بدأت تونس العمل على إعادة تأهيل المستوصفات التي تعاني وضعاً متردياً، استجابة لضغوط المواطنين والمنظمات الأهلية. لكن لا يبدو أن العمل يرقى إلى التوقعات، على أن تتجلّى التغييرات، في حال وجدت، في وقت قريب
تعدّ زيارة مركز للصحة العامة (مستوصف) في تونس شراٌ لابد منه لكثيرين؛ إذ تعاني المستوصفات وضعاً متردياً. وفي ظل كثرة الشكاوى من قبل المرضى والعاملين فيها، ورقابة المنظمات الأهلية، بدأت الوزارة المشرفة خوض مسار تأهيل يعيد لها دورها كخط أمامي يضمن الحق في الصحة ورعاية لائقة للمواطن.
ضيق حال المرضى وارتفاع أجر الطبيب الخاص يدفعان ملايين التونسيين للجوء دوماً إلى دور الرعاية الأساسية من أجل استشارة الطبيب العام، سواء كان المريض يعاني مشاكل صحية بسيطة أو بهدف الحصول على أدوية الأمراض المزمنة مجاناً، بمجرّد أخذ وصفة طبية من الطبيب في المستوصف.
بالنسبة للأطباء، يعدّ الأمر كابوساً في ظلّ نقص التجهيزات وارتفاع عدد العيادات المستقبِلة. بعض المستوصفات فيها طبيب واحد يستقبل المرضى مرتين في الأسبوع. وتستقبل المستوصفات نحو تسعة ملايين مريض في العام، بحسب التقديرات الأخيرة لوزارة الصحة، ما يعني أن هناك طبيبا لكلّ أربعة آلاف ساكن، معظمهم من الأرياف.
وأفادت منظّمة مراقبون في تقرير لها أعدّ على ثلاث مراحل خلال عامي 2016 و2017، بأن الوضع داخل المؤسسات كارثي. وتقول مديرة مشروع الرقابة على المؤسسات الصحية، رحمة بوحلي، لـ "العربي الجديد": "بعدما جرَدنا أوضاع 2060 مركزاً في المرحلة الأولى، و600 مركز في المرحلة الثانية، تبيّن أن بعض المناطق الريفية فيها مستوصف واحد. وفي كثير من الأحيان يكون مغلقاً أو غير قادر على استقبال المرضى". وتؤكد وجود مشاكل لوجستية، وأخرى تتعلق بالمباني والنظافة وتوفُّر الطاقم الطبي.
وبعد توزيع استمارات على السكان، شكا كثيرون من سوء المعاملة وطول الانتظار وعدم توفّر بعض الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة. وتؤكد رحمة بو حلي، لـ "العربي الجديد"، الأخذ بالكثير من توصيات المنظمة من قبل سلطة الإشراف، لكن مسار الإصلاح ما زال بطيئاً، وما من إشراك للمجتمع المدني أو رصد للاعتمادات اللازمة. وتواصل المنظمة العمل على مرحلة رابعة من الرقابة، لتبيان الإصلاحات وتدخلات الدولة في هذه المؤسسات، التي من شأنها تخفيف العبء عن المستشفيات الخاصة.
وأنشئت المستوصفات إبان الاستقلال، بهدف الوقاية من الأمراض والحصول على اللقاحات والكشف عن الأمراض البسيطة وتوفير الأدوية، ثم المستشفيات المحلية والجهوية التي تستقبل المصابين بأمراض أكثر تعقيداً ومن كل المحافظات، وتتوفر فيها تجهيزات طبية وأسرّة وأطباء. والمرحلة الأخيرة هي المستشفيات الجامعية التي شُيدت لاستقبال أولئك الذين يعانون من أمراض خطيرة ويحتاجون إلى عمليات مكلفة ومعقدة. لكن خلال السنوات الأخيرة، اختلفت الأمور في ظل التغير الديموغرافي، وباتت المستشفيات الجامعية تستقبل جميع المرضى من مختلف جهات الجمهورية.
من جهته، يقول مدير الدراسات والتخطيط في وزارة الصحة، محمد مقداد، لـ "العربي الجديد": "الوزارة اتخذت إجراءات لدعم خط الصحة الأول وإعادته إلى دوره الطبيعي". ويشير إلى أنه على الرغم من الظروف الحالية، ما زالت تونس تستجيب لمعايير منظمة الصحة العالمية، التي اعتبرت، في آخر تقرير لها، أن قيمة نفقات الصحة بلغت 7.1% من الناتج القومي الخام، علاوة على أن تقرير اتفاقية أبوجا اعتبر أن الدول التي في طريق النمو توفر ما لا يقل عن 12 في المائة من قيمة نفقات الميزانية العامة للصحة. أما تونس، فتوفر نحو خمسة عشر في المائة.
ويشدد على أن وزارة الصحة تعمل جاهدة بهدف إصلاح الخلل وإعادة تأهيل المستوصفات مقصد الشريحة الأكبر من الناس. إلا أن الموازنة تبقى ضعيفة، وكانت سبباً لتوقف مشاريع كثيرة. يضيف: "العام المقبل يشهد تطوراً في مسار التأهيل. وبدأنا العمل على تجهيز عدد من المراكز بوحدات تصوير بالأشعة، وأطباء عيون وأنف وحنجرة، وتأسيس مراكز وسيطة تحتوي على أقسام طوارئ حتى لا يتنقل المريض إلى المستشفيات المحلية والجهوية".
وتبقى المعضلة الأكبر في الطاقم الطبي، ما سيتم تداركه، بحسب مدير الدراسات والتخطيط خلال الأشهر القليلة المقبلة، من خلال "الإقامة المشروطة". يضيف لـ "العربي الجديد": "فُتحت مناظرة للأطباء للالتحاق بمراكز الصحة العامة، شرط أن يلتحقوا بالمناطق الداخلية والأرياف لمدة أربع سنوات. بالتالي، خلال عامين، سيتم تأمين 480 طبيبا لهذه المراكز. في انتظار ذلك، تم التعاقد مع أطباء لتأمين عيادات داخل هذه المراكز.