تعتبر كنيسة مار بطرس للاتين أكثر من مجرد كنيسة، فهي مزار مهم حسب الإيمان والرسالة المسيحيّة التي انتشرت من القدس نحو باقي المدن، وإحداها مدينة يافا التي مرّ بها القدّيس بطرس الرسول بعد مدينة اللد، وبقي فيها ثلاثة أيام وخلال زيارته للساحل الفلسطيني وباقي المدن الرئيسيّة في الساحل الشمالي من البحر الأبيض المتوسّط.
وذكرت يافا في سفر أعمال الرسل، إذ زار القدّيس بطرس، سمعان الدبّاغ أحد السكّان المحليين ومكث في بيته ثلاثة أيّام، حيث ظهر له ملاك الرب وأمره بأن يأكل من جميع أنواع الحيوانات التي شاهدها بطرس مفروشة على منديلٍ كبير، ولكن عقيدة بطرس اليهوديّة منعته في بداية الأمر أن يأكل أنواع لحوم محرّمة حسب الشريعة اليهوديّة، ولكن ملاك الربّ أجابه بأنَّ كل ما يحلّله الله لا يُنجّسه الإنسان، ومنذ تلك الرؤية اتضح لبطرس أنَّ رسالته ليس شرطًا أن تكون لليهود فقط، بل لجميع الشعوب، فاستمر في نشر رسالة المسيح رغم مطاردات السلطات الرومانيّة آنذاك لكل من كان يبشّر بالإيمان المسيحيّ الجديد.
من يافا انطلق بطرس ليبشر بالمسيحيّة، لذا اختارت السلطات الكنسيّة في القرون السابقة موقعًا لبناء كنيسة تخلّد زيارة ورؤية بطرس الرسول، فتمّ شراء أرض في القرن الثالث عشر من قبل الرهبنة الفرنسيسكانيّة اللاتينيّة، وبني دير وكنيسة صغيرة بالقرب من موقع الكنيسة الحالي. وفي أواخر القرن التاسع عشر تم شراء القلعة المحاذية للدير من أجل بناء الكنيسة الحالية التي أعطيت اسم "كنيسة مار بطرس" (أو كنيسة القلعة بحسب أبناء البلد القدامى) وكانت الرعيّة العربيّة اللاتينيّة تؤدي الصلوات الأسبوعيّة والاحتفاليّة فيها حتى عام 1932، عندما بنيت كنيسة أكبر في شارع الحلوة الرئيسي الواقع خارج أسوار البلدة القديمة، لتتحوّل كنيسة مار بطرس إلى مزار ومكان لصلاة الجاليات المسيحيّة الأجنبيّة، ومجدّدًا لمتحدّثي اللغة العبريّة من يهود تنصّروا وسكّان محليين لا يتقنون اللغة العربيّة.
والجدير بالذكر أن الاحتفال بعيد مار بطرس وبولس يقام في هذه الكنيسة، في أواخر شهر يونيو/ حزيران وأوائل شهر يوليو/ تمّوز من كل عام. وينظم الاحتفال خلال يومين، الأول باللغة العربيّة للرعيّة المحليّة والثاني للرعية الأجنبيّة يترأسها حارس الأراضي المقدّسة وجمعٌ من الرهبان الفرنسيسكان العرب والأجانب، كجزء من الاحتفالات السنويّة التي تقام في كنائس ومزارات الرهبنة الفرنسيسكانيّة في عدّة مدن مهمّة.
وتحتفل الرهبنة الفرنسيسكانيّة باليوبيل المئوي الثامن لتأسيسها في الأراضي المقدّسة، والتي قدمت في الحملة الصليبيّة السلميّة والأخيرة إلى فلسطين، رافقها القدّيس فرنسيس الأسيزي مؤسس هذه الرهبنة، الذي طلب من الحاكم المحلي الإذن بتأسيس كنائس وأديرة في مقامات مهمّة وتاريخيّة للمسيحيين مثل: طبريا والقدس وبيت لحم ويافا وعكّا وأريحا والرملة والناصرة.
ويقول أحد الرهبان الفرنسيسكان، لـ"العربي الجديد"، إن "وجود الرهبنة الفرنسيسكانيّة في فلسطين أمرٌ بكامل الأهميّة، إذ تعتبر هذه الرهبنة من أوائل الرهبانيات التي أعادت الروح المسيحيّة للبلاد بعد غياب مئات السنوات، وتراجع الوجود المسيحيّ في الأرض المقدّسة التي ولد وعاش فيها يسوع المسيح معلّمنا ومخلّصنا، وبشّر برسالته الساميّة والسماويّة وأسّس جماعة تبعته وأكملت طريقه من بعد قيامته وصعوده إلى السماء"، بحسب الديانة المسيحية.
وأوضح أن "هذه الجماعة هي المؤسّسة الأولى للتبشير المسيحي، ونحن الرهبان الفرنسيسكان نعتبر من مكمّلي هذا التبشير، لا سيّما في فلسطين مهد المسيح، إذ نحافظ على الحجر والبشر من أجل استمراريّة رسالة المسيح".