اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصحافي نيكوس ألْياغاس، في راديو أوروبا1، للرد على أسئلة تؤرق الرأي العام الفرنسي، ومن بينها ارتفاع أسعار المحروقات، ثم الحراك الاجتماعي المعلن يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، والذي ينوي منظّموه شلّ الطرق في البلاد. وهو حراكٌ تبرأ من اليمين التقليدي وقوى اليسار، ويؤيده علناً حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، وشبكات التواصل الاجتماعي.
وأبدى الرئيس الفرنسي في هذا اللقاء الذي تمّ تسجيلُهُ أمس الاثنين، وبثَّ صباح اليوم الثلاثاء، تفهمه لـ "الغضب" الشعبي من زيادة أسعار المحروقات، لكنه اعتبر أن الزيادة ضرورية ولا مناص منها. ثم ذكّر بوجود مساعدة لكل من يستبدل سيارته الملوثة، بسيارة أقل تلويثا، مضيفاً بأن ثمن البنزين "حينها سيكون أقل كلفة، كما أن السيارة ستلوِّث بدرجة أقل".
وفي التفاتة إلى العائلات ذات الدخل المحدود، والتي لا يمكنها الاستغناء عن التنقل بسياراتها، أعلن عن طلبه من الحكومة والبرلمان التفكير في تطبيق ما هو معمول به في شمال فرنسا، من تقديم 20 يورو شهريا لكل سائق يقطع 30 كيلومترا للتوجه إلى مقر عمله. كذلك أعلن عن قرب دراسة البرلمان لمشروع تقديم "صك من أجل الطاقة" لتلك الأسر.
وعن موقفه من الاحتجاج المعلن يوم 17 من الشهر، تساءل عن المشاركين والداعين إليه قائلاً: "يوجد أناسٌ في وضعية اضطراب مشروعة، ويجب مساعدتهم. ولكنني حذرٌ دائما من هذه الدعوات الكبرى للتعبئة لشلّ كل شيء، لأننا عموما نجد خلفها خليطا، أشياء لا يوحّدها شيءٌ، وأناسا لا مشروع لديهم من أجل البلد، بل يريدون شلّه".
وفي مواجهة أول استطلاع للرأي، صدر قبل يومين، وتصدر "التجمع الوطني" اليميني في الانتخابات الأوروبية، أمام حركة الرئيس السياسية، عبّر ماكرون عن أمله في "خسارة التجمع الوطني للانتخابات، وفي انتصار قوى سياسية في الحقل الجمهوري".
وعاد الرئيس ماكرون إلى موضوع الاتحاد الأوروبي، فعبّر عن الأمل في "إنشاء جيش أوروبي حقيقي"، في مواجهة الصين وروسيا وأميركا، كاشفاً أن انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من معاهدة التسلح، "يجعل من أوروبا وأمنها الضحيةَ".
وردّاً على الأحداث الأخيرة التي عرفتها المدارس الفرنسية، خصوصاً الاعتداء على بعض المدرّسين، وافق من حيث المبدأ، على مقترح وزير داخليته، كريستوف كاستانير، بالتشدد والتفكير في ولوج رجال الأمن داخل المؤسسات التعليمية، لكن مع التشديد على أن "ضامن السلطة في المؤسسة التعليمية يجب أن يكون مديرها".
ويبدو أن الرئيس الفرنسي يراهن من خلال ما أعلنه في المقابلة بشأن تعزيز القدرة الشرائية للأسر الفقيرة، على فشل الحراك الاجتماعي يوم 17 نوفمبر. علماً أن الاحتقان على أشده، وفاق عددُ مشاهدي فيديو امرأة فرنسية تنتقد ماكرون والحكومة على الزيادات التي تخنق الفرنسيين، 5 ملايين مشاهد، ما اضطر عددا من وسائل الإعلام إلى استضافتها.
وليس صدفة أن يظهر قبل أيام (1 نوفمبر)، فيديو مضاد أطلقه رجل غاضب من الحراك الاجتماعي ومن شل الطرق في فرنسا. وفي الشريط نفسه الذي شاهده أكثر من 44 ألف شخص، يعبر الرجل عن "تفضيله للبيئة على الديزل". ويسأل عمّا ينتظره العالَم "إذا لم نفعل شيئا من أجل الطبيعة"، وقال: "ابني لن يرى في السنوات العشرين المقبلة نصفَ الحيوانات الموجودة الآن في حديقة تشوبي".
لكن الرئيس ماكرون وحكومته يدركان أن هذه الأجوبة التي يقدمانها ستتغير، بكل تأكيد، في حال نجاح هذا الحراك المعلن، يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني.