وسط منطقة الجمالية في قلب محافظة القاهرة، يقع حيّ الغورية الشهير، والذي يعد بين أعرق أحياء القاهرة القديمة التي يطلق عليها شعبيا "مصر عتيقة"، والذي يعود تاريخ تأسيسه إلى أكثر من 500 عام.
يحرص المصريون على زيارة حيّ الغورية بين الحين والآخر حين يفيض بهم الحنين إلى العصر الفاطمي، فيمتعهم سحر المكان التراثي القائم على فخامة ودقة طرازه المعماري المتميز بكثرة الشرفات المزينة بفن "الأرابيسك"، فضلا عن ضمه مجموعة كبيرة من الآثار الإسلامية التي تعود إلى العصور الفاطمية والأيوبية والمملوكية.
وتنسب تسمية الحيّ إلى السلطان قنصوة الغوري، والذي أنشأه بجوار الجامع الأزهر، مقابل مسجد الإمام الحسين، ليكون امتداداً شعبياً لقصره الذي يعتبر من أهم التحف المعمارية في العصر المملوكي. كما أن الحيّ يعد امتداداً لشارع المعز لدين الله الفاطمي، وتؤكد مجموعة الغوري المعمارية عند مدخل الحيّ غرام السلطان بفن العمارة، وهي تتكون من المسجد والقبة والكتاّب والمدرسة، وكلها تأخذ شكلا معماريا واحدا.
ويعتبر حيّ الغورية من الأحياء القاهرية القليلة التي استطاعت المحافظة على تراثها الفريد وهويتها المميزة، كما يضم العديد من الحارات الشهيرة، من بينها حارة العقادين، وحارة التربيعة، وحارة الفحامين، والتي تعرض فيها العطور والمنسوجات والأعشاب والأنتيكات، إضافة إلى باب الفتوح، وجامع الأقمر، وتكية السلحدار، والمدرسة الكاملية.
وتوجد في الحيّ مجموعة من الوكالات التجارية التاريخية، وأشهرها وكالة الغوري، وهي إحدى أهم المنشآت المعمارية التي شيدها السلطان الغوري، وصممت على شكل صحن كبير تحيط به مجموعة من المحال المتراصة على أربعة طوابق. وكانت الوكالة مخصصة لاستقبال التجار، ويلتحق بها مكان مخصص للدواب، ومخازن للمحاصيل الزراعية والفاكهة، وأماكن لمبيت الوافدين.
وعند الناحية الأخرى من المسجد الأقمر في حيّ الغورية هناك وكالة السكرية، التي كانت مخصصة لتجارة السكر. كما يوجد في وسط الشارع سبيل محمد علي، وهو مبني على الطراز العثماني، ويحوي دكاكين كانت معروفة بصناعة الملابس السلطانية في العصرين المملوكي والعثماني، إضافة إلى محال للملابس والإكسسوار النسائي ذات خامات شعبية وأسعار رخيصة.
يشتهر حيّ الغورية بتجارة الأقمشة، خصوصاً في سوق الحمزاوي، حيث تباع أقمشة الصوف والقطن بأنواعها وتصميماتها المختلفة، إضافة إلى أشهر أنواع أقمشة الحرير مثل "الأطلس".
وكان لحيّ الغورية موقعه في الأعمال الفنية، وغنى المطرب المصري الراحل محمد قنديل عنه أغنية شهيرة تقول كلماتها: "يا رايحين الغورية، هاتوا لحبيبي هدية، هاتوا له توب من القصب، يليق على رسمه، والطرحة ويّا الشال، وسلسلة وخلخال".
ويتميز مواطنو "الغورية" بمعرفتهم بالتاريخ المصري، وفقا للممثل المسرحي رامي الحجار، الذي يوضح لـ"العربي الجديد"، أن تأسيس الحيّ يعود إلى عام 1517 ميلادي. ويشير إلى أن بين أشهر الأماكن التاريخية بالحيّ "باب زويلة"، والذي شهد تعليق مشنقة طومان باي (آخر سلاطين المماليك الشراكسة في مصر) على يد السلطان العثماني سليم الأول، بعد دخول العثمانيين إلى القاهرة.
وأنشأ الباب الضخم الوزير بدر الجمالي، وزير الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، في القرن الخامس الهجري. وسماه زويلة نسبة إلى قبيلة زويل، إحدى قبائل البربر التي جاءت مع جيش جوهر الصقلي، قائد جيش الفاطميين إلى مصر.
وعلى يمين باب زويلة تقبع "بوابة المتولي"، وهي مكان كان مخصصا لجمع الضرائب، كما يوجد "سبيل نفيسة البيضاء"، وسبيل محمد علي المبني على الطراز العثماني. وكانت بوابة المتولي تضم أيضاً دكاكين لصناعة الملابس السلطانية في العصرين المملوكي والعثماني.