يصرّ الفلسطيني يوسف محمود البو وزوجته نبيلة محمد خليل البو، من قرية زعترة شرق بيت لحم إلى الجنوب من الضفة الغربية، على إكمال توائمهما الثلاثة "رانية وغادة وسحر" دراستهن الجامعية، بعدما تفوقن الأربعاء، بنتائج امتحان الثانوية العامة "الإنجاز"، أما الفرحة فهي كبيرة لا توصف، فحصاد 18 عاما تكلل أخيرا بالتفوق، ويصران على عدم ترك البنات إلا بالتخرج من الجامعة.
التوائم الثلاثة اللواتي رزق الوالدان بهن عن طريق الزراعة أو ما تسمى عملية "أطفال الأنابيب" عام 1999، جئن بعد عناء وتعب 11 عاماً من الزواج، سبقهن بعامين أن رزقت العائلة بذات الطريقة بابنتهما البكر مرام.
ولم يدع الأبوان السعيدان وسيلة لزراعة حب العلم والتعلم بأسرتهن المكونة من أربع فتيات إلا واستخدماها منذ الصغر، لأنهما يدركان أن العلم له مكانة كبيرة وينمي الشخصية، وأن البنت ليس مكانها المطبخ كما يزعم بعضهم، بل لها مكانة في المجتمع، وينبغي أن تعتمد على نفسها في مختلف الظروف، فالشهادة الجامعية سلاح للبنت سواء تزوجت أم لا، تقول والدتهن لـ"العربي الجديد".
التوائم تخرجن من مدرسة بنات التعامرة الثانوية، وتخرجن من امتحان "الإنجاز" بذات المدرسة، حيث حصلت رانية في الفرع الأدبي على معدل 98 في المائة وحصدت المرتبة الرابعة على محافظة بيت لحم، وغادة على معدل 93.3 في المائة في الفرع الأدبي وهما تحبان دراسة التمريض، أما سحر فقد حصلت على معدل 88.9 في المائة في الفرع العلمي وتطمح لدراسة الصيدلة.
ورغم أنهن منذ الصغر في الصفوف الدراسية ذاتها، إلا أن التوائم تفرقن في اختيار الفرع الدراسي، إذ اختارت رانية وغادة الفرع الأدبي كي تحصلا على معدلٍ عالٍ، أما سحر فأصرت على الالتحاق بالفرع العلمي لأنها تعرف أن هذا الفرع له مجالاته الواسعة، كما قلن لـ"العربي الجديد".
في كل يوم من أيام المدرسة تبدأ رحلة التعب والعناء، إذ يتجهزن بعد العودة من المدرسة لتناول طعام الغذاء ثم يسترحن قليلا، وينجزن واجباتهن، ويدرسن مع بعضهن وفي حال واجهت إحداهن مسألة دراسية صعبة، يساعدن بعضهن، ويجدن شرح المدرسات بالنسبة لهن الجزء الأكبر للاعتماد على إنجاز الدراسة، وفي ليالي الامتحانات يكون للسهر نصيب في حصاد الفتيات الثلاث، تقول رانية وغادة لـ"العربي الجديد".
أما سحر فتقول لـ"العربي الجديد": "كنت أتوقع الحصول على معدل أكثر، وأنا أحب دراسة الصيدلة، اخترت العلمي لكي أدرس الصيدلة، علاوة على أن العلمي له مجالات أكثر"، فيما تشير إلى أن مساعدة والدها لها ولشقيقتيها، وكذلك معلماتهن، ساعدها في الإنجاز بالحصول على معدلات عالية وعلى حب الدراسة.
الفرحة ليست فقط لعائلة البو، بل إنها فرحة لأهالي قرية زعترة وكل الأقارب، يقول خال التوائم، عبد الله حمدان لـ"العربي الجديد"، الذي ترك مقر سكنه في رام الله حيث يعمل، بعدما كان أول من أبلغ عائلة شقيقته بتفوق التوائم، وأصر على العودة إلى زعترة للمشاركة بالفرحة التي ليس لها مثيل.
يقول عبد الله: "لقد كنت أول من عرف نتيجة بنات شقيقتي، وتأكدت من النتيجة ثلاث مرات خشية أن أنقل معلومة خاطئة وأنغص الفرحة عليهن، ثم أخبرتهم بسرعة"، أما العائلة فهي الآن ستواجه عناء وتكاليف الدراسة لثلاثة من أفرادها في آن واحد، وهي بالتالي تحتاج من يساندها، يشير عبد الله.
بعد ثماني سنوات طويلة على دراستها للتربية الإسلامية، وعدم حصولها على وظيفة بها، تجتهد السيدة نبيلة البو (43 عاما) على اختيار بناتها التوائم لتخصص يوائم متطلبات الحياة العملية ويسهل معه الحصول على الوظيفة بعد التخرج، وتؤكد أن الشهادة للفتاة سلاح لها في الحياة، لذا ستحرص على تشجيعهن على اختيار تخصص يعملن به.
ومنذ صغر توائمها تحرص نبيلة البو على تدريس بناتها على طاولة واحدة معا، أما زوجها الذي يعمل مدرسا للغة الإنكليزية فقد كان له الدور في إجادتهن هذه اللغة، أما في أيام امتحانات الثانوية العامة والتي تزامنت مع حلول شهر رمضان المبارك لهذا العام، فإن العائلة تجهد نفسها بالسهر وخدمة التوائم، وتشجيعهن على إنجاز الدراسة، بينما تنصح نبيلة الأهالي بأن يهتموا بأبنائهم منذ الصغر، وأن يزرعوا فيهم حب العلم والإبداع، وتقول: "أنا لا أدع الكثير من الدورات إلا وألحق بناتي بها، فعلمتهن التجويد، والكاراتيه، العلم ليس وظيفة فقط، بل يجعل من البنت قدوة لأبنائها ويعطي للإنسان مكانة".
في مخيم نور شمس شرق طولكرم شمال الضفة الغربية، حصد طالبا الثانوية العامة "الإنجاز" التوأمان "رشاد ومعاذ" محمود عيسى حميدي على المعدل ذاته في امتحان "الإنجاز" الأربعاء، ويرغبان في دراسة التخصص ذاته، وهو الفيزياء.
منذ صغرهما ورشاد ومعاذ يتشاركان بذات الصفات والتصرفات، في الملابس والمقعد الدراسي منذ أن كانا في رياض الأطفال، حتى في اختيار التخصص والعلامات، إذ حصل رشاد في امتحان الإنجاز على معدل 98.3 في المائة، بينما معاذ حصل على معدل 98.7 في المائة، يوضحا في حديثهما لـ"العربي الجديد".
تعزيز الأمور المشتركة بين التوأمين له دور كبير في صقل شخصيتهما، يقول والدهما محمود حميدي، لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أنهما يحبان معا ويكرهان معا، منذ أن كانا في رياض الأطفال، ويحرص وزوجته على تنمية الأمور المشتركة بينهما، في اللباس، وعلى مقاعد الدراسة وفي غالبية الأمور.
محمود حميدي، الذي يعمل فنيا للتخدير الطبي، يؤكد أن التوفيق أولا من الله، ثم للأم مكانة في زرع حب العلم والثقافة بأبنائها، لذا فزوجته التي تعمل مدرسة للحاسوب، تعطي وقتا كبيرا لتدريس أبنائها، ولها دور كبير في تحصيل أبنائه العلمي والثقافي.
لكن ما يواجهه السيد محمود حميدي، هو أن تدريسه لتوأمه سيرهقه في التكاليف، رغم أن فرحته كبيرة جدا، ويقول: "هذه الفرحة أهم شيء بالنسبة لي، وهي تشبه إلى حد كبير فرحتي حينما رزقت بهما، لقد كانت دمعة الفرح بعيوننا، بعد انتظارنا للنتائج على أحر من الجمر".