موسم الصيف في تونس ليس للمصطافين فقط، بل لكثير من الفقراء والكادحين الذين يعملون على الشواطئ ويجنون بعض المداخيل، قبل أن يعودوا إلى بطالتهم
يجوبون الشواطئ ذهاباً وإياباً عشرات المرات في اليوم فتلفحهم أشعة الشمس طوال ساعات. هم ليسوا بمصطافين أو زائرين جذبتهم نسائم البحر للراحة والاستجمام، بل أصحاب مهن موسمية تظهر في شواطئ تونس خلال الصيف، وتؤمن الرزق لأصحابها.
مهن عديدة تنتعش موسمياً في المدن الساحلية التونسية، خصوصاً في فصل الصيف، إذ يجد العديد من العاطلين من العمل فيها، فرصة لتحصيل الرزق. تزدهر هذه المهن الشاطئية مع بداية الإجازة الصيفية، وتنتهي بانتهاء موسم الحرّ.
اقــرأ أيضاً
من تلك المهن بيع ألعاب الأطفال والمثلجات وبعض الأكلات الخفيفة والعصائر، أو تأجير بعض مستلزمات البحر من مظلات وكراسي. يكثر حضور أصحاب تلك المهن طوال اليوم، سواء كانوا من النساء أو من الرجال والأطفال. تعلو أصواتهم مرددة اسم البضاعة التي يحملها كلّ واحد منهم. أعينهم ترمق من هم تحت المظلات، أو من هم مستلقون على الرمال علّهم يتلقون إشارة من زبون يرغب في الشراء.
عند منتصف النهار، يجرّ عمر الشافعي (26 عاماً) عربته الصغيرة على الشاطئ، وينادي على بضاعته من الفشار والكاكي (رقائق من الخبز المملح الصغير). يقول لـ"العربي الجديد" إنّه يعمل كلّ صيف في الشواطئ، يبيع بعض الأكلات الخفيفة أو قوارير المياه الباردة وبعض العصائر للمصطافين. يضيف أنّ البطالة تدفعه إلى استغلال المواسم كالأعياد أو الحفلات والمهرجانات أو فصل الصيف لامتهان ما يؤمّن له المدخول.
بالكاد ترى وجه محمد علي شامخ (28 عاماً) وقد حجبته ألعاب الأطفال الصيفية والبالونات المخصصة للسباحة. يأمل أن تثير ألوان الألعاب التي يحملها فضول الأطفال. يعمل محمد طوال 12 ساعة يومياً، منذ توافد المصطافين إلى البحر في ساعات الصباح الأولى، ليبقى إلى ساعة رحيل آخر مصطاف مع حلول الليل. يشير إلى أنّه يربح فقط 15 دولاراً أميركياً يومياً من البيع. ثم ينتقل إلى العمل في الليل نادلاً في أحد المقاهي القريبة من الشواطئ. يضيف أنّ أبناءه يتفرقون بدورهم على الشواطئ الأخرى في حلق الواد والمرسى وقمرت وغيرها من شواطئ العاصمة لبيع بعض الألعاب وتأمين القليل من المال الذي يساعدهم في مجابهة مصاريف الدراسة. يشير إلى أنّ أبناءه غالباً ما يبيعون معظم بضائعهم نظراً لصغر سنّهم وتعاطف الناس معهم، على عكس ما يحصل معه.
صالح (49 عاماً) يتجوّل هو الآخر على الشاطئ حاملاً إبريقه الكبير على ظهره لبيع الشاي، وسلّة صغيرة يحمل فيها بعض الأكلات الخفيفة والخبز. يشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّه ليس من سكان المناطق الساحلية لكنّه يغادر كلّ موسم صيف إلى إحدى المدن الساحلية ليستأجر بيتاً صغيراً مع زوجته يتركه في أواخر شهر سبتمبر/ أيلول بعد نهاية فصل الصيف. هو يستغل الموسم للعمل في بعض الشواطئ مع زوجته التي تعدّ في البيت الخبز وبعض الأكلات الخفيفة التي يقبل عليها الناس صيفاً خصوصاً عند الشواطئ. يضيف: "توافد بعض السياح خصوصاً من الجزائر يضاعف عدد المصطافين في شواطئنا، وعادة ما يقبلون على شراء بعض الأكلات التونسية وهو ما يضاعف ربحنا. كذلك، فإنّ الشاي يعتبر من عادات التونسيين فلا يغيب عن موائدهم ما يجعلني أجني قرابة 30 دولاراً يوميا من بيع الشاي فقط".
التفاح الأحمر المغمّس بالكراميل يسمى في بعض الدول "تفاح الحب" لكنّه في تونس يحمل اسم "دبوس الغول". وهي من أكثر الحلويات التي يقبل عليها الأطفال. كانت تباع سابقاً في الأحياء يومياً، لكنّها اليوم توجد فقط في ساحات المهرجانات أو الشواطئ. يثبتها خالد على أعواد خشبية رقيقة، ويتجول بها يومياً في شواطئ حلق الواد ليبيع أكثر من خمسين تفاحة، بدولار واحد للواحدة. يقول إنّها فاكهة حلوة يقبل عليها الصغار وحتى الكبار. ولا يعود إلى بيته إلاّ وقد باع كلّ ما لديه.
بالرغم من أنّ الإقبال غالباً ما يكون كبيراً على بعض المأكولات، فإنّه يكون ضعيفاً على بعض ما يبيعه هؤلاء الباعة، إلاّ أنّهم يرابطون على الشواطئ لساعات طويلة تحت أشعة الشمس، ولا يتوانون أحياناً عن الإلحاح على بعض المصطافين للشراء.
شاطئ الكرم في العاصمة ليس إلاّ مثالاً لعشرات الشواطئ التي تشكل ملاذاً في هذه الفترة من كلّ سنة لآلاف العاطلين من العمل، ممن يحاولون استثمار موسم الصيف. يعمد أغلب هؤلاء الشباب إلى تأجير المظلات الشمسية للمصطافين واستئجار بعض الكراسي والطاولات لهم مقابل 15 دولاراً. بعضهم يعمل بعد الحصول على ترخيص من البلدية لاستغلال جزء من ذلك الشاطئ، وبعضهم الآخر يستغل مساحات منه من دون الحصول على ترخيص مسبق مثل الشاب سيف الدين الذي يختار بعض الشواطئ البعيدة لممارسة هذه المهنة بعيدا عن أنظار الرقابة، إذ يؤجّر بعض مستلزمات المصطافين للعائلات.
يعمل بعض الشباب في مهن أخرى توفر بعض الترفيه للمصطافين، على غرار أصحاب الخيول الذين يتجوّلون بأحصنتهم على الشواطئ، وينظمون جولات لبعض من يهوى ركوب الخيل، مقابل دولار واحد للجولة. غالباً ما يطارد هؤلاء من قبل الشرطة لما قد يشكله ذلك من إزعاج أو خطر على المصطافين. ويختار بعضهم الآخر القيام بجولات على بعض القوارب الصغيرة في البحر مقابل دولار واحد للشخص الواحد. جولات يقبل عليها العديد من النسوة والأطفال خصوصاً.
حراس الشواطئ أو المنقذون هم الآخرون يجدون في موسم الصيف فرصة للعمل في أغلب الشواطئ التونسية. يوجد أغلبهم طوال النهار لأكثر من عشر ساعات للمراقبة وتأمين حياة المصطافين. منير (28 عاماً) يعمل منقذاً منذ ثلاث سنوات. يقول إنّ "أغلب الناس يظنون أنّ مهنتنا سهلة لأنّنا نكون أغلب الوقت جالسين في الشواطئ للمراقبة. لكنّنا نواجه بعض المتاعب خصوصاً أنّنا نضطر للنزول إلى البحر أكثر من مرة لتحذير بعض المصطافين من التقدم أكثر نحو أعماق البحر، كما نواجه صعوبات خلال تعكر الأحوال الجوية، لا سيما أنّ بعض المصطافين خصوصاً الشباب لا يمتثلون لتنبيهاتنا. وأحياناً نعرّض حياتنا للخطر مقابل إنقاذ بعض الأطفال أو النسوة".
اقــرأ أيضاً
مثلجات
على عربة خشبية، يضع بائع المثلجات، الثلاثيني فاروق غربي، صناديق زجاجية داخلها أنواع من الأيسكريم بمذاقات مختلفة. يتجول بعربته على شواطئ المرسى وقمرت مشياً لأكثر من 3 كيلومترات يومياً، حتى يتسنى له بيع أكبر كمية خصوصاً أنّ أغلب الناس يقبلون على شراء المثلجات صيفاً. يشير فاروق إلى أنّه يوقف العربة عن العمل مع نهاية الموسم الصيفي، ليبحث عن عمل ورزق جديد بقية أشهر السنة.
يجوبون الشواطئ ذهاباً وإياباً عشرات المرات في اليوم فتلفحهم أشعة الشمس طوال ساعات. هم ليسوا بمصطافين أو زائرين جذبتهم نسائم البحر للراحة والاستجمام، بل أصحاب مهن موسمية تظهر في شواطئ تونس خلال الصيف، وتؤمن الرزق لأصحابها.
مهن عديدة تنتعش موسمياً في المدن الساحلية التونسية، خصوصاً في فصل الصيف، إذ يجد العديد من العاطلين من العمل فيها، فرصة لتحصيل الرزق. تزدهر هذه المهن الشاطئية مع بداية الإجازة الصيفية، وتنتهي بانتهاء موسم الحرّ.
من تلك المهن بيع ألعاب الأطفال والمثلجات وبعض الأكلات الخفيفة والعصائر، أو تأجير بعض مستلزمات البحر من مظلات وكراسي. يكثر حضور أصحاب تلك المهن طوال اليوم، سواء كانوا من النساء أو من الرجال والأطفال. تعلو أصواتهم مرددة اسم البضاعة التي يحملها كلّ واحد منهم. أعينهم ترمق من هم تحت المظلات، أو من هم مستلقون على الرمال علّهم يتلقون إشارة من زبون يرغب في الشراء.
عند منتصف النهار، يجرّ عمر الشافعي (26 عاماً) عربته الصغيرة على الشاطئ، وينادي على بضاعته من الفشار والكاكي (رقائق من الخبز المملح الصغير). يقول لـ"العربي الجديد" إنّه يعمل كلّ صيف في الشواطئ، يبيع بعض الأكلات الخفيفة أو قوارير المياه الباردة وبعض العصائر للمصطافين. يضيف أنّ البطالة تدفعه إلى استغلال المواسم كالأعياد أو الحفلات والمهرجانات أو فصل الصيف لامتهان ما يؤمّن له المدخول.
بالكاد ترى وجه محمد علي شامخ (28 عاماً) وقد حجبته ألعاب الأطفال الصيفية والبالونات المخصصة للسباحة. يأمل أن تثير ألوان الألعاب التي يحملها فضول الأطفال. يعمل محمد طوال 12 ساعة يومياً، منذ توافد المصطافين إلى البحر في ساعات الصباح الأولى، ليبقى إلى ساعة رحيل آخر مصطاف مع حلول الليل. يشير إلى أنّه يربح فقط 15 دولاراً أميركياً يومياً من البيع. ثم ينتقل إلى العمل في الليل نادلاً في أحد المقاهي القريبة من الشواطئ. يضيف أنّ أبناءه يتفرقون بدورهم على الشواطئ الأخرى في حلق الواد والمرسى وقمرت وغيرها من شواطئ العاصمة لبيع بعض الألعاب وتأمين القليل من المال الذي يساعدهم في مجابهة مصاريف الدراسة. يشير إلى أنّ أبناءه غالباً ما يبيعون معظم بضائعهم نظراً لصغر سنّهم وتعاطف الناس معهم، على عكس ما يحصل معه.
صالح (49 عاماً) يتجوّل هو الآخر على الشاطئ حاملاً إبريقه الكبير على ظهره لبيع الشاي، وسلّة صغيرة يحمل فيها بعض الأكلات الخفيفة والخبز. يشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّه ليس من سكان المناطق الساحلية لكنّه يغادر كلّ موسم صيف إلى إحدى المدن الساحلية ليستأجر بيتاً صغيراً مع زوجته يتركه في أواخر شهر سبتمبر/ أيلول بعد نهاية فصل الصيف. هو يستغل الموسم للعمل في بعض الشواطئ مع زوجته التي تعدّ في البيت الخبز وبعض الأكلات الخفيفة التي يقبل عليها الناس صيفاً خصوصاً عند الشواطئ. يضيف: "توافد بعض السياح خصوصاً من الجزائر يضاعف عدد المصطافين في شواطئنا، وعادة ما يقبلون على شراء بعض الأكلات التونسية وهو ما يضاعف ربحنا. كذلك، فإنّ الشاي يعتبر من عادات التونسيين فلا يغيب عن موائدهم ما يجعلني أجني قرابة 30 دولاراً يوميا من بيع الشاي فقط".
التفاح الأحمر المغمّس بالكراميل يسمى في بعض الدول "تفاح الحب" لكنّه في تونس يحمل اسم "دبوس الغول". وهي من أكثر الحلويات التي يقبل عليها الأطفال. كانت تباع سابقاً في الأحياء يومياً، لكنّها اليوم توجد فقط في ساحات المهرجانات أو الشواطئ. يثبتها خالد على أعواد خشبية رقيقة، ويتجول بها يومياً في شواطئ حلق الواد ليبيع أكثر من خمسين تفاحة، بدولار واحد للواحدة. يقول إنّها فاكهة حلوة يقبل عليها الصغار وحتى الكبار. ولا يعود إلى بيته إلاّ وقد باع كلّ ما لديه.
بالرغم من أنّ الإقبال غالباً ما يكون كبيراً على بعض المأكولات، فإنّه يكون ضعيفاً على بعض ما يبيعه هؤلاء الباعة، إلاّ أنّهم يرابطون على الشواطئ لساعات طويلة تحت أشعة الشمس، ولا يتوانون أحياناً عن الإلحاح على بعض المصطافين للشراء.
شاطئ الكرم في العاصمة ليس إلاّ مثالاً لعشرات الشواطئ التي تشكل ملاذاً في هذه الفترة من كلّ سنة لآلاف العاطلين من العمل، ممن يحاولون استثمار موسم الصيف. يعمد أغلب هؤلاء الشباب إلى تأجير المظلات الشمسية للمصطافين واستئجار بعض الكراسي والطاولات لهم مقابل 15 دولاراً. بعضهم يعمل بعد الحصول على ترخيص من البلدية لاستغلال جزء من ذلك الشاطئ، وبعضهم الآخر يستغل مساحات منه من دون الحصول على ترخيص مسبق مثل الشاب سيف الدين الذي يختار بعض الشواطئ البعيدة لممارسة هذه المهنة بعيدا عن أنظار الرقابة، إذ يؤجّر بعض مستلزمات المصطافين للعائلات.
يعمل بعض الشباب في مهن أخرى توفر بعض الترفيه للمصطافين، على غرار أصحاب الخيول الذين يتجوّلون بأحصنتهم على الشواطئ، وينظمون جولات لبعض من يهوى ركوب الخيل، مقابل دولار واحد للجولة. غالباً ما يطارد هؤلاء من قبل الشرطة لما قد يشكله ذلك من إزعاج أو خطر على المصطافين. ويختار بعضهم الآخر القيام بجولات على بعض القوارب الصغيرة في البحر مقابل دولار واحد للشخص الواحد. جولات يقبل عليها العديد من النسوة والأطفال خصوصاً.
حراس الشواطئ أو المنقذون هم الآخرون يجدون في موسم الصيف فرصة للعمل في أغلب الشواطئ التونسية. يوجد أغلبهم طوال النهار لأكثر من عشر ساعات للمراقبة وتأمين حياة المصطافين. منير (28 عاماً) يعمل منقذاً منذ ثلاث سنوات. يقول إنّ "أغلب الناس يظنون أنّ مهنتنا سهلة لأنّنا نكون أغلب الوقت جالسين في الشواطئ للمراقبة. لكنّنا نواجه بعض المتاعب خصوصاً أنّنا نضطر للنزول إلى البحر أكثر من مرة لتحذير بعض المصطافين من التقدم أكثر نحو أعماق البحر، كما نواجه صعوبات خلال تعكر الأحوال الجوية، لا سيما أنّ بعض المصطافين خصوصاً الشباب لا يمتثلون لتنبيهاتنا. وأحياناً نعرّض حياتنا للخطر مقابل إنقاذ بعض الأطفال أو النسوة".
مثلجات
على عربة خشبية، يضع بائع المثلجات، الثلاثيني فاروق غربي، صناديق زجاجية داخلها أنواع من الأيسكريم بمذاقات مختلفة. يتجول بعربته على شواطئ المرسى وقمرت مشياً لأكثر من 3 كيلومترات يومياً، حتى يتسنى له بيع أكبر كمية خصوصاً أنّ أغلب الناس يقبلون على شراء المثلجات صيفاً. يشير فاروق إلى أنّه يوقف العربة عن العمل مع نهاية الموسم الصيفي، ليبحث عن عمل ورزق جديد بقية أشهر السنة.