بعكس ما هو معروف عن أطفال المناطق الفقيرة، الأكثر عرضة لمتاعب سلوكية وتعليمية، أثبتت دراسة أميركية جديدة أنّ الأطفال الذين ينشأون في بيئات عالية التوتر قد يكونون أكثر قابلية للتعلم، ويمتلكون مهارات مهمة تتطلب مزيداً من الاهتمام.
تقول الدراسة التي نشرت في مجلة "وجهات نظر في العلوم النفسية" إنّ الشباب الذين يتكيّفون مع الضغوط والمشاكل الناجمة عنها، تكون لديهم صفات مثل حدة اليقظة والقدرة على التركيز والانتباه، وكذلك القدرة على التدقيق في التعاطف، وهي المهارات التي لا يوفرها التعليم التقليدي أو الاختبارات العادية. هذه المهارات قد تسمح في الواقع للأطفال الذين يعيشون في أماكن يكونون فيها معرضين للخطر، بالتصرف والأداء بصورة أفضل من أقرانهم الذين ينشأون في بيئات قليلة المخاطر أو هادئة، عندما يواجهون الاضطراب والتوتر.
يؤكد البروفيسور جان ماري بيانكي، المحاضر في علم النفس بجامعة "أريزونا"، والمؤلف المشارك في الدراسة، أنّ فهم هذه المهارات المكثفة بشكل أفضل يمكن أن يساعد المعلمين في العمل مع الأطفال والبالغين الذين ترعرعوا في ظلّ ظروف ضاغطة ومتوترة بطريقة أكثر نجاحاً. يضيف أنّه بمجرد أن نتمكن من تصنيف تلك المزايا النفسية التي تعززها ظروف النشأة والحياة المبكرة في الجو المتوتر، فسوف نتمكن من الاستفادة منها في طريقة التدريس المناسبة لهؤلاء الأطفال بدءاً من مرحلة ما قبل المدرسة وحتى المرحلة الجامعية.
الدراسات المعاصرة في معظمها بيّنت أنّ الأطفال المعرضين لبيئات متوترة وضغوط متزايدة يكونون عرضة للخطر، وكلما ازدادت الخطورة ازداد اضطراب التعلّم والإخفاق في الاختبارات. هذه الضغوط تشمل خطورة الحي السكني، وانعدام الأمن الغذائي، والتعرض للمواد الكيميائية، وظروف السكن السيئة، والإهمال الأسري، والعنف بين الأقران في الحي والمدارس. لكنّ البروفيسور بروس إليس، أستاذ علم النفس في جامعة "يوتاه"، والمؤلف الرئيس للدراسة، يقول إنّ هذه التأثيرات الضارة للنشأة والنمو في بيئة كهذه تمثل فقط جزءاً من الصورة وليست هي الصورة بأكملها. ويوضح أنّ الجزء الأكبر من الصورة يحمل قدرة الأطفال على صقل قدراتهم لتتناسب مع العالم الذي يكبرون فيه، والتي يمكن أن تؤدي إلى تعزيز مهارات التكيف مع التوتر. ويشير إلى أنّ الدراسة تتحدى وجهة النظر العالمية المترسخة على جزء الصورة الظاهر فقط، فتولي الاعتبار لنهج بديل قائم على التكيف من أجل الصمود.