب خلال الأشهر الستة المقبلة وبلوغ نسبة الوفيات بالمرض خمسة في المائة، وفق آخر بيانات لمنظمة الصحة العالمية. وتُطرح الأسئلة حول الأسباب التي أدّت إلى تفشّيه بهذه السرعة، فيما الأبرز يبقى عدم إيلاء القطاع الصحي أولوية في الدعم والمتابعة من قبل السلطات بحسب ما يؤكّد متابعون لهذا الملفّ.
أسباب تفشّي الكوليرا متعددة بحسب ما يقول الطبيب في مستشفى مأرب التخصصي الدكتور يوسف الهتار، الذي يلفت إلى أنّ السبب الأساسي هو "دخول فصل الصيف وموسم الأمطار في ظلّ تكدّس النفايات في شوارع المدن كان السبب الأساسي". ويشرح لـ "العربي الجديد" أنّ "النفايات المتراكمة تتضمن بقايا براز في حفّاضات الأطفال مثلاً، وقد تسرّبت المياه المختلطة بأوساخ النفايات إلى المياه الجوفية التي يشرب منها اليمنيون بمعظمهم". يضيف أنّ "مياه الصرف الصحي اختلطت بمياه الشرب في مناطق كثيرة في العاصمة صنعاء".
ويوضح الهتار أنّه "بعد ظهور المرض، ساعدت عوامل عدّة على انتشاره بصورة سريعة ومخيفة". ويتحدّث عن "الوجبات السريعة التي يتناولها اليمنيون خارج المنزل تكون غالباً إمّا مكشوفة أو غير ساخنة أو غير مطبوخة كفاية، خصوصاً في المطاعم الشعبية. من خلال ذلك قد تنتقل العدوى من شخص إلى آخر، لا سيما مع عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية وغسل اليدين وتعقيمهما باستمرار". يضيف الهتار أنّ "الذباب والحشرات عموماً تنقل الكوليرا، خصوصاً مع تراكم النفايات. وهو ما يساهم في تزايد عدد المصابين بالمرض، إذ لا أحد قادراً على الحدّ من انتشار الذباب في كل مكان". ويتابع أنّ "مواطنين كثيرين غير قادرين على تنظيف أماكن سكنهم لا سيّما الحمامات، لعدم توفّر المياه. وهذا سبب آخر لانتشار الكوليرا".
إلى تلك الأسباب، يضيف الهتار "نقص المناعة الذي يعاني منه يمنيون كثر من جرّاء عدم حصولهم على تغذية سليمة، نتيجة تدهور الحالة المعيشية مع انقطاع الرواتب منذ نحو تسعة أشهر. ومن شأن ذلك أن يقلل من قدرة أجسادهم على مواجهة المرض". ويصف موقف الدولة بأنّه "متقاعس، لعدم قيامها بمهامها الرئيسية المتمثلة بتوفير المواد المعقّمة وفحص مضخات المياه ومحطاتها وإجراء حملات تفتيش في المطاعم والتشديد على النظافة والأنشطة الصحية".
من جهته، يشير الصيدلي جلال محمد إلى أنّ "النقود الورقية والمعدنية على حدّ سواء وكذلك القات من أسباب تفشّي المرض". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "ثمّة أسباباً رئيسية وفرعية (ثانوية) لتفشّي المرض. من الأسباب الفرعية الكثيرة، الأشياء التي يلمسها أكثر من شخص في اليوم مثل النقود والقات وسط عدم حرص كثيرين على نظافتهم الشخصية نتيجة الفقر الشديد". ويشرح أنّ "المواطنين يتناقلون العملات المعدنية والورقية، بالتالي قد تنتقل من شخص مصاب يداه ملوثتان إلى شخص آخر". يضيف: "أمّا القات، فهو لا يصل إلى من يخزّنه إلا بعد عملية القطاف التي يقوم بها عمّال، لا يهتم كثيرون منهم بنظافتهم الشخصية. بعد ذلك، تأتي عملية توزيع القات في أكياس بلاستيكية من قبل البائع، فيما يعبث الزبائن به ويقلّبونه بأياديهم عند الشراء. ولا ننسى أنّ يمنيين كثيرين يمضغون القات من دون غسله".
ويتابع محمد أنّ "عائلات كثيرة توفّر المياه عبر جلبها من أماكن مكشوفة وعبر أوعية غير نظيفة، وهذا يساعد على انتشار الأمراض، خصوصاً عندما يضطر أفراد الأسرة إلى الشرب من هذه المياه لعدم قدرتهم على شراء مياه نظيفة صالحة للشرب".
في السياق، كان القائم بأعمال ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن الدكتور نيفيو زاجاريا قد عبّر عن استغرابه من سرعة ظهور المرض وانتشاره في اليمن "بسرعة لم يسبق لها مثيل". إلى ذلك، كانت المنظمة قد غرّدت مساء الإثنين الماضي على موقع "تويتر"، أنّ 332 شخصاً توفوا بعد إصابتهم بالمرض، مشيرة إلى الاشتباه بنحو ثلاثة آلاف إصابة بالكوليرا في البلاد خلال يوم السبت الماضي فقط. أضافت المنظمة أنّ الحالات سُجّلت في 18 محافظة يمنية، ما يعني أن أربع محافظات يمنية فقط لم تُسجل فيها أيّ إصابات حتى الآن، من بين محافظات اليمن الاثنتين والعشرين. وأكّدت أنّ الوفيات المرتبطة بالكوليرا المسجّلة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة أعلى بمرّتَين تقريباً إذا ما قارنّاها بالوفيات المسجلة في الفترة الممتدة من أكتوبر/ تشرين الأول 2016 حتى مارس/ آذار 2017. وقد توقّعت ارتفاع عدد المصابين بالكوليرا في اليمن إلى 300 ألف إصابة خلال الأشهر الستة المقبلة.
أمّا منظمة أطباء بلا حدود فقد حذّرت من خروج الكوليرا في اليمن عن السيطرة، بعد تخطّي عدد المشتبه في إصابتهم 23 ألفاً و500 يمنيّ. إلى ذلك، كان تقرير للمركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها نُشِر الأسبوع الماضي قد بيّن أنّ مرض الكوليرا يعصف بثلاث دول هي اليمن والصومال وإثيوبيا.