خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، واصلت النيابة العامة المصرية تحقيقاتها مع أهالي منطقة منشأة ناصر غربي القاهرة، حيث انهار عقار مكون من أربعة طوابق وأسفر عن مقتل عشرة أشخاص، على الأقل، وإصابة نحو 20 من سكانه.
وكشف عدد من سكان العقار المنهار تفاصيل ما جرى معهم في التحقيقات، مشيرين إلى أن العقار المنهار تأثّر بهدم عقار في الشارع الخلفي المتاخم له، بهدف إنشاء برج سكني تجري أعمال بنائه حاليًا. ويشار إلى أن بيوت وحارات حيّ منشأة ناصر ضيقة ومتلاصقة، ويعتبر الحيّ من أكثر المناطق عشوائية في البناء على مستوى الجمهورية.
وأوضح السكان أن العقار لم تكن به أية تصدّعات أو شروخ في جدرانه تجعلهم يستنتجون أنهم في خطر، لكن بعض التصدعات نتجت عن أعمال البناء والهدم من حولهم، مشيرين إلى أنهم سجلوا شكوى بذلك في المركز الخاص بحيّ منشأة ناصر، لكنّ أحداً لم يتحرك.
وحصل "العربي الجديد" على صور للعقار الجديد المتاخم للعقار المنهار، وتواصل مع عدد من الأهالي بشأنه، وقال أحدهم: "إن بناء هذا العقار يؤكد وجود إهمال شديد من القيادات الأمنية ورئيس الحيّ". وتساءل "صاحب هذا العقار دفع كام للحي علشان يكون جريء كده وياخد التراخيص بسرعة ويبدأ البناء مباشرة".
ويبدو من صورة العقار الحديث أنه قيد الإنشاء، وأن الأعمال الخرسانية الأساسية أنجزت، وتبعها بناء الطوابق. ويقع حيّ منشأة ناصر ضمن أحياء المنطقة الغربية بمحافظة القاهرة، وتم فصله عن حيّ الوايلي، في الأول من مايو/أيار 1991. وبحسب البيانات الواردة على الموقع الإلكتروني لمحافظة القاهرة، فإن 65 في المائة من سكان الحيّ يشغلون أعمالاً حرفية وإدارية، و14 في المائة منهم ترتبط أعمالهم بالقمامة، و21 في المائة لديهم أعمال الحرة.
وبعد الانهيار الصخري الضخم الذي وقع، يوم 15 ديسمبر/كانون الأول عام 1993 وهدم 15 منزلاً بمنطقة "الزرايب" في الحيّ ذاته، وأسفر عن مقتل 70 مواطنًا، أصبحت "منشية ناصر" في مرمى التحذيرات. إذ تبعه انهيار صخري أكبر (صخرة الدويقة) عام 2008 وراح ضحيته أكثر من 130 مواطنًا.
وصدر قرار من رئيس الجمهورية، حسني مبارك، آنذاك، حمل رقم 305، وقضى بإنشاء "صندوق تطوير المناطق العشوائية"، التابع لرئاسة مجلس الوزراء المصري، بهدف حصر المناطق العشوائية وتطويرها وتنميتها، ووضع الخطة اللازمة لتخطيطها عمرانياً، وإمدادها بالمرافق الأساسية، من مياه وصرف صحي وكهرباء.
وبيّنت التقديرات أن أربعة آلاف أسرة تسكن المنطقة منذ 10 سنوات، لكنّ العدد تضاعف مع مرور السنوات، وتفاقمت المشاكل نتيجة تباطؤ المحافظة في إتمام مراحل نقل السكان إلى المناطق الجديدة. منذ ذلك الحين، تحاول الحكومات المتعاقبة إخلاء منطقة منشأة ناصر، والسكان يرفضون رغم الصعوبات والمخاطر، ويتحدّون الحكومة أمام القضاء، متمسكين بتقرير اللجنة العلمية الصادر عن مركز الاستشارات الهندسية التابع لكلية الهندسة جامعة عين شمس.
ويشير تقرير "الدراسات الجيولوجية والهندسية لتقييم حالة منحدرات الحافة الشمالية لهضبة المقطم"، الصادر في مارس/آذار 2009، وصدرت عنه 21 توصية بشأن التعامل مع منطقة منشأة ناصر، من بينها توصية واحدة بـ"الإزالة"، ما يبرهن أن هناك "حلولا أخرى بديلة عن تنازل الأهالي عن منازلهم".
وعرضت الحكومة على السكان عدة بدائل، رفضها الأهالي، وتقدّموا بمطالب جديدة وهي "إما تمليك منازلهم في حيّ منشية ناصر، أو تمليك الوحدات السكنية في حي الأسمرات، أو تعويض مادي عادل لوحداتهم السكنية في منشية ناصر". أما سكان العقار المنهار والبالغ عددهم 45 فردًا من ثماني أسر كانت تقطنه، فطالبوا بنقلهم إلى مساكن بديلة بسرعة، وتحديد قيمة التعويضات ومواعيد صرفها، على أن تكون الوحدات السكنية البديلة مجهزة بإمكانيات معيشية.
وسبق لمحافظة القاهرة أن أعلنت، في بيان رسمي، عن توفير وحدات سكنية بديلة لسكان العقار المنهار في مدينة بدر. ودعا المحافظ نائبة في المنطقتين الشمالية والغربية للحيّ اللواء محمد أيمن، ورئيس الحيّ، ومدير مديرية التضامن الاجتماعي ومدير مديرية الشباب والرياضة ومأمور قسم منشأة ناصر بالتعاون معا في تقديم كل أوجه الدعم الممكن للمتضررين، لكن القرار لم ينفذ بعد.
ولا يزال السكان المتضررون من انهيار العقار متواجدين في أماكن مبيت داخل مركز شباب منشأة ناصر، في حين يجري التنسيق مع إحدى الجمعيات الأهلية لتوفير وجبة عشاء ساخنة للمتضررين، ومائة جنيه بدل إعاشة لكل فرد متضرر من الحادث.