مع بدء الثورة السورية، استكمل النظام السوري الاعتقال والقتل والإخفاء القسري بوتيرة أكبر من قبل، فانطلقت بالموازاة مبادرات عديدة للمطالبة بوقف الانتهاكات وكشف المصير، منها حملة "تعافي".
يقول مدير البرامج في حملة "تعافي" أحمد حلمي، لـ"العربي الجديد" إنّ منظمة "كش ملك" أطلقت البرنامج للعمل على دعم الناجين من الاعتقال السياسي بعيد خروجهم من المعتقل والحشد والمناصرة لقضايا الاعتقال السياسي والاختفاء القسري في سورية. وتعمل "تعافي" في كلّ من سورية وتركيا وتقوم على تقديم الدعم الأساسي للناجين من الاعتقال، كالمساعدة في إيجاد سكن وفي الدعم الصحي والنفسي، وبناء قدرات الناجين عن طريق الدورات والتدريبات وفرص التطوع لتمكينهم من العودة إلى العمل. كذلك، يهدف البرنامج للوصول إلى العدالة والإفراج عن جميع المعتقلين ومحاسبة المجرمين والاعتراف بحقوق الضحايا، كخطوة للوصول إلى سورية حرة خالية من المعتقلات تُحترم فيها حقوق الإنسان.
وعن المنحى القانوني للحملة، يوضح حلمي أنّه لا مسارات قانونية فعلية للمطالبة بالمعتقلين، فالقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان ليست قرارات ملزمة، بالرغم من توقيع سورية على 11 اتفاقية من اتفاقيات حقوق الإنسان. يتابع أنّ الخيارات البديلة هي مسارات التفاوض والسلام مثل جنيف وآستانة، للضغط على النظام لتحرير المعتقلين. ويعتمد العمل عدة آليات منها المحاكم القضائية الوطنية في أوروبا ضد رموز النظام، واللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في سورية، والآلية الدولية الحيادية المستقلة للمساعدة في التحقيق ومحاكمة المسؤولين عن أخطر جرائم الحرب في سورية. ويؤكد حلمي، أنّه نظراً إلى غياب قوائم موحدة بأسماء المعتقلين وعدم تقديم النظام السوري لوائح المعتقلين في سجونه لتجنيب نفسه الإدانة، فمن الصعب تحديد العدد بدقة. لكنّ مركز توثيق الانتهاكات تمكن من توثيق 95.056 معتقلاً، كما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 128.534 معتقلاً. المؤكد أنّ الأعداد الفعلية تفوق التوثيقات بضعفين أو ثلاثة أضعاف.
وبالنسبة إلى الجهات الحقوقية الداعمة للمبادرة وإمكانية الضغط على النظام عبرها، يشير حلمي إلى منظمة العفو الدولية، والآلية المستقلة والحيادية، وهيومن رايتس ووتش، بالإضافة إلى منظمة "كش ملك" التي تعمل ضمن برنامج "تعافي" على التنسيق مع هذه الجهات ومنظمات وجهات حقوقية سورية ودولية لإنشاء مجموعة ضغط تعمل بأعلى احترافية ممكنة. يعلق: "لقد جرت سابقاً بعض المحاولات للتواصل بين مجموعة من المنظمات والحملات العاملة في القضية مع هيئة التفاوض لكن لا يمكننا القول إنّ هناك تنسيقاً أو تعاوناً على مستوى جيد. إن كان بإمكانها فالمطلوب من هيئة التفاوض -أو أيّ جهة تتولى التفاوض- وضع المنظمات والمبادرات العاملة على قضية المعتقلين في صورة التفاوض الجاري والتنسيق مع هذه المنظمات والمبادرات والعمل معها كمرجعية".
كشقيق لأحد المعتقلين، يقول الناشط نجم يونس: "الأمل قائم لدينا، ونحن ماضون في العمل لكشف مصير المغيبين في السجون. قد يكون اعتقال أخي هو المحرض الفعلي لي للسير في هذا الطريق، أما الآن فقد أصبح جميع المعتقلين في سجون النظام إخوتي، ومن واجبي السعي إلى معرفة مصيرهم، وعند خروج أحدهم من بين يدي الموت في السجون أشعر بسعادة كبيرة تغمرني". يشير يونس لـ"العربي الجديد" إلى أنّ من واجب الجميع دعم الحملات والمبادرات الداعية للإفراج عن المعتقلين وطرق جميع أبواب المحافل الدولية في هذا السبيل، واعتبار القضية مقدسة لجميع السوريين الأحرار. يعرب يونس عن حزنه وأسفه مع صدور القوائم التي تضمّ أسماء ضحايا قضوا تحت التعذيب في السجون: "حزن شديد يتملكني في حال سمعت عن شخص قضى تحت التعذيب. وأشعر بالتقصير الكبير حينها إذ لم أفعل شيئاً لهم، وبالرغم من كلّ شيء لا يجب أن ندخر أيّ جهد في سبيل قضيتهم".
أما رباب، فتقول لـ"العربي الجديد": "بالنسبة لي كأم، وشقيقة لأخ قضى بقذائف النظام، يشرفني أن أصل ليلي بنهاري في سبيل قضية المختفين قسرياً والمعتقلين، فمن أجلهم يجب أن نعمل ونفني وقتنا، فنحن إذا متنا قد يرى ذوونا جثثنا ويدفنوننا وبعد مدة يزول حزنهم، أما هؤلاء المغيبون في السجون فالحزن والخوف عليهم يستمران وينتج منهما كثير من المشاكل، خصوصاً لدى الأمهات والزوجات، وهذه المشاكل تتشعب وتتمدد في المجتمع وتصل إلى أزمات قد يستحيل احتواؤها من دون الكشف عن مصير المغيبين".