مطلع 2011، كان السوريون يراقبون ثورات الربيع العربي، وكانت البلاد تعيش على صفيحٍ ساخن، حتّى الثلاثاء 15 مارس/آذار، عندما خططت مجموعة من الشباب للاعتصام في ساحة السرايا في مدينة درعا، لكن الأمن كان منتشراً بكثافة، فتأجّل التظاهر إلى يوم الجمعة التالي.
جاءت الاحتجاجات على أثر قيام مجموعة أطفال بكتابة عبارات مناهضة لنظام الأسد على حائط مدرسة في درعا البلد، ما دفع قوات الأمن العسكري بدرعا، بقيادة عاطف نجيب، ابن خالة بشار الأسد، إلى اعتقال الأطفال وتعذيبهم وقلع أظافرهم، وخلال محاولة ذويهم السؤال عنهم، قام نجيب بتوجيه كلمات مهينة لكبار العائلات، ما أدّى لبدء الاحتجاجات في محافظة درعا وقراها، والتي اشتهرت بكون مظاهراتها حاشدة، وضمت لافتات نقلت وقائع ويوميات الثورة.
اقتحمت قوات النظام درعا عدّة مرات، وتمكّن الأهالي مرات، والجيش الحر مرات أخرى من طردهم، حتى سحب النظام معظم ثقله العسكري من المحافظة. في 2017، أطلقت فصائل المعارضة معركة "الموت ولا المذلة" التي انتهت إلى طرد قوات النظام من معظم أحياء درعا البلد، وتوقّفت المعارك على أثر توقيع "هدنة الجنوب السوري".
واليوم، بعد عدّة أشهر على هذه الهدنة، بدأت قوات النظام ترسل رسائل تنذر ببدء معركة واسعة هناك، بعد أن تمكّنت من شطر الغوطة الشرقية وتشديد الحصار عليها.
عاصمة الثورة
لُقّبت مدينة حمص بعاصمة الثورة السورية لكثرة التظاهرات التي خرجت فيها، والتي استنزفت قوات النظام. يقول الناشط الإعلامي أيهم الحمصي، لـ"العربي الجديد": "أول مظاهرة في حمص تزامنت مع مظاهرة خرجت في درعا في 18 مارس/آذار 2013، وشارك فيها عشرات المدنيين عقب صلاة الجمعة من أمام مسجد خالد ابن الوليد في حمص القديمة، وتحولت إلى عدد من المظاهرات الطيارة (مظاهرة لا تثبت بمكان واحد)، فلم تتمكّن قوات الأمن من القبض على أي مدني".
ويضيف أنه "في الجمعة التي تلتها، خرجت مظاهرات حاشدة من عدّة مساجد بمدينة حمص، وتوجّهت نحو ساحة الساعة في مركز المدينة، وتمكّن المتظاهرون من اقتحام الطوق الأمني، وردّت قوات الأمن بإلقاء القنابل المسيّلة للدموع، وحشد قواتها تمهيداً لتفريقها، ما أدّى إلى اندلاع اشتباكات بين الأمن والمتظاهرين، تم خلالها تمزيق صورة بشّار الأسد المرفوعة على مدخل نادي الضباط للمرّة الأولى".
وأوضح أن "الأمن ردّ بتفريق المظاهرة بالرصاص والمياه واستخدام سيارات الإطفاء، وقام باعتقال عشرات المتظاهرين. تمدّدت المظاهرات بعدها في مدينة حمص، وصولا إلى (اعتصام الخالدية) الشهير، الذي ضم معظم أبناء حمص، وكان من أضخم مظاهرات المدينة، لتبدأ قوات النظام باستخدام الدبّابات والأسلحة الثقيلة وقذائف الهاون".
لاحقاً، تشكل الجيش الحر، وبدأ الأمر يتحوّل من مظاهرات إلى اشتباكات بين قوات النظام والجيش الحر، وأسفرت الاشتباكات خلال عدّة أشهر عن تقدّم المعارضة وسيطرتها على معظم مدينة حمص. لكن قوات النظام عادت بإمدادات عسكرية، واستخدمت القصف المدفعي لاقتحام المدينة، وتم حصار حمص القديمة، والذي انتهى بسيطرة قوات النظام عليها بعد تهجير سكّانها ورحيل مقاتليها.
ولا يمكن نسيان صوت حارس مرمى منتخب سورية السابق، عبد الباسط الساروت، الذي هتف بسقوط النظام في ساحات وميادين مدينة حمص، وردد خلفه عشرات الآلاف من سكّان المدينة.
كفرنبل المحتلة
قدّمت مدينة كفرنبل في ريف محافظة إدلب، نموذجاً حضارياً في الثورة السورية من خلال لافتاتها الشهيرة، والتي تُرجمت إلى معظم لغات العالم، والتي باتت المدينة تعرف بها.
وتُعتبر كفرنبل من أوائل المدن التي خرجت ضد النظام، وكانت كل مظاهرة تضم لافتات ساخرة من النظام السوري والمجتمع الدولي، وحملت إحدى اللافتات تدوينة معبرة كُتب فيها: "يسقط النظام، تسقط المعارضة، تسقط الأمة العربية وجامعة الدول العربية، تسقط الأمة الإسلامية والمؤتمر الإسلامي، يسقط العالم، يسقط مجلس الأمن، يسقط كل شيء".
وباتت اللافتات من أكثر الأمور التي تعبّر عن وضع السوريين، فعلى إحداها كتب الأهالي: "إلى جمعيات الرفق بالحيوان، حاولوا إنقاذنا فلم يعد أحد يكترث لإنسانيتنا". وفي لافتة أخرى: "نطالب بالرجوع إلى خطوط ما قبل 15 آذار"، في إشارة إلى قيام جيش النظام بعد هذا التاريخ باقتحام الشمال السوري.
ولم تكتف المظاهرات بالسخرية من النظام، وإنّما سخرت من الفصائل المعارضة، مثل "هيئة تحرير الشام"، التي حاولت إسكات صوت المدينة عدّة مرات لكنها لم تنجح، رغم أن كفرنبل مدينة صغيرة يبلغ عدد سكّانها بضعة آلاف.