أكتوبر/تشرين الأوّل هو شهر التوعية حول سرطان الثدي في كل أنحاء العالم. وتكثّف الجهات المعنيّة العمل بهدف زيادة التوعية حول المرض الذي يمكن الشفاء منه من خلال الكشف المبكر، إضافة إلى الاهتمام بالمرضى.
ويأتي سرطان الثدي في مقدّمة أنواع السرطان التي تصيب النساء في العالم المتقدم والنامي على حد سواء، في وقت ترتفع فيه معدلاته في العالم النامي، بحسب تقارير عالميّة، نتيجة عوامل عدة. إلا أنّ بعض دول العالم الثالث تشهد تقدماً في مواجهة هذا المرض من خلال الكشف المبكر، في ظل كثرة البرامج التوعوية، خصوصاً خلال الأعوام الأخيرة، مع زيادة نسب الإصابة به بين النساء.
ومن بين أعراض المرض ظهور كتلة في الثدي أو تحت الإبط، مع تغيّر في شكل أو حجم الثدي، فضلاً عن ظهور إفرازات غير طبيعية من الحلمة، مع حكة وتقشّر وغيرها. ويعد سرطان الثدي من أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين النساء في مصر، بحسب دراسة لـ "الجمعية المصرية لدعم مرضى السرطان". تضيف أن نسبة الإصابة بسرطان الثدي تتصدّر قائمة أمراض السرطان في مصر، مشيرة إلى أنّ المشكلة في مصر تتمثّل في الاكتشاف المتأخر للإصابة بالمرض، ما يجعل الشفاء منه أكثر صعوبة.
حياء
وحسب الدراسة، فإن المصريات المصابات بسرطان الثدي في الصعيد يمنعهن الحياء من الإفصاح عن المرض ويفضلن الكتمان، ما يضعهن في دائرة من المخاطر نتيجة التأخر في العلاج وعدم الكشف المبكّر عن المرض، باعتبار أن أمراً مماثلاً، بحسب الثقافة الشعبية، "نذير شؤم". وخلصت الدراسة إلى أن 80 في المائة من الإصابة بسرطان الثدي في مصر هي من النوع الحميد، ويمكن الشفاء منه في حال الكشف المبكر. وتوضح أن عدد الحالات التي اكتشفت تزيد عن 100 ألف حالة جديدة كل عام.
ويقول رئيس الجمعية المصرية لدعم مرضى السرطان، محسن مختار: "نستغل شهر أكتوبر وننظم برامج توعوية وورش عمل ومحاضرات شبه يومية، إضافة إلى الكشف المجاني من خلال عيادات متنقلة، إضافة إلى مسابقات وجوائز تحت عنوان اعرفي ثدييك". ويشدد على أن المرض أصبح موجوداً في كل قرية ومدينة ومحافظة، وبات الوصول إلى هذا الكمّ الهائل من النساء مشكلة كبيرة، لافتاً إلى أن علاج المرض مكلف. لكن في حال الكشف المبكر يمكن السيطرة عليه من خلال العلاج.
يضيف مختار أن مخاطر سرطان الثدي تتضاعف مع كل عشر سنوات في عمر المرأة حتى انقطاع الطمث. وتختلف معدلات البقاء على قيد الحياة للمصابات في مختلف أنحاء العالم. بشكل عام، ارتفعت معدلات الشفاء منه بسبب زيادة وعي النساء وتشخيصه في مرحلة مبكرة، إضافة إلى الحصول على الرعاية الطبية في العديد من البلدان.
مراحل متقدمة
بدورها، تقول أستاذة علاج الأورام في المعهد القومي للأورام ـ جامعة القاهرة، هبة الظواهري: "ثلثا الحالات المصابة بسرطان الثدي في مصر تُشخّص في مراحل متقدمة، والثلث الباقي في مراحل مبكرة"، عازية السبب إلى عدم استجابة نساء كثيرات لإجراء الفحوصات اللازمة للكشف المبكر عن المرض، وعدم مصارحة الأطباء عند ملاحظة أي أعراض أو اشتباه في الإصابة، خصوصاً بين النساء في الصعيد والأرياف. وتشير إلى أن سرطان الثدي يمكن علاجه في حال اكتشافه مبكراً، لتصل نسبة الشفاء منه إلى 97 في المائة، موضحة أن هناك أنواعا عدة من العلاج تعتمد على نوعية وحجم الورم وموقعه في الثدي. بالتالي، هناك الطريقة الموضعية أو طريقة العلاج الشامل أو الجراحة أو استئصال الكتلة أو الورم، وكذلك العلاج بالأشعة والعلاج الكيميائي والعلاج المناعي.
وتشدد هبة على أهمية إجراء فحوصات دورية بهدف الكشف المبكر، وتجنّب العوامل التي قد تؤدي إلى حدوث سرطان الثدي، والوقاية للحد من احتمالات الإصابة به، مثل تناول المواد الدهنية، والإكثار من الفاكهة والخضار، مشددة على ضرورة التوجه إلى الطبيب في حال ظهور تغيّرات في الثدي، مثل انتفاخ الجلد أو احمراره، وإفراز الحلمة سائلا أصفر اللون أو دماً. وتشير إلى أنه ليس للمرض عمر معين، موضحة أن المرض لا يصيب فئة عمرية من دون أخرى، وأن بعض النساء يعتقدن أنهن لن يصبن بأي مرض كونهن ما زلن في مقتبل العمر. لكن هذا غير صحيح، ففي حال الشك يجب استشارة الطبيب.
أرقام
وتقول فاطمة عبد الرحمن، وهي من الأقصر في صعيد مصر، إنها اكتشفت المرض نهاية عام 2000، أي منذ 18 عاماً، بعدما استأصلت كتلة من ثديها نتيجة فحوصات بيّنت أنه ورم سرطاني لا بد من إزالته. وتقول: "اللحظة الأولى كانت صدمة وخوفا من المجهول، خصوصاً حين علمت بحتمية استئصال الثدي". تضيف: "كنت أخاف على ولدي محمد (ست سنوات) وأحمد (8 سنوات). إلا أن زوجي وقف إلى جانبي ورفع معنوياتي. ومرت الأعوام وتخرّج ولداي من الجامعة، ما ظنته مستحيلاً بسبب المرض".
تضيف عبد الرحمن: "من المواقف الصعبة في حياتي، تساقط شعري بسبب العلاج الكيميائي. وعمد أفراد عائلتي إلى حلق رؤوسهم تضامناً معي". وتنصح فاطمة بالتسلح بالإيمان والثبات والصبر لمواجهة المرض، وعدم الكتمان، مؤكدة أن التجربة "جعلتني أعيش الحياة بطريقة أجمل، وأصبح لحياتي معنى".
وتروي سيدة أحمد عمر (48 عاماً)، وهي موظفة في إحدى شركات القطاع العام، قصتها المأساوية مع المرض الذي أصيبت به عام 2005، مؤكدة أنه بعد إصابتها، عمد زوجها إلى الزواج من أخرى، بحجة أنه في حاجة إلى امرأة تهتم بالمنزل والأولاد الثلاثة. وتلفت إلى أنه كان ذلك مثل "زلزال"، وسبباً في زيادة المرض.
وتؤكد أنها اكتشفت المرض بالصدفة حين رأت ورماً صغيراً على ثديها. توجهت إلى الطبيب وأخبرها بإصابتها بـ "المرض المر". وبتشجيع من أصدقائها، استأصلت ثديها على الرغم من الخوف. وعن تأثير العلاج الكيميائي، تقول سيدة إنها لم تكترث لسقوط شعرها، غير أنها لم تكن تزيل الحجاب عن رأسها. تضيف أنها تذهب إلى عملها بشكل طبيعي وترعى أولادها بعدما هجرها زوجها. وبعد إصابتها، زاد إيمانها بالله. تتابع: "أتمنى من الله أن يطيل عمري حتى أكمل رسالتي مع أبنائي إلى النهاية بعدما تركهم والدهم. أعتمد على راتبي فقط".