يحظى الأشخاص ذوو الإعاقة السمعية في قطاع غزة الفلسطيني بفرصة التدريب على حرف تراثية من خلال جمعية محلية، ثم ترويج منتجاتهم داخل القطاع وخارجه.
لم تعد مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية في قطاع غزة تقتصر على المشاريع المؤقتة التي تعود عليهم بمكافآت بسيطة. اليوم في "جمعية أطفالنا للصمّ"، تجد أشخاصاً من هذه الفئة يعملون منذ أكثر من 13 عاماً في صنع الأثاث والمطرزات والملابس والأدوات المختلفة لتصل منتجاتهم إلى كثير من دول العالم.
بات عمل الأشخاص الصمّ هذا مصدر رزق لهم ولأبنائهم، وهم يشعرون بسعادة في كلّ مرة يشهدون فيها على وصول منتجاتهم إلى دول أجنبية فتحظى باهتمام كبير لأنّها تحمل تراث فلسطين. شريهان زيادة (32 عاماً)، إحدى محترفات الجمعية، وهي أم لثلاثة أطفال. التحقت بمدرسة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية وأكملت دراستها حتى الصف السابع، لكنّها قبعت في المنزل لا تمارس أيّ نشاط طوال ثلاثة أعوام. عزلة زيادة جعلت حياتها تقتصر على التواصل مع عدد قليل من الأشخاص الصمّ من محيطها، لكن بعد معرفتها أنّ هناك جمعية للأشخاص الصمّ ستقدم دورة أشغال يدوية للإناث من فئتها، قررت أن تكتشف إمكانياتها.
بدأت زيادة تدريباتها عام 2001 وهي في السابعة عشرة، ومالت إلى الرسم. في تلك الفترة بدأت تتعمق أكثر في مجتمع الأشخاص الصمّ المختلط مع غيرهم، واختارت التخصص في الرسم على الخزف. رسوماتها تعرض حياة الفلاحين الفلسطينيين التراثية والحياة البدوية التقليدية. تقول لـ"العربي الجديد"، عبر مترجم لـلغة الإشارة: "الأجانب يحبون هذه الرسومات التاريخية ويهتمون بها، ويحبون مشاهدة الحياة البدوية والفلاحية فوق الخزف. هذا ما أتقنه وما أجد إقبالاً عليه، ما يسعدني كثيراً، خصوصاً بعد بذل مجهود كبير مني لإنجاز الأعمال". تطور زيادة أداءها في الرسم بما يواكب كلّ جديد يرغب الناس فيه ويراعي أذواقهم المختلفة.
أما عصام شلدان (43 عاماً)، فيعمل على النول منذ 13 عاماً مع الجمعية، بعدما تلقى هناك بالذات التدريب على حرفته. يصنع على النول منتجات الصوف، ومنها السجاد والحقائب والوسائد. كذلك، يصنع على النول المجدلاوي الفساتين الفلاحية والمجدلاوية المدنية، وأيضاً الحقائب والأساور وأطواق الرأس. معظم عمله يدوي، وتستغرق كلّ قطعة يصنعها مدة يومين يدوياً، أما على النول فيوماً واحداً.
يعتبر شلدان أنّ أكثر المنتجات التي يميل إليها المشترون في الداخل والخارج، هي الحقائب أو قطع السجاد الصغيرة التي تعلق على الحائط، ويشير إلى أنّ هذه المنتجات قديمة جداً ولا أحد يقوم بإنتاجها في الوقت الحالي في ظل تجديد الصناعات والاستغناء عن النول. مع ذلك، هو متمسك بحرفته. يقول شلدان، عبر مترجم لغة الإشارة، لـ"العربي الجديد": "هذه الحرفة تساهم في وجودنا كفلسطينيين في كلّ مكان في العالم. كذلك، هي مصدر رزق لي ولأطفالي الستة. ليست هناك إعاقة سمعية لدى أحد من أطفالي، لكنني علمتهم جميعاً لغة الإشارة كي أتواصل معهم في جميع شؤونهم".
يتكون القسم الحرفي في "جمعية أطفالنا للصمّ" من أكثر من 50 موظفاً غالبيتهم من الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، كما يشير مشرف الإنتاج في القسم حسام زقوت. يتوزع الإنتاج ما بين قسم النجارة وقسم الخياطة وقسم النسيج وقسم الرسم على الخشب وقسم الفخار والسيراميك، إلى جانب قسم التصميم. وهناك أقسام ستطلقها الجمعية قريباً لصنع الأحذية والحلي الفضية.
يوضح زقوت أنّه بعد الانتهاء من المرحلة المدرسية داخل الجمعية التي تؤمّن تعليم الأشخاص الصمّ من الصف الأول الأساسي إلى التاسع، يميل أشخاص منهم إلى الأعمال الفنية، فيجري إلحاقهم بمركز التدريب في الجمعية. وخلال فترة معينة يجري تدريبهم لاكتشاف ميولهم في التخصص الحرفي الأنسب، ثم ينتقلون إلى مرحلة تعلم المهنة والتعرف على بيئتها. وخلال عام واحد يتقن المتدرب مهنته ويبدأ في الإنتاج.
تطلق الجمعية سنوياً مشاريع خاصة بالأشخاص الصمّ بعد تخرجهم من التدريب المهني. كذلك، توظف عدداً منهم في الجمعية أو أماكن مختلفة أخرى، من خلال التشبيك مع بعض فنادق ومطاعم قطاع غزة لضمان نهج الاستمرارية بعد الدورات المهنية وضمان مبدأ دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل.
من جهتها، تتولى مسؤولة العلاقات العامة في الجمعية، داليا أبو عمر، تسويق منتجات الأشخاص الصمّ، وتشير إلى أنّ الجمعية تنظم سنوياً بازاراً لبيع هذه المنتجات، إلى جانب تخصيص نقاط بيع في بعض مطاعم وفنادق غزة على مدار العام، بالإضافة إلى تسويقها خارجياً من خلال موقع إلكتروني يعرضها على الزبائن من مختلف أنحاء العالم، لتتولى الجمعية شحنها عبر البريد.