ترتفع نسبة الانتحار بين الأطفال والمراهقين في ليبيا. والأسباب عديدة، منها الظروف التي تعيشها البلاد حالياً، والتي أدّت إلى اكتئاب هذه الفئة، إضافة إلى لعبة "تشارلي"
ما زالت أسرة خالد العشريني، التي عثرت على ابنها على سطح بيتها في منطقة وادي الربيع في طرابلس، وقد شنق نفسه بواسطة حبل قبل نحو أسبوعين، تبحث عن أسباب انتحاره، من دون أن تصل إلى نتيجة. تقول: "كان متفوقاً في دراسته، ويعمل مساء كل يوم في أحد المحال، وكان طبيعياً جداً". تضيف: "مساء ذلك اليوم، كان يستعد لرحلة بصحبة أصدقائه إلى شرق ليبيا، ولا سيما أن العام الدراسي شارف على الانتهاء"، مؤكدة أنه لا يعاني من أي ضغوط نفسية أو معيشية تدفعه إلى الانتحار. "مرّت علينا أيام عصيبة للغاية ولم نجد إجابة لمن يسألنا عن سبب انتحاره".
ظاهرة انتحار الأطفال والشباب ما زالت مستمرة حتى اليوم، وإن بنسبة أقل بالمقارنة مع العام الماضي، حين سجلت الدوائر الأمنية في البيضاء (شرق البلاد)، لوحدها 21 حالة انتحار بين أطفال وشباب لا يتجاوز عمر أكبرهم 22 عاماً. ويقول الرائد في جهاز مكافحة الجريمة التابع لوزارة داخلية حكومة الوفاق سامي بوعرقوب، إن "آخر هذه الحالات الغامضة سجلت في قصر بن غشير، جنوب طرابلس، وقد شنقت فتاة (21 عاماً) نفسها". ويؤكد أنه منذ بروز هذه الظاهرة نهاية عام 2016 وحتى الآن، سجلت في طرابلس 12 حالة، وما زالت التحقيقات فيها مفتوحة". ويؤكد أن نسبة ضحايا الانتحار أكبر من ذلك، إلا أن "الوصول إلى مناطق في الجنوب الليبي والقرى والأرياف صعب بسبب الظروق الأمنية الحالية. كما أن العرف الاجتماعي يفرض على الأسرة التكتم على هذه الحوادث، خصوصاً إذا كان المنتحر فتاة".
اقــرأ أيضاً
ويلفت بوعرقوب إلى أن هذه الظاهرة لم تؤد إلى توحيد الجهود لدراستها وتحديد أسبابها، لافتاً إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية والجهات الأمنية وجهات أخرى تعمل بشكل فردي، ومن دون تنسيق في ما بينها. ويقول: "لم تصل أي من هذه الجهات حتى الآن إلى تحديد أسباب منطقية، بل توقفت معظمها عن إجراء الأبحاث، لأن الظاهرة باتت بعيدة عن تناول وسائل الإعلام". ويشير إلى أن الانقسام الحكومي في البلاد يجعل توحيد الجهود لدراسة ومكافحة الظاهرة أمراً صعباً.
إلا أنّ خيرية حويريس، من مركز الخبرة القضائية التابع لوزارة العدل في حكومة الوفاق في طرابلس، تقول إن فريقاً متخصصاً من الوزارة زار أسراً وأنقذ أطفالهم من حبال المشانق، وما زالوا يخضعون للعلاج النفسي. إلا أن هذه العائلات ترفض الحديث في الأمر، بل ترفض أن يقابل الفريق أطفالهم. تضيف: "صعوبات كثيرة اعترضتنا، لكننا انتهينا من إعداد تقريرنا عن الظاهرة، وبيّن أنها ناتجة عن حالات اليأس والإحباط، ولا يمكن فصل المراهقين الذين قد يختارون الانتحار عن هذه المشاعر". هؤلاء يعانون نفسياً نتيجة النزاعات المسلحة والقذائف والانفجارات والدماء والقتل والجثث والأشلاء، إضافة إلى الهموم المعيشية. ويشيرون إلى أن كل هذه العوامل ولدت شكلاً من الاكتئاب يؤدي إلى الانعزال عن المحيط، وأحياناً للانتحار.
تضيف أن أطفالاً وشباباً كثيرين يعانون من الاكتئاب، إلا أنهم لم يلجأوا جميعاً إلى الانتحار. "ويجب تلافي وقوع مآسي أكبر". وتؤكد أن تقريرها المرفوع إلى الجهات الأمنية والقضائية لم يلق أي اهتمام. وتسأل: "كيف لحكومات وسلطات غارقة في الخلافات السياسية والاقتتال، التعامل مع هذه الظاهرة واجتثاث أسبابها؟". وتؤكد أن الوضع المأساوي الذي تعيشه البلاد يفاقم المشاكل.
اقــرأ أيضاً
وأعلنت وزارة الداخلية في الحكومة التي تتخذ من مدينة البيضاء مقراً لها ارتفاع نسب الأطفال المنتحرين فيها. وقالت في بيان الشهر الماضي، إن شيطاناً مكسيكياً هو المسؤول عنها. وأرسلت الوزارة بياناً إلى رئيس المباحث العامة، ومدير الإدارة العامة للعلاقات، ورئيس هيئة الأوقاف، ومدير إدارة النشاط المدرسي في وزارة التعليم، حددت فيه أسباب الظاهرة، لافتة إلى أن "لعبة تشارلي هي المسؤولة عن انتحار الأطفال والشباب، وأصلها شيطان مكسيكي كما تروي الأساطير. إذ تستحضر روحه بحسب مزاعمهم ببعض الكلمات باللغة الإنكليزية". أضافت الوزارة أن هذه اللعبة تؤدي إلى "أعراض غريبة وكوابيس قد تدفع البعض إلى الانتحار"، معلنة أن تشارلي "خطر على الأمن القومي الليبي".
ويتفق أستاذ التوجيه والإرشاد النفسي في كلية العلوم والتربية في جامعة طرابلس صالح العجيل، مع حويريس، قائلاً: "كثيرة هي الأسباب التي تقف وراء الانتحار، من بينها مس الجن والمخدرات وغيرها، لكنها أسباب غير موضوعية. أما الأكثر واقعية، فهي أوضاع المراهقين والأطفال". يضيف: "الطفل أو المراهق عادة لا يدرك معنى الموت أو يستشعر رهبته، لكنه نتيجة للاكتئاب يقدم على الانتحار. للأسف، غالبية العائلات لا تعرف أعراضه فتلجأ إلى علاجات بمفردها"، مبيناً أن ثقافة المجتمع التي ترى في الذهاب إلى طبيب نفسي عيب سبب إضافي لتفشي الظاهرة.
يضيف العجيل: في حالة خالد، يظن الأهل أن الاكتئاب يجب أن يكون ظاهراً. لكن المراهقين عادة ما يخفون مشاكلهم أو أمراضهم، ويتطلب الأمر متابعة أدق، ما لم يحدث في أسرته". يضيف أن "الترهيب الذي يعيشه الطفل أو المراهق في المدرسة، والتفكك الأسري نتيجة التهجير والنزوح والفقر الفجائي، أي تغير مستوى الأسرة المعيشي والاقتصادي، ومشاهد القتل والحرب والرصاص والقنابل، تشعر الطفل بعدم الأمان والذعر، ولا تلبي عادة طموحات المراهق". ويؤكد أن المئات يعيشون ظروفاً نفسية سيئة قد تؤدي بهم إلى مشاكل نفسية. وقد أقدم البعض على ركوب قوارب الهجرة عبر البحر بحثاً عن حياة أفضل، مع أنه يعرف أنه يواجه الموت. أو يتجه نحو السرقة والسطو والخطف وغيرها".
وعلى الرغم من كل هذه الآراء التي يبدو أنها لم تتجاوز الاجتهادات، والموقف الحكومي لا سيما الوزارات المعنية، كالعدل والصحة والداخلية، يبقى السؤال قائماً حول أسباب الخطر المجهول الذي يستهدف شريحة بعينها دون غيرها، وهي الأطفال والمراهقون ما بين 12 و22 عاماً تحديداً. ويؤكد بوعرقوب أن غالبية المنتحرين ينتمون إلى هذه الفئات العمرية.
ظاهرة انتحار الأطفال والشباب ما زالت مستمرة حتى اليوم، وإن بنسبة أقل بالمقارنة مع العام الماضي، حين سجلت الدوائر الأمنية في البيضاء (شرق البلاد)، لوحدها 21 حالة انتحار بين أطفال وشباب لا يتجاوز عمر أكبرهم 22 عاماً. ويقول الرائد في جهاز مكافحة الجريمة التابع لوزارة داخلية حكومة الوفاق سامي بوعرقوب، إن "آخر هذه الحالات الغامضة سجلت في قصر بن غشير، جنوب طرابلس، وقد شنقت فتاة (21 عاماً) نفسها". ويؤكد أنه منذ بروز هذه الظاهرة نهاية عام 2016 وحتى الآن، سجلت في طرابلس 12 حالة، وما زالت التحقيقات فيها مفتوحة". ويؤكد أن نسبة ضحايا الانتحار أكبر من ذلك، إلا أن "الوصول إلى مناطق في الجنوب الليبي والقرى والأرياف صعب بسبب الظروق الأمنية الحالية. كما أن العرف الاجتماعي يفرض على الأسرة التكتم على هذه الحوادث، خصوصاً إذا كان المنتحر فتاة".
ويلفت بوعرقوب إلى أن هذه الظاهرة لم تؤد إلى توحيد الجهود لدراستها وتحديد أسبابها، لافتاً إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية والجهات الأمنية وجهات أخرى تعمل بشكل فردي، ومن دون تنسيق في ما بينها. ويقول: "لم تصل أي من هذه الجهات حتى الآن إلى تحديد أسباب منطقية، بل توقفت معظمها عن إجراء الأبحاث، لأن الظاهرة باتت بعيدة عن تناول وسائل الإعلام". ويشير إلى أن الانقسام الحكومي في البلاد يجعل توحيد الجهود لدراسة ومكافحة الظاهرة أمراً صعباً.
إلا أنّ خيرية حويريس، من مركز الخبرة القضائية التابع لوزارة العدل في حكومة الوفاق في طرابلس، تقول إن فريقاً متخصصاً من الوزارة زار أسراً وأنقذ أطفالهم من حبال المشانق، وما زالوا يخضعون للعلاج النفسي. إلا أن هذه العائلات ترفض الحديث في الأمر، بل ترفض أن يقابل الفريق أطفالهم. تضيف: "صعوبات كثيرة اعترضتنا، لكننا انتهينا من إعداد تقريرنا عن الظاهرة، وبيّن أنها ناتجة عن حالات اليأس والإحباط، ولا يمكن فصل المراهقين الذين قد يختارون الانتحار عن هذه المشاعر". هؤلاء يعانون نفسياً نتيجة النزاعات المسلحة والقذائف والانفجارات والدماء والقتل والجثث والأشلاء، إضافة إلى الهموم المعيشية. ويشيرون إلى أن كل هذه العوامل ولدت شكلاً من الاكتئاب يؤدي إلى الانعزال عن المحيط، وأحياناً للانتحار.
تضيف أن أطفالاً وشباباً كثيرين يعانون من الاكتئاب، إلا أنهم لم يلجأوا جميعاً إلى الانتحار. "ويجب تلافي وقوع مآسي أكبر". وتؤكد أن تقريرها المرفوع إلى الجهات الأمنية والقضائية لم يلق أي اهتمام. وتسأل: "كيف لحكومات وسلطات غارقة في الخلافات السياسية والاقتتال، التعامل مع هذه الظاهرة واجتثاث أسبابها؟". وتؤكد أن الوضع المأساوي الذي تعيشه البلاد يفاقم المشاكل.
وأعلنت وزارة الداخلية في الحكومة التي تتخذ من مدينة البيضاء مقراً لها ارتفاع نسب الأطفال المنتحرين فيها. وقالت في بيان الشهر الماضي، إن شيطاناً مكسيكياً هو المسؤول عنها. وأرسلت الوزارة بياناً إلى رئيس المباحث العامة، ومدير الإدارة العامة للعلاقات، ورئيس هيئة الأوقاف، ومدير إدارة النشاط المدرسي في وزارة التعليم، حددت فيه أسباب الظاهرة، لافتة إلى أن "لعبة تشارلي هي المسؤولة عن انتحار الأطفال والشباب، وأصلها شيطان مكسيكي كما تروي الأساطير. إذ تستحضر روحه بحسب مزاعمهم ببعض الكلمات باللغة الإنكليزية". أضافت الوزارة أن هذه اللعبة تؤدي إلى "أعراض غريبة وكوابيس قد تدفع البعض إلى الانتحار"، معلنة أن تشارلي "خطر على الأمن القومي الليبي".
ويتفق أستاذ التوجيه والإرشاد النفسي في كلية العلوم والتربية في جامعة طرابلس صالح العجيل، مع حويريس، قائلاً: "كثيرة هي الأسباب التي تقف وراء الانتحار، من بينها مس الجن والمخدرات وغيرها، لكنها أسباب غير موضوعية. أما الأكثر واقعية، فهي أوضاع المراهقين والأطفال". يضيف: "الطفل أو المراهق عادة لا يدرك معنى الموت أو يستشعر رهبته، لكنه نتيجة للاكتئاب يقدم على الانتحار. للأسف، غالبية العائلات لا تعرف أعراضه فتلجأ إلى علاجات بمفردها"، مبيناً أن ثقافة المجتمع التي ترى في الذهاب إلى طبيب نفسي عيب سبب إضافي لتفشي الظاهرة.
يضيف العجيل: في حالة خالد، يظن الأهل أن الاكتئاب يجب أن يكون ظاهراً. لكن المراهقين عادة ما يخفون مشاكلهم أو أمراضهم، ويتطلب الأمر متابعة أدق، ما لم يحدث في أسرته". يضيف أن "الترهيب الذي يعيشه الطفل أو المراهق في المدرسة، والتفكك الأسري نتيجة التهجير والنزوح والفقر الفجائي، أي تغير مستوى الأسرة المعيشي والاقتصادي، ومشاهد القتل والحرب والرصاص والقنابل، تشعر الطفل بعدم الأمان والذعر، ولا تلبي عادة طموحات المراهق". ويؤكد أن المئات يعيشون ظروفاً نفسية سيئة قد تؤدي بهم إلى مشاكل نفسية. وقد أقدم البعض على ركوب قوارب الهجرة عبر البحر بحثاً عن حياة أفضل، مع أنه يعرف أنه يواجه الموت. أو يتجه نحو السرقة والسطو والخطف وغيرها".
وعلى الرغم من كل هذه الآراء التي يبدو أنها لم تتجاوز الاجتهادات، والموقف الحكومي لا سيما الوزارات المعنية، كالعدل والصحة والداخلية، يبقى السؤال قائماً حول أسباب الخطر المجهول الذي يستهدف شريحة بعينها دون غيرها، وهي الأطفال والمراهقون ما بين 12 و22 عاماً تحديداً. ويؤكد بوعرقوب أن غالبية المنتحرين ينتمون إلى هذه الفئات العمرية.