قرّر مدعي عام محكمة الشونة الجنوبية الواقعة في غور الأردن أحمد الرحامنة، اليوم السبت، منع نشر أي أخبار أو معلومات أو تعليقات حول مسار التحقيق في القضية المعروفة بحادثة غرق طلاب مدرسة فيكتوريا وآخرين، في منطقة زرقاء ماعين البحر الميت التي وقعت الخميس الماضي.
وتضمن القرار منع نشر ما يثير النعرات، وما يسيء للمتوفين والمصابين وذويهم، وفي حال مخالفة ذلك تتم المساءلة القانونية وفق أحكام القوانين المعمول فيها.
وانتقد نقيب الصحافيين الأردنيين راكان السعايدة، قرار حظر النشر في حادثة الأغوار والصادر عن مدعي عام الشونة الجنوبية، مضيفا أنّ الإعلام مارس خلال الأيام الماضية دورا رقابيا مهما، وكان يواجه مشكلة في المعلومات المتدفقة من مختلف المصادر، واعتمد بشكل أكبر على أدواته ليكون أكثر موضوعية ودقة.
وأضاف أن "قرار منع النشر في حادثة البحر الميت من مدعي عام الشونة الجنوبية لن يكون مناسبا، بل يزيد الأمور تعقيدا، ويثير الشكوك التي لا مبرر لها"، مضيفا "تدفق المعلومات الصحيحة، يعالج فوضى النشر في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وعلينا جميعا، التحلي بالمسؤولية والدقة في تداول الحيثيات حول الحادث الأليم".
وقال إنّ الخلل كان على منصات التواصل الاجتماعي، التي نشرت أحيانا صورا ومعلومات غير دقيقة، فيما ركزت وسائل الإعلام بكل جهد على الحادث وحيثياته وراعت الجانب الإنساني للحادث.
كرة الاتهامات.. بين الحكومة والمدرسة
وتتقاذف الجهات الرسمية والشعبية في الأردن كرة الاتهامات حول فاجعة البحر الميت، بعد مقتل 21 شخصا وإصابة 35 آخرين أغلبهم طلاب، بعد انجراف رحلة مدرسية جراء السيول الخميس في منطقة البحر الميت.
وتحاول الحكومة منذ اليوم الأول، توجيه أصابع الاتهام إلى المدرسة التي نظمت الرحلة الطلابية، فيما توزع الجهات الشعبية الاتهامات على المدرسة والحكومة، ممثلة بالدرجة الأولى في وزارة التربية التي لم تقم بدورها الرقابي بالشكل الأمثل، وطاولت التهم الحكومات المتعاقبة بسبب عدم وجود البنية التحتية الجيدة التي تمنع وقوع كارثة وفاجعة بهذا الحجم، فيما توالت الاتهامات على بعض الجهات التي لها علاقة بالحادث، كجمعية الأدلاء السياحيين، ونقابة أصحاب المدارس الخاصة، وسلطة وادي الأردن.
وباشر مدعي عام الشونة الجنوبية، التحقيق في قضية البحر الميت، إذ تم استدعاء مدير المدرسة و4 شهود، بعد فاجعة البحر الميت، فيما قال رئيس لجنة التربية النيابية إبراهيم البدور لـ"العربي الجديد" في تصريحات سابقة، إنّ اللجنة ستعقد اجتماعا يوم الأحد المقبل، لمساءلة الحكومة حول حادثة "زرقاء ماعين" – البحر الميت، مشيرا إلى أن ما حدث هو كارثة على مستوى الوطن، موضحا أن اللجنة ستعقد اجتماعها بحضور وزير التربية والتعليم العالي عزمي محافظة.
من جهته، قال عضو مجلس النواب الأردني، نبيل غيشان لـ"العربي الجديد"، إنّ "أخطر تبعات فاجعة البحر الميت هي الشائعات وتبادل الاتهامات، فنحن في بلد أبدى تعاطفه مع الضحايا، والكل يطالب بإجراء تحقيق في القضية، لكن لا أحد يريد انتظار نتائج التحقيق، بل الأغلبية تسارع في توزيع الاتهامات، وتحولت الكارثة إلى مناسبة للحقد والكراهية".
وأضاف: "نطالب بتحقيق وطني في هذه القضية تقوم به السلطة القضائية، أو السلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب، مشيرا إلى أن من المهم التركيز على جوهر القضية، بدل تحريفها إلى متاهات وجوانب فرعية لا تحل المشكلة".
وتابع غيشان: "نحن شعوب عاطفية، تستفزنا اللحظة وتسيرنا "الفزعة"، وبعد ذلك بفترة قصيرة يسود النسيان"، موضحا أنه يجب أن يسود القانون، فتطبيقه والالتزام به هو ما سيجنبنا وقوع كوارث مستقبلية.
لجنة تحقيق في الحادثة
وكان رئيس الحكومة عمر الرزّاز قرر، الجمعة، تشكيل لجنة للوقوف على حيثيات حادثة البحر الميت المؤلمة، برئاسة نائب رئيس الوزراء رجائي المعشّر، وضمّت اللجنة في عضويتها وزراء العدل، والداخلية، والتربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي، والصحة، والشؤون البلدية، والسياحة، والدولة للشؤون القانونية، والدولة لشؤون الإعلام، والأشغال العامة والإسكان.
من جهته، استغرب نقيب الأطباء الحالي ورئيس مجلس النقباء السابق، الدكتور علي العبوس، أن تشكل الحكومة لجنة للتحقيق في حادثة البحر الميت من الحكومة نفسها، وتساءل العبوس في منشور له على فيسبوك، "تشكيل لجنة من الحكومة للتحقيق في أداء الحكومة في ما يخص كارثة الرحلة، أين دور مؤسسات المجتمع المدني؟".
وقال وزير الدولة للشؤون القانونية مبارك أبو يامن، وعضو لجنة التحقيق بحيثيات حادثة البحر الميت، إنّ "وظيفتنا تحقيق سيادة القانون على الجميع، سواء في القطاع العام أو الخاص، ولا نبحث عن كبش فداء حتى نحمله المسؤولية زورا وبهتانا، مؤكدا أن الإجراءات القانونية ستمضي حسب المقتضيات التي رسمها الدستور والقانون"، وإذا تبين أي إهمال أو تقصير تسبب بوفاة هؤلاء الشهداء فسيكون القضاء صاحب الكلمة الفصل.
وأضاف أبو يامن في تصريح تلفزيوني، مساء الجمعة، أنّ المعلومات الأولية تفيد بأن المدرسة كانت تعاقدت مع شركة متخصصة بالمغامرات لتنظيم هذا المسار السياحي، ولديها دليل سياحي استشهد بالحادثة.
بعد ذلك، أصدرت جمعية أدلاء السياح الأردنيين على لسان رئيسها، حسن العبابنة، بيانا قالت فيه، إنّ "الخطأ الأكبر في "فاجعة البحر الميت"، هو عدم وجود أدلاء سياح مرخصين مع الرحلة، مؤكدا أن ما تم تداوله على ألسنة بعض الوزراء والمسؤولين عن مرافقة أدلاء سياح مرخصين لرحلة الطلبة عارٍ عن الصحة".
وحذر رئيس الجمعية من أن التصريحات التي يتداولها بعض المسؤولين، للتهرب من مسؤولياتهم الأدبية أمام الرأي العام الأردني، تسيء لمهنة سيادية تؤثر على قطاع وأحد شرايين الاقتصاد الأردني المهمّة.
بدوره رأى حزب الشراكة والإنقاذ الأردني في بيان أصدره، مساء الجمعة، أنّ إلقاء اللوم على المدرسة أو على أي جهة أخرى لن يحل المشكلة، مضيفا أن هذا الحادث ليس الأول من نوعه، بل إنه متكرر في كل عام، ويحتاج إلى تشخيص علمي دقيق، وتحديد جهات المسؤولية، ووضع المعالجات اللازمة لعدم تكراره خلال الموسم المطري الحالي، وفي السنوات القادمة.
رحلة مدرسية تنقلب إلى فاجعة
بدأت الحكاية المحزنة يوم الخميس الماضي، وفق مصدر في الدفاع المدني بعدما وقف طلاب المدرسة والمشرفون في منطقة تنزّه واقعة على مجرى سيل وقريبة من البحر الميت، يرتادها المتنزهون عادة، وأثناء وجودهم هناك فاجأتهم سيول الأمطار التي تشكلت بسبب المنخفض الجوي، كانت المياه مرتفعة وقامت بجرف الطلاب وعدد من المتنزهين.
سارع مواطنون وعشرات الغواصين من الدفاع المدني، وقوات البحرية من الجيش وعدد كبير من الآليات والقوارب وطائرات سلاح الجو الملكي، في البحث عن الناجين والضحايا، وتصل المسافة بين موقع الحادث والبحر الميت الذي صبت فيه سيول مياه الأمطار وجرفت فيه الطلاب والمواطنين إلى 4 كيلومترات.
ويتداول الأردنيون عشرات الروايات حول الفاجعة، أحيانا عبر المواقع الإخبارية المحلية، وفي كثير من الأحيان عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة فيسبوك.
إلى ذلك، نفى المتحدث الإعلامي باسم وزارة الصحّة، حاتم الأزرعي، صحّة المعلومات المتداولة بشأن وجود إصابات بحادثة البحر الميت تتلقى العلاج في مستشفى هداسا في إسرائيل، مؤكدا في بيان صحافي، أنّ جميع الإصابات التي تم إخلاؤها جرّاء الحادث تلقّت العلاج في مستشفيات تابعة لوزارة الصحّة، ولم تكن هناك حاجة لتحويل أيّ حالات إلى جهات طبية أخرى داخل أو خارج المملكة، مشيراً إلى أنّ غالبية الإصابات غادرت، باستثناء ست إصابات ما زالت قيد العلاج .
ومن القصص المأساوية التي تداولها ناشطون، أن إحدى الضحايا من الطالبات، "توفي شقيقها قبل أسابيع لتتبعه هي في هذه الحادثة، وفقدان رجل ثلاثة من أبنائه، ووفاة مشرفة في المدرسة تركت طفلتها الرضيعة".
وأسدل الستار على هذه القصص بالموت، بما فيها قصة الطفلة سارة أبو سيدو التي شك أهلها في وقوع خطأ في إعطاء بعض العوائل جثث ضحايا لا تعود لهم، مطالبين بإجراء فحص الحمض النووي "DNA". ووفق مصادر طبية فقد تبين أنّ الجثة المجهولة في مستشفى البشير، تعود لإحدى ضحايا حادثة البحر الميت، التي تسلّم ذووها جثة أخرى عن طريق الخطأ، وذلك بعدما كشفت نتيجة فحص الحمض النووي "DNA" لجثة الطفلة المجهولة عدم تطابقها مع فحص الطفلة سارة.
وما زالت فرق البحث والإنقاذ، التابعة للدفاع المدني وزوارق البحرية الملكية تقوم بعمليات تفتيش وتمشيط في منطقة البحر الميت سيل زرقاء ماعين، للعثور على الطفلة المفقودة. ووفق بيان للدفاع المدني وصل "العربي الجديد"، فقد تمت توسعة عملية البحث لمسافة (15 كم) ويتم استخدام كلاب البحث والإنقاذ والطائرات المسيرة والمزودة بكاميرات.