كنت في نقاش مع أحد الأصدقاء حول الإجهاض وأثر الدومينو على وضع هذه القضية على أجندات الحركات النسوية من حول العالم. وفي سياق النقاش رحنا نبحث عن القاسم المشترك بين دول من آسيا وأفريقيا وأوروبا التي تجعل موقف الحكومات واحداً هو "منع الإجهاض"، على الرغم من الاختلاف الثقافي والاجتماعي لهذه الدول. فكان جوابي عفوياً، أنّها الذكورية المقيتة التي تريد تقييد أجساد النساء... وهنا بدأ النقاش.
لفتني الجواب الذي تفوهت به وهو "الذكورية المقيتة" كسبب لكلّ معاناة النساء في ملفات مختلفة كالإجهاض والجنسية والعنف الأسري والتزويج القسري وغيرها في العالم. هكذا بُرمجنا أصلاً في المجتمع المدني: البحث عن جذر المشكلة، ووضع خطة عمل لمعالجتها.
وبقينا نكتب الخطابات والبيانات التي تضع الذكورية على رأس الأسباب التي تحول دون تطوير أوضاع النساء. لكن، إذا أردنا أن نضع أيدينا على مكامن "الذكورية" أو أن نخاطب جهة ما للتطرق إليها، لن نستطيع. باتت "الذكورية" تبدو أشبه بشيء هيولي لا صورة أو شكل له.
لكنّها موجودة وتسيطر بشكل كامل على كلّ المجتمع ومؤسساته. لم نوفّق كثيراً في توصيف المشكلة بشكل منهجي ودقيق عبر تحديد أوجه الذكورية التي تتجلى بأشخاص أو مواقف أو تصرفات أو مؤسسات أو سياسات. بقيت الخطابات عامة والبيانات "ودية" ترمي المشكلة على المطلق. كذلك، لا يمكن جمع معاناة النساء في مختلف البلدان والثقافات والأزمان ووضعها تحت مسمى واحد.
اقــرأ أيضاً
لعلّ رمي كلمة "الذكورية" جزافاً من دون تحديد أيّ مؤسسات هي الذكورية وتحميلها مسؤولية تغيير أوضاع النساء، لن نستطيع معه أن نتقدّم فعلاً في نضالنا من أجل تحقيق المساواة. استخدام المصطلح بشكل عام سهّل للمسؤولين السياسيين استخدامه ورمي جميع آفات المجتمع ونتائج أعمالهم أو عدمها فيها. تشعر كأنّ المصطلح "ثقب أسود" يبلع كلّ الآفات والأشخاص. بات مصطلح "الذكورية" مثل شعار "الفساد" في لبنان. الجميع يذمه، ولا أب أو أم له.
لعلّ الدليل الأكبر على أنّ الذكورية هي "كبش فداء" بقية الأسباب الجذرية للمشاكل الاجتماعية والجندرية، نجد أنّ السياسيين اللبنانيين باتوا يستخدمون المصطلح أيضاً لتحديد مكامن المشكلة (مثلنا نحن النسويات يعني). فنجد أنّ الرئيس ميشال عون مثلاً في يوم النساء العالمي شجّع النساء على أخذ المبادرة وفرض حضورهن وعدم السماح للمجتمع الذكوري بأن يؤثر على تفكيرهن. نسأل أنفسنا هنا، من هو المجتمع الذكوري الذي يريد الرئيس للنساء ألّا يسمحن له أن يؤثر على تفكيرهن؟
إخراج مفهوم الذكورية من المطلق ووضعه في الحيز المادي يجعلنا أقرب ربما إلى تحقيق بعض المكتسبات، لأنّ الجذر الحقيقي للمشكلة يكون قد تحدد.
(ناشطة نسوية)
لفتني الجواب الذي تفوهت به وهو "الذكورية المقيتة" كسبب لكلّ معاناة النساء في ملفات مختلفة كالإجهاض والجنسية والعنف الأسري والتزويج القسري وغيرها في العالم. هكذا بُرمجنا أصلاً في المجتمع المدني: البحث عن جذر المشكلة، ووضع خطة عمل لمعالجتها.
وبقينا نكتب الخطابات والبيانات التي تضع الذكورية على رأس الأسباب التي تحول دون تطوير أوضاع النساء. لكن، إذا أردنا أن نضع أيدينا على مكامن "الذكورية" أو أن نخاطب جهة ما للتطرق إليها، لن نستطيع. باتت "الذكورية" تبدو أشبه بشيء هيولي لا صورة أو شكل له.
لكنّها موجودة وتسيطر بشكل كامل على كلّ المجتمع ومؤسساته. لم نوفّق كثيراً في توصيف المشكلة بشكل منهجي ودقيق عبر تحديد أوجه الذكورية التي تتجلى بأشخاص أو مواقف أو تصرفات أو مؤسسات أو سياسات. بقيت الخطابات عامة والبيانات "ودية" ترمي المشكلة على المطلق. كذلك، لا يمكن جمع معاناة النساء في مختلف البلدان والثقافات والأزمان ووضعها تحت مسمى واحد.
لعلّ رمي كلمة "الذكورية" جزافاً من دون تحديد أيّ مؤسسات هي الذكورية وتحميلها مسؤولية تغيير أوضاع النساء، لن نستطيع معه أن نتقدّم فعلاً في نضالنا من أجل تحقيق المساواة. استخدام المصطلح بشكل عام سهّل للمسؤولين السياسيين استخدامه ورمي جميع آفات المجتمع ونتائج أعمالهم أو عدمها فيها. تشعر كأنّ المصطلح "ثقب أسود" يبلع كلّ الآفات والأشخاص. بات مصطلح "الذكورية" مثل شعار "الفساد" في لبنان. الجميع يذمه، ولا أب أو أم له.
لعلّ الدليل الأكبر على أنّ الذكورية هي "كبش فداء" بقية الأسباب الجذرية للمشاكل الاجتماعية والجندرية، نجد أنّ السياسيين اللبنانيين باتوا يستخدمون المصطلح أيضاً لتحديد مكامن المشكلة (مثلنا نحن النسويات يعني). فنجد أنّ الرئيس ميشال عون مثلاً في يوم النساء العالمي شجّع النساء على أخذ المبادرة وفرض حضورهن وعدم السماح للمجتمع الذكوري بأن يؤثر على تفكيرهن. نسأل أنفسنا هنا، من هو المجتمع الذكوري الذي يريد الرئيس للنساء ألّا يسمحن له أن يؤثر على تفكيرهن؟
إخراج مفهوم الذكورية من المطلق ووضعه في الحيز المادي يجعلنا أقرب ربما إلى تحقيق بعض المكتسبات، لأنّ الجذر الحقيقي للمشكلة يكون قد تحدد.
(ناشطة نسوية)