في أول إجراء من نوعه منذ الاحتلال الأميركي للبلاد، أقدمت السلطات العراقية على رفع أكثر من 70 ألف عارضة إسمنتية حول المقرات الحساسة والمهمة، والفاصلة بين الأحياء السكنية، ثبتها الجيش الأميركي عام 2004 بمثابة مصدات لحماية جنوده من هجمات السيارات المفخخة والانتحاريين.
وذكر بيان حكومي عراقي، اليوم الثلاثاء، أن رفع العوارض الإسمنتية نتج منه فتح أكثر من ألف شارع بالعاصمة، وهو إجراء من شأنه أن يضفي مزيدا من الراحة للمواطنين، وتخفيف الزخم المروري الخانق وسهولة الوصول إلى أماكن عملهم ومنازلهم.
وتأتي الخطوة بعد أن فعّل الجيش العراقي السور الأمني الذي شيّد حول بغداد، للسيطرة على دخول السيارات المفخخة والمسلحين إليها.
وشهدت العاصمة العراقية بغداد بعد العام 2005 أسوأ موجة تفجيرات طاولت القوات الأميركية والعراقية على حد سواء، إضافة إلى أعمال عنف طائفية نفذتها مليشيات موالية لإيران دفعت الجيش الأميركي إلى زيادة إجراءاته الأمنية، من خلال خطة تقضي بفصل الأحياء السكنية بعضها عن بعض بالكتل الإسمنتية، وفتح مدخل واحد ومخرج واحد لكل حي أمام المواطنين.
وأشار بيان أصدرته قيادة عمليات بغداد اليوم، إلى أنها تمكنت من "رفع أكثر من 70 ألف كتلة كونكريتية من شوارع وأحياء العاصمة بغداد، خلال الفترة الماضية، كما تمكنت من فتح أكثر من ألف شارع في بغداد منذ مطلع هذا العام من بينها فتح الشارع الرئيس الذي يربط الجسر المعلق على دجلة بجسر "ذو الطابقين" في جانب الرصافة". ووفقا للبيان ذاته، خفض عدد نقاط التفتيش إلى 300 نقطة وسيطرة أمنية، مؤكدا أن العمل مستمر مع الجهات الحكومية لفتح جميع الشوارع في بغداد.
وتعتبر عملية فتح الشوارع هي الأولى من نوعها منذ نحو 15 عاماً، وبعض الشباب يعرف شكل هذه الطرق وإلى أين تؤدي، كونهم لا يذكرونها جيدا أو أنهم كانوا أطفالا عند إغلاقها.
وأوضح مدير إعلام أمانة العاصمة بغداد عبد المنعم العيساوي، أن "العمل جار لفتح المنطقة الخضراء أيضاً، وهذا من شأنه أن يقلل الزخم في شوارع بغداد إلى حدّ كبير"، مضيفاً أن "الإجراء يعد الأول من نوعه الذي تشهده العاصمة بهذا المستوى من عمليات فتح طرق، وما يتطلبه ذلك من تأهيل وصيانة لها".
بدوره، قال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية محمد رضا، لـ"العربي الجديد": "الخطوات الحالية تأتي في إطار خطة تقضي بالاعتماد على الجهد والعمل الاستخباري، وإحباط الهجمات قبل وقوعها بدلاً من إغلاق الطرق والتضييق على الناس، وهذا الأمر سيُشعر سكان بغداد بالأمن أولا، وبعودة بغداد إلى تألقها".
أما الخبير الأمني العراقي، أحمد محمود، فقال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن" الكتل الإسمنتية التي وضعت في شوارع بغداد تصل إلى نصف مليون كتلة أو أكثر، وكلفت الدولة ملايين الدولارات حينها، واليوم يجب أن يكون رفعها مدروساً كأن يتم نقلها إلى الحدود مع دول الجوار أو في مناطق حدود المدن نفسها".
وأضاف: "الحكومة الجديدة تفكر بشكل عملي بالتخلي عن الأساليب القديمة في حفظ الأمن كقطع الطرق وفصل الأحياء للحد من الهجمات الإرهابية والتي لم توقفها سابقا، والاعتماد اليوم على الجهد البشري في رصد الحركات المشبوهة أفضل من الكتل الإسمنتية بالتأكيد".
من جهته، اعتبر المواطن وائل أحمد(22 عاماً) وهو سائق تاكسي وخريج جامعي أيضاً، أن "هناك طرقاً اكتشفها حديثا وكان يمر قربها طول السنوات الماضية، ولا يدري ماذا يوجد خلف تلك الكتل الإسمنتية التي تقطعها".
وتابع: "بعض الطرق كأنها جديدة وفيها لوحات دلالة وعلامات مرورية وإشارات ضوئية من عراق ما قبل الاحتلال ولا تحتاج سوى مسح الغبار عنها"، معتبراً أنها فرصة لرؤية بغداد ما قبل الغزو أيضاً.