ارتبطت حمامات بغداد بالراوي أو الحكواتي والملا وبائع الشاي، والنومي والزبيب وطقوس الزواج ومناسبات أهل الحارة الشعبية. لكن الحمامات التي تنتشر على ضفاف دجلة والتي شيدت جميعها على الطراز العباسي القديم، بدأت بالاندثار ولم يبق منها سوى القليل.
تلك الحمامات الشعبية الواسعة تتوسطها صخرة كبيرة أو كتلة اسمنتية توقد تحتها النار، وتجري المياه من حولها لتتحول إلى بخار حار يجلس حوله الزبائن. ويجوب رجال ضخام بعضلاتهم المفتولة المكان لتدليك من يرغب مقابل مبلغ مالي بسيط يعرف محلياً بالإكرامية.
لكن الحمامات مثل غيرها من معالم بغداد ذات الطابع العربي، بدأت بالتلاشي تدريجياً، ومن أصل 67 حماماً في بغداد، لم يبق سوى تسعة منها فقط. بعضها سعى إلى مواكبة التطور، فخسر المكان سحره، وتقاليده بعد استخدامه وسائل حديثة فيه.
أحمد أبو محاسن (51 عاماً)، مالك أحد الحمامات المتبقية في جانب الرصافة في بغداد يقول لـ"العربي الجديد": "لم يبق في جانب الرصافة سوى بضعة حمامات أحدها هذا الذي أملكه، وحمام الفضل الذي كان يسمى حمام (الملك غازي)، وفي جانب الكرخ حمام في منطقة الكاظمية والباقي منها يحتضر مثل حمام الباشا وغيرها".
وأضاف أبو محاسن: "كان للحمامات رواد كثر، منهم مشاهير في الفن والرياضة وبقية المجالات الأخرى، مثل الفنان محمد القبانجي والمطرب الريفي داخل حسن والمطرب سعدي الحلي والمطرب ناظم الغزالي".
ولفت إلى أن أغلب البيوت البغدادية كانت بدون حمام للاستحمام، والحمام العام كان ملتقى للغسيل والتدليك والتقاء الأصدقاء أيضاً، حيث الراحة والجو الجميل الذي كان يتسم به طابع الحمام آنذاك، وبعد الانتهاء من الغسيل يُحتسى الشاي أو الدارسين (القرفة) أو الحامض (شراب الليمون الأسود المجفف)".
وأشار أبو محاسن، إلى أنّ المدلك كان يقوم بعمل الطبيب في بعض الأمور البسيطة، كإعادة مكان "السرة"، وعلاج "الممتون" أي (خلع الكتف)، فالناس لم تكن تقصد الطبيب، إلا في حالات نادرة في تلك الحقبة.
وأشار أبو محاسن إلى أن "للعريس طقوساً خاصة في الحمام، وكانت تعد من أهم الطقوس في ليلة العرس من الحلاقة للعريس والغسيل والتدليك، إلى أن يزفه أصدقاؤه من الحمام".
وأوضح أبو محاسن، أن هذه الحمامات أصلها تركي، انتقلت إلى مجتمعنا إبان الحكم العثماني، وكان الوافدون إلى الحمام يجلبون معهم (بقجة) قطعة قماش تلف بها العدة المخصصة للغسيل ومنها الصابون والملابس الداخلية وفرشاة الشعر والعطر".