يشعر مواطنون روس أنّ العلمانية تتنازل للدين، وهو ما أثاره تأجيل بداية العام الدراسي لتزامنها مع عيد الأضحى
تزامن عيد الأضحى المبارك في روسيا، أمس، مع "يوم المعرفة" الذي يصادف في الأول من سبتمبر/ أيلول من كلّ عام ويمثل انطلاقة الدراسة في المدارس والجامعات، ما دفع بعض الجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة في شمال القوقاز الروسي إلى تأجيل الاحتفالات ببدء العام الدراسي الجديد إلى بعد غد الاثنين.
ولما كان عيد الأضحى عطلة في جمهوريات القوقاز، مثل الشيشان وإنغوشيا، فإنّ تأجيل الدراسة في إحدى مدارس موسكو الواقعة بالقرب من المسجد الجامع وسط المدينة، أثار جدلاً واسعاً ونقاشات ساخنة على شبكات التواصل الاجتماعي، وسط استياء بعض أولياء الأمور الذين دعوا إلى تأجيل الاحتفالات بعيد الأضحى وليس بـ"يوم المعرفة".
مع ذلك، يشير الباحث في علم الاجتماع بالمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو مكسيم بوغاتشوف، إلى أنّ هذه ليست أول مرة يجري فيها إرجاء فعاليات في روسيا بسبب أعياد دينية، وتأجيل بدء الدراسة لا يعني تقديم تنازلات للدين. يقول بوغاتشوف لـ"العربي الجديد": "عام 2016، تزامن عيد الفصح الأرثوذكسي مع عيد العمال، ما أدى إلى إلغاء الاحتفالات الرسمية بعيد الربيع والعمل في 1 مايو/ أيار بدعوة من السلطات المحلية والقيادات النقابية في عدد من الأقاليم". يضيف: "خضعت العلمانية الروسية لاختبارات أكثر من مرة باستحداث مادة أساسيات الثقافات الدينية في المدارس، وتمرير قانون حماية مشاعر المؤمنين، وتسليم كاتدرائية القديس إسحق المتحفية في سانت بطرسبورغ للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وتخصيص أراضي حدائق موسكو لبناء كنائس وغير ذلك".
يذكّر الباحث الروسي أنّ عيد الميلاد المجيد الذي يصادف بالتقويم اليولياني 7 يناير/ كانون الثاني هو يوم عطلة وعيد رسمي في روسيا، بينما الأعياد الإسلامية ليست عطلة على المستوى الفيدرالي، بالرغم من أنّ الإسلام يعتبر ثاني أكبر ديانة انتشاراً في البلاد.
اقــرأ أيضاً
أرجعت المدرسة الواقعة بالقرب من المسجد الجامع قرار تأجيل الاحتفالات بـ"يوم المعرفة" ليوم الاثنين 4 سبتمبر/ أيلول، إلى اعتبارات أمنية لوجود تجمعات كبيرة في محيط المسجد. وأشارت إلى أنّ هناك تلاميذ من عائلات مسلمة في المدرسة سيتسنى لهم الاحتفال بعيد الأضحى بهذا القرار. كذلك، صدرت توصيات مماثلة لـ35 مدرسة في مقاطعة موسكو تقع بالقرب من مواقع الاحتفالات بعيد الأضحى.
إلّا أنّ بوغاتشوف يعتبر أنّ "الضجة بسبب تأجيل الاحتفالات ببدء العام الدراسي الجديد لا تمس جوهر المشكلة التي تكمن في النقص الكبير في المساجد وأماكن أداء الصلاة في موسكو". ولمّا كان عدد المسلمين في موسكو يقدر بنحو مليونين بين السكان المحليين والمهاجرين من آسيا الوسطى، ليس هناك أكثر من سبعة مساجد افتتح آخرها قبل أقل من شهرين، ما يضطر مئات آلاف المسلمين لأداء الصلاة في عيدي الفطر والأضحى في الشوارع المحيطة بالمساجد وسط إجراءات أمنية مشددة، وهو ما يؤدي إلى زيادة صعوبة تحرك سكان هذه المناطق ووصول التلاميذ إلى المدارس.
يقول بوغاتشوف تعليقاً على هذه الوقائع: "من الصحيح أنّ محطات المترو والطرقات وساحات الانتظار والأرصفة في محيط المسجد الجامع ستكون مزدحمة في عيد الأضحى، ما سيزيد من صعوبة وصول التلاميذ وأولياء الأمور إلى المدارس، لكنّ صلاة العيد ستنتهي عند الثامنة صباحاً وليس أكثر، وكان في الإمكان تأجيل الاحتفال ببدء الدراسة لبضع ساعات فحسب وليس لأيام".
يخلص الباحث الروسي إلى أنّ تأجيل "يوم المعرفة" هو فكرة الموظفين الحكوميين لعدم تكليف أنفسهم بالتنظيم والتنسيق وتشديد إجراءات الأمن، و"ليس دليلاً على تقديم العلمانية تنازلات للدين بشكل عام، والإسلام على وجه الخصوص". ويحذر من أنّ "الاستخدام المفرط للخطاب الديني للتغطية على النوايا البيروقراطية الحقيقية قد يؤدي إلى آثار جانبية سلبية مثل زيادة حدة العلاقات بين الطوائف وراديكالية المجموعات الدينية".
بالنسبة للاحتفالات بعيد الأضحى بالذات في روسيا، فإنّها ليست المرة الأولى التي تثير فيها جدلاً في البلاد، إذ أثار ذلك سابقاً ذبح الخراف في الشوارع، ما تسبب في صدمة للمارة. ولعلّ هذا ما دفع سلطات موسكو لتخصيص أماكن للذبح في ضواحي العاصمة الروسية.
يوضح عبد الكريم، وهو شاب مسلم يقيم في موسكو تعود أصوله إلى جمهورية قبردينو - بلقاريا في شمال القوقاز، لـ"العربي الجديد"، أنّه ذهب في عيد الأضحى في إحدى السنوات الماضية برفقة والده إلى مزرعة في ضواحي موسكو، حيث تسنى لهما اختيار الخروف وذبحه لهما. يشير إلى أنّ في الإمكان الحصول على لحم العيد أيضاً في الجوامع، كما يجري توزيعه بين الأصدقاء.
يذكر أنّ عدد المسلمين في روسيا يقدّر بنحو 20 مليوناً، بمن فيهم بضعة ملايين من المهاجرين الوافدين من الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، وفي مقدّمتها طاجكستان وأوزبكستان وقرغيزستان. ويتركز المسلمون في روسيا في جمهوريات شمال القوقاز وجمهوريتي تتارستان وبشكيريا، بالإضافة إلى العاصمة موسكو.
اقــرأ أيضاً
تزامن عيد الأضحى المبارك في روسيا، أمس، مع "يوم المعرفة" الذي يصادف في الأول من سبتمبر/ أيلول من كلّ عام ويمثل انطلاقة الدراسة في المدارس والجامعات، ما دفع بعض الجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة في شمال القوقاز الروسي إلى تأجيل الاحتفالات ببدء العام الدراسي الجديد إلى بعد غد الاثنين.
ولما كان عيد الأضحى عطلة في جمهوريات القوقاز، مثل الشيشان وإنغوشيا، فإنّ تأجيل الدراسة في إحدى مدارس موسكو الواقعة بالقرب من المسجد الجامع وسط المدينة، أثار جدلاً واسعاً ونقاشات ساخنة على شبكات التواصل الاجتماعي، وسط استياء بعض أولياء الأمور الذين دعوا إلى تأجيل الاحتفالات بعيد الأضحى وليس بـ"يوم المعرفة".
مع ذلك، يشير الباحث في علم الاجتماع بالمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو مكسيم بوغاتشوف، إلى أنّ هذه ليست أول مرة يجري فيها إرجاء فعاليات في روسيا بسبب أعياد دينية، وتأجيل بدء الدراسة لا يعني تقديم تنازلات للدين. يقول بوغاتشوف لـ"العربي الجديد": "عام 2016، تزامن عيد الفصح الأرثوذكسي مع عيد العمال، ما أدى إلى إلغاء الاحتفالات الرسمية بعيد الربيع والعمل في 1 مايو/ أيار بدعوة من السلطات المحلية والقيادات النقابية في عدد من الأقاليم". يضيف: "خضعت العلمانية الروسية لاختبارات أكثر من مرة باستحداث مادة أساسيات الثقافات الدينية في المدارس، وتمرير قانون حماية مشاعر المؤمنين، وتسليم كاتدرائية القديس إسحق المتحفية في سانت بطرسبورغ للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وتخصيص أراضي حدائق موسكو لبناء كنائس وغير ذلك".
يذكّر الباحث الروسي أنّ عيد الميلاد المجيد الذي يصادف بالتقويم اليولياني 7 يناير/ كانون الثاني هو يوم عطلة وعيد رسمي في روسيا، بينما الأعياد الإسلامية ليست عطلة على المستوى الفيدرالي، بالرغم من أنّ الإسلام يعتبر ثاني أكبر ديانة انتشاراً في البلاد.
إلّا أنّ بوغاتشوف يعتبر أنّ "الضجة بسبب تأجيل الاحتفالات ببدء العام الدراسي الجديد لا تمس جوهر المشكلة التي تكمن في النقص الكبير في المساجد وأماكن أداء الصلاة في موسكو". ولمّا كان عدد المسلمين في موسكو يقدر بنحو مليونين بين السكان المحليين والمهاجرين من آسيا الوسطى، ليس هناك أكثر من سبعة مساجد افتتح آخرها قبل أقل من شهرين، ما يضطر مئات آلاف المسلمين لأداء الصلاة في عيدي الفطر والأضحى في الشوارع المحيطة بالمساجد وسط إجراءات أمنية مشددة، وهو ما يؤدي إلى زيادة صعوبة تحرك سكان هذه المناطق ووصول التلاميذ إلى المدارس.
يقول بوغاتشوف تعليقاً على هذه الوقائع: "من الصحيح أنّ محطات المترو والطرقات وساحات الانتظار والأرصفة في محيط المسجد الجامع ستكون مزدحمة في عيد الأضحى، ما سيزيد من صعوبة وصول التلاميذ وأولياء الأمور إلى المدارس، لكنّ صلاة العيد ستنتهي عند الثامنة صباحاً وليس أكثر، وكان في الإمكان تأجيل الاحتفال ببدء الدراسة لبضع ساعات فحسب وليس لأيام".
يخلص الباحث الروسي إلى أنّ تأجيل "يوم المعرفة" هو فكرة الموظفين الحكوميين لعدم تكليف أنفسهم بالتنظيم والتنسيق وتشديد إجراءات الأمن، و"ليس دليلاً على تقديم العلمانية تنازلات للدين بشكل عام، والإسلام على وجه الخصوص". ويحذر من أنّ "الاستخدام المفرط للخطاب الديني للتغطية على النوايا البيروقراطية الحقيقية قد يؤدي إلى آثار جانبية سلبية مثل زيادة حدة العلاقات بين الطوائف وراديكالية المجموعات الدينية".
بالنسبة للاحتفالات بعيد الأضحى بالذات في روسيا، فإنّها ليست المرة الأولى التي تثير فيها جدلاً في البلاد، إذ أثار ذلك سابقاً ذبح الخراف في الشوارع، ما تسبب في صدمة للمارة. ولعلّ هذا ما دفع سلطات موسكو لتخصيص أماكن للذبح في ضواحي العاصمة الروسية.
يوضح عبد الكريم، وهو شاب مسلم يقيم في موسكو تعود أصوله إلى جمهورية قبردينو - بلقاريا في شمال القوقاز، لـ"العربي الجديد"، أنّه ذهب في عيد الأضحى في إحدى السنوات الماضية برفقة والده إلى مزرعة في ضواحي موسكو، حيث تسنى لهما اختيار الخروف وذبحه لهما. يشير إلى أنّ في الإمكان الحصول على لحم العيد أيضاً في الجوامع، كما يجري توزيعه بين الأصدقاء.
يذكر أنّ عدد المسلمين في روسيا يقدّر بنحو 20 مليوناً، بمن فيهم بضعة ملايين من المهاجرين الوافدين من الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، وفي مقدّمتها طاجكستان وأوزبكستان وقرغيزستان. ويتركز المسلمون في روسيا في جمهوريات شمال القوقاز وجمهوريتي تتارستان وبشكيريا، بالإضافة إلى العاصمة موسكو.