على الرغم من مرور عشرين عاماً على تشريع دنماركي يلغي حق الأهل باستخدام العقاب الجسدي كأسلوب تربوي، فإنّ الظاهرة تستمر حتى اليوم وتثير الكثير من الجدل، بالاستناد إلى نتائج دراسة لـ"مجلس الأطفال"، وهو مؤسسة حكومية تأسست عام 1994 لضمان حق الطفل.
يوثّق المجلس أنّ "واحداً من بين كلّ أربعة تلاميذ في الصف السابع تعرض إلى عنف وعقاب جسدي على يد بالغ في البيت". ويشير تقرير حديث عن وحدة البحوث في وزارة العدل الدنماركية، أواخر مايو/ أيار الماضي بالتزامن مع تقرير مجلس الأطفال، إلى "تضاعف البلاغات بحق أحد الوالدين أو الجدين بممارسة التهديد والعنف ضد الأطفال".
المجتمع الدنماركي في مقدمة المجتمعات التي عملت منذ أكثر من قرن على رفع الصوت عالياً لحماية الأطفال. لكنّ هذه الدراسات المفاجئة تشير إلى أنّ الربع الثاني من عام 2015 شهد بلاغات بحق 160 من الآباء والأجداد الذين مارسوا العنف ضد الأطفال، وارتفع الرقم في الربع الثاني من عام 2016 إلى 364 حالة.
من جهته، يؤكد صندوق حماية الأطفال (تأسس عام 1977) في تقرير حديث صادر في فبراير/ شباط الماضي، أنّه في الفترة ما بين 2010 و2015 "تضاعفت البلاغات ثلاث مرات في غضون سنوات قليلة". لدى الصندوق خط ساخن للأطفال يتلقى موظفوه آلاف الاتصالات سنوياً من الأطفال، وينتشر رقم الخط الساخن بين أطفال المدارس الابتدائية، ويعطى هؤلاء أيضاً إرشادات ونصائح تربوية منذ الصغر في رياض الأطفال وفي الصفوف بتلميح متكرر يقول: "يمنع على الكبار ضرب الصغار، مثلما يمنع على الصغار ضرب الصغار".
وبهذه الطريقة التربوية المتبعة منذ أكثر من عقدين يتمكن هؤلاء التربويون من الوصول إلى معلومات عن تعرض البعض للعنف، وبذلك، يحق لهم الكشف على الجسد للتأكد مما يقوله الطفل.
بدورها، تقول مستشارة الأبحاث في الصندوق بينتا بوسيروب إنّ "إلغاء قانون حق الأهل باستخدام العقاب الجسدي مثّل نقطة مهمة، بيد أنّ من الواجب فعل المزيد بحسب ما تظهره الأرقام". ترى بينتا أنّه "ما زال عدد كبير من الأطفال يتعرض لعنف الوالدين، وهناك انتشار للخوف وارتباك في كيفية التصرف إزاء الشكوك حول ذلك".
اقــرأ أيضاً
يلزم القانون الدنماركي لحماية الأطفال قيام المؤسسات وموظفي الرعاية والمدارس بالتبليغ عن أيّ شكوك عن تعرض الأطفال لعنف. ومن الجدير بالذكر أنّ المحاكم الدنماركية تنظر في عدد من قضايا العنف الذي يمارسه الآباء بعد أن يجري نقل الأطفال إلى عائلات رعاية، والاستماع إلى أقوالهم المسجلة عبر فيديو يعرض في المحاكم.
على خطٍ موازٍ، تعمل الشرطة على تحذير المهاجرين حديثاً الذين لا يعرفون القوانين الدنماركية بأنّه "يمنع منعاً باتاً استخدام العقاب الجسدي مع الأطفال".
تقول المربية ستينا بورفيك التي تتعاطى مع أطفال المهاجرين إنّ "من الضروري للأهل أن يستوعبوا أن لا تساهل أبداً مع العقاب الجسدي". تضيف بورفيك لـ"العربي الجديد": "واجهت شخصياً عدداً من الأهل بعدما رأيت علامات ضرب على أطفالهم، وهؤلاء يبتسمون ويسألون: كيف نربي أطفالنا؟ هل يعقل ألاّ تضربوا الطفل إذا تصرف بشكل غير لائق"؟ تقول: "بالنسبة لي، يؤشر ذلك إلى أنّ هؤلاء الأهل يحملون معهم ثقافة منعت هنا منذ سنوات، لذا أشرح لهم أنّه حتى الآباء الدنماركيون يمكن أن يحاكموا ويسحب منهم أطفالهم إن مارسوا العنف وسوء المعاملة. كلّ ما نريده هو أن تصلهم الأساليب التربوية الأخرى، فالعقاب بالمنع عن أشياء معينة أفضل ألف مرة من الضرب الذي يدمر شخصية الطفل، ويدفعه بنفسه إلى العنف والتحول تدريجياً إلى مشاعر النقمة، وهذا ما لا نريده للطفل والأهل".
تختم بورفيك: "هذه عملية طويلة ليعتاد الأهل على ثقافة وتقاليد وقوانين اجتماعية أخرى، فحتى الصفعة الصغيرة على الوجه مدمرة بكلّ معنى الكلمة... الأفضل دائماً الحوار، وإن أريد اظهار الجدية فلا ضرر من إظهار حزم وشرح لماذا منع الطفل من الخروج للهو أو أي شيء آخر".
قبل أكثر من عقدين كانت الصحف ووسائل الإعلام على قلتها تنشغل كثيراً بقضايا "حرق أب لمؤخرة طفله باستخدام البوتوغاز"، "ضرب أم لطفلها الذي في الرابعة على رأسه ما أدى إلى غيبوبة"، "حجز طفل لأيام في غرفة صغيرة قبل اكتشاف الجيران". ويبدو من التقارير الحديثة، بعد عقدين على المنع القانوني، أنّ الأساليب ما زالت على حالها. فوفقاً للمستشارة بنتا بوسيروب "هناك أطفال يتعرضون للتعذيب بوضعهم تحت الماء البارد، وآخرون يجري ضربهم ووضعهم في خزانات مظلمة وأطفال يتعرضون للحرق بالسجائر أو المكاوي. علينا أن نكون أفضل لحماية الأطفال ونوقف تماماً تعريضهم للعنف". تنتقد بوسيروب: "النظام القضائي للأسف يعاقب بشدة إذا ما قام المرء بضرب ابن الجيران أكثر من عقابه بذات الشدة إذا ما ضرب الشخص أطفاله". تدعو المشرعين إلى إدخال تعديلات مشددة على قوانين العقوبات بحق ممارسي العنف ضد الأطفال.
بالعودة إلى الأرقام، يكشف كبير الباحثين في "المركز القومي للبحوث الاجتماعية" في كوبنهاغن، موينز كريستوفرسن أنّ "5 في المائة من الفئة العمرية 7 سنوات إلى 17 عاماً تعرضوا في فترة ما لعنف خطير، ما أدى إلى دعاوى قضائية حكم فيها على الجناة".
اقــرأ أيضاً
يوثّق المجلس أنّ "واحداً من بين كلّ أربعة تلاميذ في الصف السابع تعرض إلى عنف وعقاب جسدي على يد بالغ في البيت". ويشير تقرير حديث عن وحدة البحوث في وزارة العدل الدنماركية، أواخر مايو/ أيار الماضي بالتزامن مع تقرير مجلس الأطفال، إلى "تضاعف البلاغات بحق أحد الوالدين أو الجدين بممارسة التهديد والعنف ضد الأطفال".
المجتمع الدنماركي في مقدمة المجتمعات التي عملت منذ أكثر من قرن على رفع الصوت عالياً لحماية الأطفال. لكنّ هذه الدراسات المفاجئة تشير إلى أنّ الربع الثاني من عام 2015 شهد بلاغات بحق 160 من الآباء والأجداد الذين مارسوا العنف ضد الأطفال، وارتفع الرقم في الربع الثاني من عام 2016 إلى 364 حالة.
من جهته، يؤكد صندوق حماية الأطفال (تأسس عام 1977) في تقرير حديث صادر في فبراير/ شباط الماضي، أنّه في الفترة ما بين 2010 و2015 "تضاعفت البلاغات ثلاث مرات في غضون سنوات قليلة". لدى الصندوق خط ساخن للأطفال يتلقى موظفوه آلاف الاتصالات سنوياً من الأطفال، وينتشر رقم الخط الساخن بين أطفال المدارس الابتدائية، ويعطى هؤلاء أيضاً إرشادات ونصائح تربوية منذ الصغر في رياض الأطفال وفي الصفوف بتلميح متكرر يقول: "يمنع على الكبار ضرب الصغار، مثلما يمنع على الصغار ضرب الصغار".
وبهذه الطريقة التربوية المتبعة منذ أكثر من عقدين يتمكن هؤلاء التربويون من الوصول إلى معلومات عن تعرض البعض للعنف، وبذلك، يحق لهم الكشف على الجسد للتأكد مما يقوله الطفل.
بدورها، تقول مستشارة الأبحاث في الصندوق بينتا بوسيروب إنّ "إلغاء قانون حق الأهل باستخدام العقاب الجسدي مثّل نقطة مهمة، بيد أنّ من الواجب فعل المزيد بحسب ما تظهره الأرقام". ترى بينتا أنّه "ما زال عدد كبير من الأطفال يتعرض لعنف الوالدين، وهناك انتشار للخوف وارتباك في كيفية التصرف إزاء الشكوك حول ذلك".
يلزم القانون الدنماركي لحماية الأطفال قيام المؤسسات وموظفي الرعاية والمدارس بالتبليغ عن أيّ شكوك عن تعرض الأطفال لعنف. ومن الجدير بالذكر أنّ المحاكم الدنماركية تنظر في عدد من قضايا العنف الذي يمارسه الآباء بعد أن يجري نقل الأطفال إلى عائلات رعاية، والاستماع إلى أقوالهم المسجلة عبر فيديو يعرض في المحاكم.
على خطٍ موازٍ، تعمل الشرطة على تحذير المهاجرين حديثاً الذين لا يعرفون القوانين الدنماركية بأنّه "يمنع منعاً باتاً استخدام العقاب الجسدي مع الأطفال".
تقول المربية ستينا بورفيك التي تتعاطى مع أطفال المهاجرين إنّ "من الضروري للأهل أن يستوعبوا أن لا تساهل أبداً مع العقاب الجسدي". تضيف بورفيك لـ"العربي الجديد": "واجهت شخصياً عدداً من الأهل بعدما رأيت علامات ضرب على أطفالهم، وهؤلاء يبتسمون ويسألون: كيف نربي أطفالنا؟ هل يعقل ألاّ تضربوا الطفل إذا تصرف بشكل غير لائق"؟ تقول: "بالنسبة لي، يؤشر ذلك إلى أنّ هؤلاء الأهل يحملون معهم ثقافة منعت هنا منذ سنوات، لذا أشرح لهم أنّه حتى الآباء الدنماركيون يمكن أن يحاكموا ويسحب منهم أطفالهم إن مارسوا العنف وسوء المعاملة. كلّ ما نريده هو أن تصلهم الأساليب التربوية الأخرى، فالعقاب بالمنع عن أشياء معينة أفضل ألف مرة من الضرب الذي يدمر شخصية الطفل، ويدفعه بنفسه إلى العنف والتحول تدريجياً إلى مشاعر النقمة، وهذا ما لا نريده للطفل والأهل".
تختم بورفيك: "هذه عملية طويلة ليعتاد الأهل على ثقافة وتقاليد وقوانين اجتماعية أخرى، فحتى الصفعة الصغيرة على الوجه مدمرة بكلّ معنى الكلمة... الأفضل دائماً الحوار، وإن أريد اظهار الجدية فلا ضرر من إظهار حزم وشرح لماذا منع الطفل من الخروج للهو أو أي شيء آخر".
قبل أكثر من عقدين كانت الصحف ووسائل الإعلام على قلتها تنشغل كثيراً بقضايا "حرق أب لمؤخرة طفله باستخدام البوتوغاز"، "ضرب أم لطفلها الذي في الرابعة على رأسه ما أدى إلى غيبوبة"، "حجز طفل لأيام في غرفة صغيرة قبل اكتشاف الجيران". ويبدو من التقارير الحديثة، بعد عقدين على المنع القانوني، أنّ الأساليب ما زالت على حالها. فوفقاً للمستشارة بنتا بوسيروب "هناك أطفال يتعرضون للتعذيب بوضعهم تحت الماء البارد، وآخرون يجري ضربهم ووضعهم في خزانات مظلمة وأطفال يتعرضون للحرق بالسجائر أو المكاوي. علينا أن نكون أفضل لحماية الأطفال ونوقف تماماً تعريضهم للعنف". تنتقد بوسيروب: "النظام القضائي للأسف يعاقب بشدة إذا ما قام المرء بضرب ابن الجيران أكثر من عقابه بذات الشدة إذا ما ضرب الشخص أطفاله". تدعو المشرعين إلى إدخال تعديلات مشددة على قوانين العقوبات بحق ممارسي العنف ضد الأطفال.
بالعودة إلى الأرقام، يكشف كبير الباحثين في "المركز القومي للبحوث الاجتماعية" في كوبنهاغن، موينز كريستوفرسن أنّ "5 في المائة من الفئة العمرية 7 سنوات إلى 17 عاماً تعرضوا في فترة ما لعنف خطير، ما أدى إلى دعاوى قضائية حكم فيها على الجناة".