"هنا أفضل بكثير. أشعر بأنني إنسان يُحتَرم بخلاف الحال في صنعاء وعمران". هذا ما يقوله عبد القوي محمد، وهو من فئة المهمّشين ذوي البشرة السوداء، أو كما يُطلق عليهم بعض أبناء اليمن "الأخدام". فضّل عدد كبير من فئة المهمّشين في بعض المحافظات الشمالية مثل الحديدة وحجة وصنعاء وتعز، الانتقال على مراحل إلى محافظات جنوبية، على رأسها عدن وأبين ولحج، حيث لا ينتقص سكانها من هذه الفئة بسبب النسب أو لون البشرة.
فئة المهمّشين في اليمن تعيش واقعاً صعباً، وتتعرّض للتمييز، وتعاني من عزلة بالمقارنة مع باقي مكونات المجتمع اليمني. وهي تعمل في مهن معيّنة مثل تنظيف الشوارع وغسل السيارات أو تلجأ إلى التسوّل، ما دفع كثيرين إلى مغادرة مناطقهم ليبدأوا حياة جديدة في الجنوب، حيث لا يُعاملون بدونية. وإن واجهوا أمراً مماثلاً، فبنسبة أقل، يقول محمد. يضيف لـ "العربي الجديد": "زرت عدن قبل خمس سنوات، ووجدت كثيرين من ذوي البشرة السوداء يعيشون بسلام من دون أن يناديهم أحد بالأخدام. هذا ما جعلني أقرّر مغادرة صنعاء مع أولادي قبل ثلاث سنوات وأستقر في محافظة عدن". ويشير إلى أنه يعمل في تنظيف السيارات لكنه يشعر بالراحة.
أما نعمان صالح الذي يقطن في مدينة عدن منذ سنتين، فيؤكد أنه لا يشعر بالدونية في عدن، إذ يتقبّل المجتمع جميع الناس، بمن فيهم المهمّشون. يقول: "في عدن، تجد المهمّش جندياً وموظفاً، إلا أنّ هذا نادر في الشمال". ويشير إلى أنّه منذ وصوله إلى عدن وحتى اليوم، لم توجّه له أي كلمة عنصرية. ويؤكد أنّ السكان في المحافظات الشمالية غالباً ما ينظرون إلى المهمّشين باحتقار، والمجتمع يرفضهم ويمنع الاختلاط بهم، وهم خارج حسابات السلطة الحاكمة ولا يتمتعون بأيّ حقوق. ويلفت إلى أنّ هذه النظرة كانت قد بدأت تختفي قبل عام 2014، إلا أنّها عادت أخيراً. ويتمنى صالح أن يتابع أبناؤه الدراسة ويلتحقوا بالجامعة ليحصلوا على وظائف كبقية اليمنيين. يتابع: "في صنعاء، كانت المدارس متاحة لأبنائي، لكنهم كانوا يشعرون بأنهم منبوذون. أما في عدن، فالأمر مختلف".
إلى ذلك، يرى أديب العبيدي وهو أحد سكان عدن، أنّ مهمّشين كثيرين وفدوا إلى مدينة عدن للعيش فيها والبحث عن فرص عمل والاستقرار بعيداً عن النظرة العنصرية. يؤكد لـ "العربي الجديد" أنّ "فئة المهمّشين كانت تعاني أيضاً في المحافظات الجنوبية من العنصرية، إلا أنّها أدمجت في المجتمع خلال فترة حكم الرئيس الجنوبي السابق سالم ربيع علي في عام 1969، بعدما أصدر قراراً بإلغاء التخاطب بالألقاب، بالإضافة إلى إلغاء التمييز الاجتماعي من خلال إقرار قوانين". ويشير إلى أنّ هذه القرارات أتاحت لفئة المهمّشين الدراسة والتعليم، وشجعتها على الانخراط في مؤسسات الدولة، بما فيها الأمن والجيش.
في السياق، يؤكد الناشط الحقوقي عارف الحجري أنّ فئة المهمّشين ما زالت تعاني من انتهاكات مستمرة، على الرغم من كل التغيّرات في البلاد. ويشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الحكومات المتعاقبة لم تساويهم ببقية شرائح المجتمع، خشية تخلي المهمّشين عن مهنة تنظيف الشوارع". يضيف أنّ أبرز الانتهاكات التي يتعرض لها المهمّشون في صنعاء "تتركز في حرمانهم من الحقوق والمواطنة والخدمات العامة والبطالة، بالإضافة إلى حرمانهم من حقوقهم السياسية وتمثيلهم على مستوى المجالس المحلية أو النيابية". ويوضح أنّهم "يجدون في المناطق الجنوبية نوعاً من التقدير والمساواة مع عدم توجيه نظرة دونية إليهم من قبل المجتمع الجنوبي، ما يشجع أبناء هذه الشريحة الاجتماعية على مغادرة المناطق الشمالية إلى الجنوب، خصوصاً خلال السنوات الأخيرة التي تشهد حرباً خلفت أزمة إنسانية كبيرة. وعلى الرغم من أن الدستور اليمني لا يفرق بين فئة وأخرى ومواطن وآخر ورجل وامرأة، فإنّ الواقع يبقى مختلفاً".
2.5 مليون شخص
لا تتوفّر إحصاءات رسمية في اليمن حول فئة "المهمّشين"، إلا أنّ منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" قدّرت في تقارير صادرة عنها أنّ هؤلاء يمثّلون نحو 10 في المائة من سكان اليمن، أي نحو 2.6 مليون شخص، في حين تشير إحصائية سابقة صادرة عن اتحاد المهمّشين اليمنيين إلى أنّ عددهم في البلاد يقدّر بنحو 3.3 ملايين شخص، أي ما نسبته 11 في المائة من إجمالي عدد السكان.