انتشرت خلال الأيام الأخيرة أعداد كبيرة من قناديل البحر عند السواحل الشمالية المصرية في ظاهرة غير مسبوقة، بحسب ما أكدت وزارة البيئة المصرية.
تعيش منطقة الساحل الشمالي، أرقى مصايف مصر، حالة من الذعر في هذه الأيام نتيجة انتشار قناديل البحر اللاسعة التي أفسدت على المصطافين من "عِلية القوم" الاستجمام في تلك المنطقة الراقية بسبب الحروق والتقرّحات الجلدية التي تحدثها تلك الكائنات المزعجة أثناء ملامستها جسم الإنسان.
ووصل عدد القناديل إلى ملايين في منطقة الساحل الشمالي، بحسب ما يؤكد مصدر مسؤول لـ "العربي الجديد"، مشيراً إلى أنّ "لسعات هذا النوع من القناديل حادة نتيجة الخيوط الثماني التي تصعب رؤيتها من قبل السباحين". ويوضح المصدر أنّ "تلك الخيوط تطلق مادة لاسعة وسامة بمجرّد ملامستها جسم الإنسان فتتسبب بحروق جلدية وكذلك بحساسية مفرطة لمن يعانون من حساسية في الجلد. وقد يصل الأمر إلى ارتفاع حرارة جسم الإنسان بصورة كبيرة لدرجة قد تؤدّي إلى الوفاة". يضيف أنّ "عدداً من المصطافين طلبوا من الأجهزة المسؤولة في محافظة جنوب سيناء، التدخل بسرعة بعد الانتشار المخيف في عدد القناديل، خصوصاً أنّ استفحالها يمثّل خطراً على البيئة وعلى صحة المواطنين وعلى الثروة السمكية".
وانتقد المصدر نفسه بيان وزارة البيئة حول تلك الكارثة، مؤكّداً أنّه "وكما أوضحت تقارير عالمية فإنّ قناة السويس الجديدة هي المسؤولة عن انتشار تلك القناديل بكثرة". وتوقّع "تفاقم المشكلة عبر ازدياد أعدادها بصورة كبيرة خلال الأشهر المقبلة، إذ من شأن ذلك أن يخلّف آثاراً اقتصادية خطرة على السياحة البحرية في مصر خلال موسم الصيف الجاري".
من جهته، يقول حسن أبو بكر الذي يعمل على أحد شواطئ الساحل الشمالي، إنّه يعيش في هذه المنطقة حيث يعمل منذ أكثر من عشر سنوات، "ولم أرَ قطّ أيّ شيء مثل تلك القناديل. هذه أزمة سياحية كبيرة لها آثار خطرة على المصطافين والعاملين في القطاع في الوقت نفسه". ويشير أبو بكر إلى أنّ تحرّك الحكومة بطيء جداً، خصوصاً أنّ الأزمة تأتي مع بداية موسم الصيف الذي انطلق بعد عيد الفطر وامتحانات الثانوية العامة".
في السياق، يصف أستاذ علوم البيئة في جامعة عين شمس الدكتور سعد حسن قناديل البحر بأنّها "قاتل صامت" بسبب خطورتها على كل الحياة في البحر الأبيض المتوسط بمختلف أنواعها. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "انتشار قناديل البحر عند الشواطئ المصرية بهذا الكمّ الهائل الذي أعلنت عنه بعض التقارير، يعود إلى أسباب عدّة أبرزها التلوّث لا سيّما تلوّث الشواطئ والمياه البحرية بالمخلفات، بالإضافة إلى التغيّر في البيئة المائية، ووفرة الغذاء المناسب لتلك الكائنات".
ويشرح حسن أنّ "قناديل البحر تكثر في الأماكن حيث نسبة الملوحة عالية وتزداد في أشهر الصيف. وهذه الكائنات التي تأتي من المياه الاستوائية الدافئة في المحيطَين الهندي والهادئ، تتزايد أعدادها أخيراً في البحر الأبيض المتوسط". ولم يستبعد "انتشارها خصوصاً في منطقة الساحل الشمالي بسبب قناة السويس الجديدة التي أُنشِئت على أسس غير علمية". ويوضح حسن أنّ "بعض أنواع قناديل البحر حيوانات قاتلة، على سبيل المثال قنديل البحر المصندق (اسمه العلمي Cubozoa) وهو الحيوان البحري الأشد فتكاً في العالم من بين عشرات الآلاف من الأنواع، إذ يقتل من البشر أكثر ممّا يقتل القرش".
قنديل بحر على رمال أحد شواطئ مصر (العربي الجديد) |
إلى ذلك، عبّر المصطافون في المناطق الشعبية سواء في الإسكندرية أم في بلطيم في كفر الشيخ وجمصة وبور سعيد ورأس البر في دمياط ومرسى مطروح، عن استيائهم خلال الأيام الأخيرة بسبب هجوم قناديل البحر عليهم وإصابتهم بحالات هلع، فيما وُضِعت علامات تحذيرية في الإسكندرية. وقد انتشرت مراكب حراسة على مقربة من شواطئ الإسكندرية لتحذير المصطافين من النزول إلى البحر، لا سيّما في المياه الدافئة التي تفضلها القناديل.
يخبر عبد الراضي حماد من الإسكندرية، أنّ "أعداداً كبيرة من القناديل هاجمت شواطئ في الإسكندرية خلال الساعات الماضية لا سيّما في أوقات الغروب" ويوضح أنّ "المصطافين يصطادون بأنفسهم القناديل من البحر ثم يدفنونها في رمال الشاطئ، وسط غياب تام لإدارة الشواطئ". ويلفت حماد إلى أنّ "هذه الكائنات تذيقنا العذاب سنوياً في فصل الصيف، لكنّ ازدادت هذا العام بطريقة غير مسبوقة".
من جهتها، تخبر سلوى عبد العاطي أنّها قصدت الإسكندرية "لقضاء ثلاثة أيام على شاطئ المعمورة. لكن بعد دقائق قليلة من نزول ابني الصغير إلى البحر، فوجئت به وهو يصرخ بشدّة. وجدتُه مصاباً بما يشبه الحروق الشديدة من جرّاء قنديل بحر". وتسأل: "أين المسؤولون في المحافظة ممّا يتكرر سنوياً، ولماذا لا يستعدون له؟". أمّا صلاح محمد، فيتّهم "الأجهزة المسؤولة بعدم الاستعداد لمواجهة القناديل التي تفسد فرحة المصطاف"، معيداً ما شاهده من إصابات في منطقة جمصة إلى "الإهمال".
وقناديل البحر بحسب الأستاذ المحاضر في الأمراض الجلدية والتناسلية في جامعة الأزهر، الدكتور عزمي عبد اللطيف، "لها قدرة على اختراق جلد الإنسان وحقنه بمحتوياتها السامة. فيأتي ذلك أشبه بلسعات العقارب والثعابين، الأمر الذي يمثّل خطراً كبيراً على الإنسان حين يلامس جسمه". ويشرح أنّ "بعض القناديل تترك لطخات حمراء على الجلد، وقد تتسبب في حروق في بعض الأحيان فيتورّم الجلد. كذلك قد تخلّف بعض التشوهات التي تبقى علاماتها ظاهرة حتى بعد الشفاء، وهو الأمر الذي يجعل الإسعافات الأولية ضرورة، مع مراعاة عدم حكّ الجلد حتى لا تنفجر الخلايا اللاسعة العالقة به".
ويفيد مصدر رسمي في وزارة البيئة "العربي الجديد"، بأنّ "ظهور هذا النوع من قناديل البحر المعروفة بروبيليما نوماديكا (Rhopilema Nomadica) أمر طبيعي ناتج عن توسيع المجرى الملاحي لقناة السويس والذي أدّى إلى انتقال أنواع عدّة من الأسماك والحيوانات البحرية من المحيط الهندي والبحر الأحمر عبر قناة السويس في اتجاه البحر الأبيض المتوسط". ويوضح المصدر الرسمي نفسه أنّ "منطقة البحيرات المرّة الواقعة في الإسماعيلية وسط قناة السويس، كانت تعمل كمانع بحري لتلك الأنواع نظراً لملوحتها الشديدة. لكنّ مع التوسيع، أصبح من السهل على تلك الكائنات عبور القناة وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط".
وفي بيان رسمي أصدرته وزارة البيئة المصرية أخيراً، أشارت إلى أنّ "انتقال قناديل البحر (بصورة عامة) على مستوى بحار ومحيطات العالم ظاهرة طبيعية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بـالتغيّرات المناخية والتلوّث والصيد الجائر للأسماك والسلاحف البحرية". أضافت أنّ "التاريخ سجّل انتقال نوع منيميوبسيس لييديي (Mnemiopsis Leidyi) من المحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق، وقد عُرف هذا النوع بشراسته بل وامتد غطاؤه الجغرافي إلى البحر الأسود حيث تسبب في خسائر مادية هائلة".