وقال أحد التجار في شارع السلطان سليمان، ويدعى محمد الدباغ، حيث احتفل المستوطنون وشرطة الاحتلال بتغيير اسم الشارع، إن "ما تم خلال الاحتفال كان مثيراً للغضب والاستفزاز، حضروا إلى هنا فجأة، أضاؤوا الشموع حيث قتلت المجندة، ثم وضعوا يافطة حملت اسم الشارع الجديد لتغطي يافطة قديمة باسم السلطان سليمان".
وأضاف: "مع شعورنا بالغضب إزاء ما قاموا به، نحن لن نتعامل مع هذا الواقع الجديد، ما نعلمه جيداً هو أن هذا الشارع هو للسلطان سليمان، وليس للغرباء الذين كانوا ينغصون حياتنا كل يوم".
في حين قال الناشط المقدسي إياد الحلبي: "لن يكون لهذا الشارع سوى اسمه القديم، شارع السلطان سليمان، بإمكانهم بقوة الاحتلال أن يضعوا ما يشاؤوا من يافطات، وأن يغيروا أسماء شوارع وحارات، لكن كل شارع وزاوية في القدس لها ارتباط بوعي المواطنين وفي عقولهم وقلوبهم، ولن يستطيعوا احتلال وعينا".
بدوره، اعتبر مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، ما قامت به سلطات الاحتلال بتغيير اسم شارع السلطان سليمان إلى ما يسمى بـ"شارع البطلات" بأنه "استمرار لحملة التهويد الشاملة لجغرافية المدينة المقدسة وشوارعها وأزقتها، من خلال إطلاق مسميات عبرية توراتية على هذه الأماكن، وقد غيّروا العشرات من أسماء الشوارع والأزقة والأماكن التي تجسد تاريخ المدينة وهويتها العربية والاسلامية والإنسانية".
وتابع الحوري قائلا: "مع ذلك فالغضب هنا كبير، وما قاموا به كان مستفزاً غاية الاستفزاز.. لكننا نعول على وعي المواطنين وقدرتهم على التصدي لمحاولات طمس هوية القدس العربية الفلسطينية".
وكان العشرات من الجنود وضباط من شرطة الاحتلال ومستوطنون وأعضاء من لجنة الأسماء المكلفة بوضع أسماء المناطق وتغييرها، وهي لجنة شبه حكومية، شاركوا في احتفال تحت حراسة مشددة في إشعال الشموع في الموقع الذي قتلت فيه المجندة الإسرائيلية قبل أسبوع، وتم وضع يافطة تحمل اسم "شارع البطلات" باللغة العربية والعبرية والإنكليزية فوق اليافطة القديمة، والتي كانت تحمل اسم شارع "السلطان سليمان".
جاء هذا الاحتفال بعدما كانت جمعيات استيطانية قد تقدمت بطلب خاص إلى الحكومة الإسرائيلية، وإلى لجنة تغيير الأسماء قبل أيام باستبدال اسم الشارع المذكور على اسم المجندة هداسا مالكة ردا على قيام الفلسطينيين بقتلها في عملية الجمعة الماضية.
ويضمّ شارع السلطان سليمان عدداً من المباني والمدارس العريقة، كمدرسة الرشيدية، ومبنى البريد، والمتحف الفلسطيني، إلى جانب بابين من أبواب البلدة القديمة (الساهرة والعامود)، ويتقاطع مع "شارع صلاح الدين"، حيث مقبرة المجاهدين التي تضم رفات وجثث عشرات المجاهدين والشهداء المسلمين من أقطار عربية، عدا جثامين شهداء فلسطينيين ارتقوا في هبة القدس الأخيرة من بينهم الشهيد بهاء عليان.
في حين، يرتبط هذا الشارع باسم السلطان سليمان القانوني، الذي كانت له اهتماماته الخاصة بالمسجد الأقصى ومصلياته ومرافقه، وهو من أعاد بناء سور القدس التاريخي، وينسب إليه مشروع توصيل المياه للقدس عبر قناة السبيل.
وفي هذا الشأن، اعتبر الدكتور جمال عمرو في حديث لـ"العربي الجديد"، ما قامت به سلطات الاحتلال ومستوطنوها، بأنه محاولة لتغيير التاريخ، وطمس حقائق تاريخية تتعلق بتاريخ المدينة وهويتها، والمس برموزها، واستبدالها برموز أمنية وعسكرية إسرائيلية لا تتصل بتاريخ المدينة المقدسة ولا ترتبط بها إلا كقوة بطش واحتلال، كما أنها تأتي في سياق رواية مصطنعة لتاريخ لا أساس له، وليس لها أي علاقة بالمدينة المقدسة.
ووفقا لدراسة كان أعدها مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية وحملت عنوان، "تهويد أسماء المعالم الفلسطينية"، فقد تم تشكيل لجنة إسرائيلية خاصة عام 1948 باسم "اللجنة الحكومية للأسماء" من شخصيات رسمية وأكاديمية (ضمت متخصصين في الموضوعات التاريخية والدينية والجغرافية) فضلاً عن مسؤولين في ميادين التخطيط والتنظيم. وكان بعض أعضائها مستشرقين أو مهتمين بالشؤون العربية.
وكانت مهمة اللجنة دراسة أسماء الأماكن والمعالم والمواقع الجغرافية، ووضع بدائل للأسماء العربية. وأخذت اللجنة التي لا تزال مهمتها قائمة حتى الآن، بصرف النظر عن تبديل الأشخاص، تنظم قوائم بين حين وآخر تصدرها في "نشرة الوقائع الإسرائيلية" باللغتين العبرية والعربية، منها مثلاً: مجالس السلطات المحلية ـ القرى والمستوطنات ـ المواقع التاريخية والخرب ـ المناطق الطبيعية ـ المعالم الجغرافية الخاصة ـ الأنهار ـ العيون والآبار ـ السهول ـ الجبال والتلال ـ المغارات ـ الطرق ـ المناطق المحتلة حديثاً ..الخ.
وظلت "اللجنة الحكومية للأسماء" تستقي توجهاتها من الاستراتيجية العليا للدولة العبرية، وتسخيرها في المجال الثقافي والاجتماعي والسياسي الخاص بالتسمية. ومن خلال عملها التهويدي لا تزال هذه اللجنة تؤدي مهمتها العدوانية إزاء الشخصية العربية الفلسطينية وهوية البلاد، سواء من خلال جهودها الذاتية، أو عبر محصلة تعاونها مع مختلف الجهات والهيئات المحلية والدولية التي تعنى بشؤون الجغرافيا والتاريخ والآثار والتراث وغير ذلك من الميادين التي تستخدم فيها تسميات المعالم الفلسطينية.