تواجه بلدية منطقة كينسنغتون انتقادات واسعة النطاق لأدائها في التعاطي مع الحريق الأخير، الأمر الذي أدّى إلى تعزيز الردّ الرسمي في خصوص كارثة برج غرينفيل غربي العاصمة البريطانية لندن. وكان السكّان قد دانوا جهود الإغاثة، مشيرين إلى حالة من الفوضى المطلقة، واشتكوا من أنّ مجلس بلدية كينسنغتون وتشيلسي لم يقدّم سوى قليل من الدعم والمعلومات. من جهته، أوضح المجلس أنّه سوف يتعاون بالكامل مع تحقيق الحكومة في الحريق الذي لقي فيه ما لا يقل عن 58 شخصاً مصرعهم.
تعبّر الشرطة عن خشيتها من ارتفاع عدد الضحايا وترجّح هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن يصل عدد القتلى إلى نحو 70 شخصاً، في حين بات كثيرون مشرّدين نتيجة ذلك الحريق الضخم الذي التهم 24 طابقاً من المبنى الأربعاء الماضي، مخلّفاً وراءه رماداً وقتلى وجرحى وعائلات يائسة من دون مأوى.
وفي خطوة جديدة، ألّفت الحكومة فريقاً من موظفي الخدمة المدنية في مكتب المجلس، في حين شملت الإجراءات الأخرى التي حدّدتها رئيسة الوزراء تيريزا ماي، عقب اجتماعها مع السكّان أوّل من أمس السبت، توظيف مزيد من الأشخاص للرد على الاتصالات وآخرين للعمل على الأرض. ويرتدي هؤلاء ملابس خاصة تمكّن الجميع من التعرّف إليهم بسهولة.
في السياق، وردّاً على ما وُجّه إلى المجلس البلدي نتيجة "التجاوب السيئ مع الحريق"، قال نيكولاس باجيت، وهو مسؤول في المجلس، إنّ الموظفين يعملون بطريقة وثيقة مع الحكومة والجمعيات الخيرية ومجموعات المتطوّعين والمقيمين وخدمات الطوارئ، بهدف مساعدة المتضرّرين وإيجاد مساكن لهم. أضاف أنّ ثمّة تساؤلات كثيرة يطرحها الناس حول أسباب الحريق وسرعة انتشاره، وسوف يُصار إلى الردّ على كل الأسئلة. وعبّر باجيت عن حزنه الشديد لما سبّبته النيران من مأساة وللخسائر الفادحة في الأرواح، مؤكّداً على ضرورة التعلّم من الأخطاء وتجنّبها.
إلى ذلك، أعلنت وزارة الداخلية أنّها تتخّذ الترتيبات اللازمة كي تتمكّن عائلة الشاب السوري محمد حاج علي الذي توفي في الحريق، من السفر إلى بريطانيا لحضور جنازته.
وقد تعرّضت ماي إلى وابل من الانتقادات بسبب ردّ فعلها غير المناسب على هذه الكارثة، وذلك بعدما زارت منطقة الحريق في شمال كينسنغتون يوم الجمعة الماضي من دون أن تلتقي بضحايا برج غرينفيل. وقد أدّى ذلك إلى قيام تظاهرات طالبت باستقالتها. وقد دافع وزير الخارجية الأوّل داميان غرين عن رئيسة الوزراء بالقول إنّها "كانت في حالة من الذهول مثلما نحن جميعاً". لكنّ المتظاهرين الاشتراكيين أثاروا الغضب بعد توزيعهم منشورات تزعم أنّ ضحايا الحريق في برج غرينفيل "قُتلوا على أيدي الرأسمالية".
أمّا التحقيقات في حريق البرج فكشفت حتى الآن، وفق ما أوردت هيئة "بي بي سي"، أنّه جرى التعرّف على ست ضحايا من قبل الشرطة، وحُدّدت هويّة ثلاث منهم فقط حتى اللحظة، بمن فيهم اللاجئ السوري محمد حاج علي (23 عاماً). إضافة إلى هؤلاء توفي شخص في المستشفى، في حين ما زال 19 شخصاً في المستشفى 10 منهم في حالة حرجة في العناية الفائقة.
تجدر الإشارة إلى أنّ التحقيق الجنائي حول الحريق قد انطلق، وخصّصت الحكومة خمسة ملايين جنيه إسترليني للملابس والمواد الغذائية ولوازم الطوارئ للضحايا. أمّا جمعيات المجالس البلدية فلفتت إلى أنّها تقوم بمراجعات عاجلة حول أبراجها الشاهقة، فيما أطلق الصليب الأحمر البريطاني نداء لجمع أموال للمتضرّرين، ووضع رقم طوارئ للأشخاص المعنيين للسؤال والاطمئنان على الأهل والأصدقاء.
نشر موقع "ديلي إكسبرس" أنّ السكّان الذين تمكّنوا من الفرار ما زالوا في حالة من الغضب المتصاعد، ويلقي كثيرون منهم اللوم على مجلس البلدية المحلي وشركة إدارة البرج اللذَين لم يتّخذا الإجراءات اللازمة لتفادي وقوع الكارثة. في السياق، استنكر مئات المتظاهرين في احتجاجات خارج قاعة بلدية كينسنغتون، إخفاء الحكومة الرقم الفعلي لضحايا البرج، بحسب ما قالوا. وأمام موجة الانتقادات التي طاولت ماي، اجتمعت الأخيرة السبت الماضي مع ضحايا الحريق أمام مكتبها في داونينغ ستريت.
وقد قامت كذلك احتجاجات أخرى في وايتهال تطالب ببذل مزيد من الجهود لمساعدة الضحايا ومنع تكرار المأساة. لكنّ التظاهرة استغلّت لدفع جدول أعمال مناهض لتيريزا ماي، إذ دعت مجموعة ناشطة المتظاهرين إلى الانضمام إليها للمشاركة في مسيرة منظّمة وكبيرة في 21 يونيو/ حزيران الجاري بهدف إغلاق لندن وإسقاط الحكومة.
في سياق متصل، كتبت صحيفة "ذي إندبندنت" أنّه قد تمرّ سنوات قبل الإعلان عن نتائج تحقيق حريق برج غرينفيل، في حين نقلت "ذي غارديان" عن متحدّثة باسم إطفاء لندن أنّه لا يوجد إطار زمني للتحقيق، لكنّ النتائج لن تأتي بالتأكيد في وقت قصير. ومن شأن ذلك أن يثير غضب الذين يطالبون بإجابات عن أسباب الحريق. من جهته، حثّ عمدة لندن صادق خان المعنيين على نشر تقرير مؤقت عن الحريق وبسرعة، مع الإضاءة على المخاوف إزاء العقارات الأخرى التي جرى تجديدها بطريقة مماثلة لبرج غرينفيل.
وقد وقّع في السياق أكثر من 50 ألف شخص على عريضة تطالب بتحقيق مستقل يترأسه طبيب شرعي، يبحث في أسباب الوفيات الناجمة عن كوارث غير طبيعية، لا سيما هوية من ينبغي أن يتحمّل المسؤولية في المحاكم المدنية والجنائية، عوضاً عن التحقيق العام الذي دعت إليه رئيسة الوزراء. والعريضة تتخوّف من التلاعب بالوثائق الأصلية أو بأيّ مستندات تساعد في التحقيق، لذا تطالب بالتحقيق المستقل لأنّه أسرع من التحقيقات العامة التي تستوجب سنوات للكشف عن النتائج وقد تطمس في بعض الأحيان حقائق كثيرة.