اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" اليوم الإثنين، أن القمع الذي مارسته قوات الأمن والشرطة في المغرب ضد الاحتجاجات السلمية للمتظاهرين على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في مدينة جرادة الفقيرة، المعروفة بمناجم الفحم، واستخدامها المفرط للقوة، وسوء معاملتها المزعومة للمحتجزين "غير مبرر"، وينطوي على قمع الحق بالاحتجاج السلمي.
وأوضحت المنظمة في تقرير نشرته اليوم أن قوات الأمن المغربية ردّت على احتجاجات مارس/آذار 2018 بالقمع طوال أسابيع، واستخدمت القوة المفرطة ضد المتظاهرين، ومنها دهس سيارة شرطة صبيا يبلغ من العمر 16 عاما، وإصابته بجروح بالغة. كما اعتقلت قادة الاحتجاج الذين وردت أنباء عن سوء معاملتهم خلال الاحتجاز.
ورأى التقرير أن الأنباء التي ساقتها السلطات بأن المتظاهرين في جرادة اعتُقلوا بعد أن تحولت احتجاجاتهم إلى أعمال عنف ورشق بالحجارة، وتسببوا في أضرار بالممتلكات السلطات، وأشعلوا حرائق أيضا، لا يبرر القمع واستخدام القوة العشوائية والمفرطة، أو الاعتقالات التي بدأت قبل ذلك التاريخ.
وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش"، سارة ليا ويتسن: "ذهب القمع في جرادة أبعد من محاولة تقديم المتظاهرين العنيفين المزعومين إلى العدالة. يبدو أن الأمر يتعلق بقمع الحق في الاحتجاج السلمي على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية".
وأوقِف باحثو "هيومن رايتس ووتش" الذين زاروا جرادة في 4 أبريل/نيسان الماضي واستُجوبوا عند نقطتي تفتيش أمنيتين، ثم تتبعتهم عن كثب سيارة تحمل 3 رجال بثياب مدنية، ما دفع شهودا كانوا ينوون استجوابهم إلى إلغاء اللقاءات المقررة، على ما يبدو. ولاحظ الباحثون وجودا مكثفا لقوات الأمن، ونُشرت قوات مسلحة للشرطة في كل شارع رئيس وساحة في المدينة الصغيرة، وأكثر من 100 سيارة شرطة في المناطق المجاورة. والتقى الباحثون ناشطين حقوقيين والمحامي عبد الحق بنقادي الذي ينوب عن العديد من المتظاهرين، في مدينة وجدة القريبة في 3 أبريل/نيسان.
وأشار التقرير إلى حادث وقع في 14 مارس/آذار الماضي، نقله شريط مصور انتشر عبر وسائل الإعلام الاجتماعي، ودخلت عربات الشرطة موقع احتجاج، ودهست إحداها صبيا اسمه عبد المولى زعيقر ويبلغ من العمر 16 عاما وأصابته إصابات خطيرة. وابتداء من ذلك اليوم، اقتحم رجال الشرطة منازل في جرادة دون تقديم مذكرات اعتقال، وضربوا عدة رجال عند إلقاء القبض عليهم، وحطموا الأبواب والنوافذ، حسب ما قال النشطاء وبنقادي لـ "هيومن رايتس ووتش".
وقالت المصادر نفسها إن الاعتقالات المبلغ عنها طاولت 23 حالة بين 12 و27 مايو/أيار الماضي. وحتى 31 مايو كان 69 متظاهرا، منهم 3 قاصرين، في السجن أو رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة. وقال بنقادى إن 4 محتجزين، بمن فيهم 2 من قادة الاحتجاجات، رهن الحبس الانفرادي منذ أكثر من شهرين.
وبدأت الاحتجاجات في جرادة، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 40 ألف نسمة، بعد وفاة عاملين اثنين في 22 ديسمبر/كانون الأول 2017، داخل حفرة في منجم فحم كانا يعملان فيها في ظروف سيئة وخطيرة. وأصدرت الحكومة في 13 مارس/آذار تحذيرا بأن لديها سلطة حظر "المظاهرات غير القانونية في الأماكن العامة".
في اليوم التالي تكونت مجموعات من المتظاهرين، معظمهم من عمال الفحم وأسرهم، في غابة بالقرب من حي فيلاج يوسف. وقال نشطاء حقوقيون محليون إن بعض المتظاهرين ألقوا الحجارة للمرة الأولى منذ بدء الاحتجاجات على قوات الأمن التي حاولت تفريقهم. ثم امتدت المواجهة إلى ساحة قريبة.
قالت "المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان" (المندوبية الوزارية) في رسالة إلكترونية إلى "هيومن رايتس ووتش"، في 30 مايو إن 6 سيارات شرطة أحرقت، وأصيب 280 من أفراد قوات الأمن. قال أعضاء في الفرع المحلي لـ "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان"، "لم يكن هناك أكثر من 100 متظاهر في الغابة، وربما تضاءل العدد مع تطور الوضع إلى مواجهة في الساحة، حسبما أضاف النشطاء".
قال جواد التلمساني، رئيس فرع وجدة: "يبدو لي أن عدد جرحى قوات الأمن البالغ 280 شخصا مبالغ فيه جدا. وخلال المحاكمات، التي راقبناها، أدلى نحو 20 منهم بشهاداتهم وقدموا شهادات طبية". وأضاف التلمساني أن العديد من المتظاهرين أصيبوا، لكن كثيرون منهم لم يسعوا لتلقي العلاج في مستشفى جرادة خوفا من الاعتقال.
بعد مواجهة 14 مارس/آذار، ألقت قوات الأمن القبض على 88 رجلا من بينهم 8 قاصرين. تمت محاكمتهم بتهم مختلفة، منها العنف ضد رجال الشرطة، وتدمير الممتلكات العامة، وحيازة أسلحة، والتجمع المسلح، وحرق مركبات. وحُكم على 10 منهم بالسجن من 6 إلى 12 شهرا لأربعة منهم، ومن 6 إلى 12 شهرا موقوفة التنفيذ لستة آخرين.
واعتقلت الشرطة 4 رجال، من بينهم قائدا الاحتجاج مصطفى داينين (28 عاما) وأمين المقلش (27 عاما) قبل مواجهة 14 مارس/آذار. وفي 10 أبريل/نيسان، حُكم على داينين بالسجن 10 أشهر بتهم متصلة بحادث مروري لا علاقة له بالاحتجاجات. وحُكم على الملقش والاثنين الآخرين، عبد العزيز بودشيش (24 عاما) وطارق العامري (34 عاما)، بالسجن 18 و12 و6 أشهر على التوالي، بتهم مختلفة منها التمرد وإخفاء هارب من العدالة. ومنذ اعتقالهم في مارس تم حبسهم في زنزاناتهم مدة 23 ساعة في اليوم، بحسب بنقادي. وتعرضت قوات الشرطة لهم بالركل على رؤوسهم وظهورهم وأعناقهم أثناء إلقاء القبض عليهم.
وفقا لقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، والمعروفة أيضا باسم "قواعد مانديلا"، فإن الحبس الانفرادي المطول، الذي يُعرّف بقضاء 22 ساعة في اليوم دون اتصال بشري حقيقي لأكثر من 15 يوماً متتاليا، يصل إلى حد المعاملة القاسية واللاإنسانية أو المهينة، وينبغي منعها.
(العربي الجديد)