يواجه المساجين في روسيا، بعد الإفراج عنهم، تحدي الاندماج في المجتمع وسوق العمل من جديد، بعدما خسروا خلال سنوات سجنهم، علاقاتهم الاجتماعية، فضلاً عن ريبة أصحاب العمل من المدانين بقضايا جنائية. من جهة أخرى، يعرّضهم العمل بشكل غير رسمي إلى خطر الاستغلال وعدم صرف مستحقاتهم.
ولمّا كانت القوانين المحلية في عدد من الأقاليم الروسية تنصّ على حصص لتوظيف المساجين المفرج عنهم، فإن غياب مثل هذا القانون في العاصمة موسكو يزيد من مخاطر بقائهم من دون مصدر دخل، وبالتالي ارتكابهم جرائم جديدة.
بعد الإفراج عنه قبل أكثر من عشر سنوات، واجه السجين السابق بيوتر كوريانوف (46 عاماً) صعوبة كبيرة في إيجاد وظيفة، فكان أن بدأ العمل في مواقع البناء وتفريغ عربات القطارات والأمن، قبل أن يصبح توظيف السجناء همه الأساسي، ليلتحق بصندوق الدفاع عن المساجين في عام 2013.
ويقول كوريانوف لـ "العربي الجديد": "على الرغم من أنّ قانون العمل الروسي يحظر التمييز بين المتقدمين بطلبات توظيف بذرائع اجتماعية، إلّا أن هناك عقلية راسخة لدى أرباب العمل بأن السجين المفرج عنه سيعود حتماً إلى أعماله المخالفة للقانون".
مع ذلك، تمكّن الصندوق من التوصل إلى اتفاق مع بعض أرباب العمل، ومنهم شركة بناء ومقاولات كبرى في موسكو، يقضي بتوظيف أكثر من 50 سجيناً في مواقع البناء، إلا أن الشركة واجهت صعوبات مادية في وقت لاحق، لتزداد تحديات الصندوق في إيجاد عمل لهم.
ويتحدث كوريانوف عن أوضاع السجين بعد الإفراج عنه. يقول: "خلال سنوات سجنه، يفقد السجين علاقاته الاجتماعية وقد تتركه زوجته. وفي بعض الحالات، يُستولى على مسكنه، ليبدأ حياته من الصفر من دون مال. بعد الإفراج عنه، يحصل السجين على مبلغ 800 روبل (نحو 13 دولاراً) فقط للوصول إلى محل إقامته. لكن كيف يغطي نفقات معيشته اليومية؟". يضيف: "صحيح أن نحو نصف المساجين لا ينوون أساساً الاندماج في الحياة الطبيعية والانتظام في عمل، لكن هناك قسماً آخر سُجن من دون وجه الحق، وفي قضايا سياسية. هؤلاء يرفضون التورط في أية جرائم. مع ذلك، لا يرغب أرباب العمل في توظيفهم".
وإضافة إلى التداعيات السلبية الناتجة عن إطالة أمد البحث عن العمل، يقول كوريانوف: "من المهم جداً توظيف المساجين المفرج عنهم على وجه السرعة لتوفير مصدر دخل. لكن المسؤولين في موسكو لا يريدون حل هذه المشكلة والعمل على إعادة اندماجهم. الإفراج هو فرصة لبدء صفحة جديدة، لكن الجوع قد يدفع السجين السابق إلى السرقة، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة تكرار الجرائم".
اقــرأ أيضاً
ويحكي كوريانوف عن تجربته الشخصية في السجن في مقاطعة ساراتوف جنوب روسيا. يقول: "كنت شاباً لا يملك أي عمل أو مصدر دخل في فترة التسعينيات بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. حاولت تزوير ورقة نقدية ليكتشف أحد المتاجرالأمر. وواجهت تهمة تصل عقوبتها إلى 15 عاماً". إلا أن دفاعه ساهم في تحويل التهمة من "التزوير" إلى "التلاعب"، وسجن عاماً ونصف العام. وبعد الإفراج عنه، واجه كوريانوف تهماً أخرى مفبركة، ليقضي خمس سنوات غير متواصلة في الاعتقال، بدأ خلالها نشاطه الحقوقي على مستوى شخصي أولاً، قبل أن يتحوّل هذا النشاط إلى مهنة.
ويواجه القضاء الروسي انتقاداً من قبل الحقوقيين بسبب قلة أحكام البراءة التي لا تزيد عن 1 في المائة. إلا أن المحكمة العليا الروسية تلفت إلى أن 90 في المائة من المتهمين يعترفون بالتهم الموجهة إليهم، وينظر في 65 في المائة من القضايا "في إطار خاص"، تقضي معاقبة المدان بالسجن لمدة لا تزيد عن ثلثي المدة القصوى في مقابل اعترافه.
إلا أن كوريانوف يعزو هذه النسبة العالية للاعترافات إلى الضغوط التي يفرضها المحامون المكلفون من الدولة، ويضغطون على المتهم لإقناعه بالاعتراف وإبرام "صفقة مع التحقيق" للتقليل من مدة العقوبة. وأثناء وجوده في الحبس الاحتياطي يقبل المتهم ذلك في معظم الأحيان، في ظلّ تعرضه لانتهاكات مستمرة، وفق كوريانوف.
تجدر الإشارة إلى أنه على مدى السنوات الماضية، تراجع عدد السجناء في روسيا من 1.92 مليون سجين في عام 2000 إلى نحو 630 ألفاً حالياً.
الأولى أوروبياً
يشير تقرير "معهد مشكلات المجتمع الحديث" في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية، الصادر في عام 2016، إلى أن روسيا البالغ عدد سكانها 146 مليون نسمة، ما زالت تحتل المرتبة الأولى أوروبياً والثانية بين دول العالم بعد الولايات المتحدة. وبلغ عدد مساجين الولايات المتحدة 698 في مقابل 463 في روسيا، من أصل 100 ألف شخص.
اقــرأ أيضاً
ولمّا كانت القوانين المحلية في عدد من الأقاليم الروسية تنصّ على حصص لتوظيف المساجين المفرج عنهم، فإن غياب مثل هذا القانون في العاصمة موسكو يزيد من مخاطر بقائهم من دون مصدر دخل، وبالتالي ارتكابهم جرائم جديدة.
بعد الإفراج عنه قبل أكثر من عشر سنوات، واجه السجين السابق بيوتر كوريانوف (46 عاماً) صعوبة كبيرة في إيجاد وظيفة، فكان أن بدأ العمل في مواقع البناء وتفريغ عربات القطارات والأمن، قبل أن يصبح توظيف السجناء همه الأساسي، ليلتحق بصندوق الدفاع عن المساجين في عام 2013.
ويقول كوريانوف لـ "العربي الجديد": "على الرغم من أنّ قانون العمل الروسي يحظر التمييز بين المتقدمين بطلبات توظيف بذرائع اجتماعية، إلّا أن هناك عقلية راسخة لدى أرباب العمل بأن السجين المفرج عنه سيعود حتماً إلى أعماله المخالفة للقانون".
مع ذلك، تمكّن الصندوق من التوصل إلى اتفاق مع بعض أرباب العمل، ومنهم شركة بناء ومقاولات كبرى في موسكو، يقضي بتوظيف أكثر من 50 سجيناً في مواقع البناء، إلا أن الشركة واجهت صعوبات مادية في وقت لاحق، لتزداد تحديات الصندوق في إيجاد عمل لهم.
ويتحدث كوريانوف عن أوضاع السجين بعد الإفراج عنه. يقول: "خلال سنوات سجنه، يفقد السجين علاقاته الاجتماعية وقد تتركه زوجته. وفي بعض الحالات، يُستولى على مسكنه، ليبدأ حياته من الصفر من دون مال. بعد الإفراج عنه، يحصل السجين على مبلغ 800 روبل (نحو 13 دولاراً) فقط للوصول إلى محل إقامته. لكن كيف يغطي نفقات معيشته اليومية؟". يضيف: "صحيح أن نحو نصف المساجين لا ينوون أساساً الاندماج في الحياة الطبيعية والانتظام في عمل، لكن هناك قسماً آخر سُجن من دون وجه الحق، وفي قضايا سياسية. هؤلاء يرفضون التورط في أية جرائم. مع ذلك، لا يرغب أرباب العمل في توظيفهم".
وإضافة إلى التداعيات السلبية الناتجة عن إطالة أمد البحث عن العمل، يقول كوريانوف: "من المهم جداً توظيف المساجين المفرج عنهم على وجه السرعة لتوفير مصدر دخل. لكن المسؤولين في موسكو لا يريدون حل هذه المشكلة والعمل على إعادة اندماجهم. الإفراج هو فرصة لبدء صفحة جديدة، لكن الجوع قد يدفع السجين السابق إلى السرقة، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة تكرار الجرائم".
ويواجه القضاء الروسي انتقاداً من قبل الحقوقيين بسبب قلة أحكام البراءة التي لا تزيد عن 1 في المائة. إلا أن المحكمة العليا الروسية تلفت إلى أن 90 في المائة من المتهمين يعترفون بالتهم الموجهة إليهم، وينظر في 65 في المائة من القضايا "في إطار خاص"، تقضي معاقبة المدان بالسجن لمدة لا تزيد عن ثلثي المدة القصوى في مقابل اعترافه.
إلا أن كوريانوف يعزو هذه النسبة العالية للاعترافات إلى الضغوط التي يفرضها المحامون المكلفون من الدولة، ويضغطون على المتهم لإقناعه بالاعتراف وإبرام "صفقة مع التحقيق" للتقليل من مدة العقوبة. وأثناء وجوده في الحبس الاحتياطي يقبل المتهم ذلك في معظم الأحيان، في ظلّ تعرضه لانتهاكات مستمرة، وفق كوريانوف.
تجدر الإشارة إلى أنه على مدى السنوات الماضية، تراجع عدد السجناء في روسيا من 1.92 مليون سجين في عام 2000 إلى نحو 630 ألفاً حالياً.
الأولى أوروبياً
يشير تقرير "معهد مشكلات المجتمع الحديث" في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية، الصادر في عام 2016، إلى أن روسيا البالغ عدد سكانها 146 مليون نسمة، ما زالت تحتل المرتبة الأولى أوروبياً والثانية بين دول العالم بعد الولايات المتحدة. وبلغ عدد مساجين الولايات المتحدة 698 في مقابل 463 في روسيا، من أصل 100 ألف شخص.