عاش أهالي بلدات وأحياء جنوب العاصمة دمشق، ويلات الحصار الكلي الذي فرضه النظام السوري وحلفاؤه، على مدى ثلاث سنوات، واليوم وبعد أن أصبح هذا الحصار جزئياً، ما زالوا يخشون تكرار المأساة التي حُرموا خلالها من المأكل والمشرب وأبسط مقومات الحياة.
مات كثيرون خلال محاولة الوصول إلى بعض الأعشاب غير الصالحة للاستهلاك البشري، أحمد علي، الذي يعيش في حي الحجر الأسود، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن 75 شخصاً قتلوا قنصاً خلال محاولة الحصول على عشبة "المرير" لإطعام أطفالهم، وهي عشبة طعمها مرّ وغير صالحة للاستهلاك، موضحاً أنه مرّ بهذه التجربة المرعبة ليؤمن بعض الطعام، مغامراً بحياته في أرض مكشوفة لقناصة تابعين للنظام، يستهدفون أي شخص فيها.
ويضيف: "دخلت في إحدى المرات إلى أحد المنازل المهجورة في الحجر الأسود، لأجد طبقاً قد تعفن، فأتيت بملعقة وأزلت العفن عنه، لأكتشف أنه يحتوي على المربى. كان شعوري بالسعادة لا يوصف. تناولت كل ما فيه".
ويوضح المواطن السوري أن الحصول على السكر كان أشبه بالحصول على المخدرات: "كنت أنام وأحلم بأنني أشرب كأس شاي بالسكر، لقد اعتدت عليها من دون سكر، والسكر فيها فقط بالحلم. في إحدى المرات اشتريت ربع أوقية سكر بألفي ليرة (نحو 4 دولارات)، كنت أشعر دائماً بأن جسمي بحاجة للسكريات، وكانت أحلامي ترجمة لأمنياتي بالحصول على علبة حلاوة أو قليل من المربى، أو تذوق الشاي بالسكر".
يذكر أحمد علي الحصار الأولى، "وقتها كان الفجل أحد أفخر المأكولات المتوفرة وأغلاها، وبديلاً من البطاطا المفقودة، فأصبحنا نتناوله مسلوقاً، ونقدمه كغذاء أساسي لأطفالنا في حال توفره، أما المياه فمعاناتها مختلفة، فكان لدينا يوم كامل مخصص لتوفير المياه من أحد الصنابير العامة في الحي، نحمل الأواني البلاستيكية للحصول على كمية من الماء نسد بها عطشنا".
مشهد آخر من مشاهد الحصار يصفه هاني أبو عبيد، ويقول لـ"العربي الجديد": "أيام صعبة ومريرة اضطر فيها بعض الناس لأكل لحوم القطط بسبب الجوع، والاعتماد على ما توفر من أعشاب، وإن كانت ضارة، ومع الانتقال لمرحلة الحصار الجزئي وافتتاح معبر (ببيلا- بيت سحم)، أصبح الحصار أسهل، وتوفرت المواد الغذائية رغم ارتفاع أسعارها".
ويضيف أن "الهاجس الحقيقي اليوم ليس القصف أو الحصار، بل التهجير، وهو أكثر ما يؤرقنا، فقد نترك كل شيء خلفنا ونخرج إلى مصير مجهول، ونتمنى أن لا نصل إلى هذه المرحلة".