اضطرت السلطات الإيطالية، اليوم الأحد، إلى قبول إنزال كامل ركاب سفينة خفر السواحل الإيطالية "ديتشوتي"، التي حملت على متنها نحو 150 مهاجرا، أغلبهم من إريتريا والصومال، بعد أن بقيت السفينة خمسة أيام في ميناء كاتانيا الصقلي، لكن لا يبدو أن الأمور ستتخذ منحى أقل تشددا في علاقة اليمين المتطرف الإيطالي داخليا وخارجيا.
وقال وزير الداخلية، ماتيو سالفيني، إن ألبانيا عرضت قبول 20 من المهاجرين، وإيرلندا ستقبل من 20 إلى 25 مهاجراً منهم، في حين تستضيف الكنيسة الكاثوليكية في إيطاليا الباقين "بدون أي تكلفة" على دافعي الضرائب الإيطاليين.
وتعاطى الوزير سالفيني بحدة أكبر من السابق مع رئيس البلاد، سرجيو ماتاريلا، والاتحاد الأوروبي، خلال أزمة "ديتشوتي"، خشية الرضوخ وقبول هؤلاء اللاجئين لـ"دواع إنسانية"، مثلما حصل الشهر الماضي مع 70 مهاجراً دخلوا البلاد بتوجيه من ماتاريلا.
وبدت تجليات الأزمة الأخيرة أكثر عمقاً حين فتح المدعي العام في صقلية، أمس السبت، تحقيقاً قضائياً بحق سالفيني، على اعتبار أن سلوكه غير مشروع حيال اللاجئين العالقين على متن سفينة الإنقاذ الإيطالية. في حين غرّد الوزير، عبر موقعه الرسمي على "تويتر"، أنه "من العار" فتح تحقيق بحقه.
— francesco strazzari (@franxstrax) August 24, 2018 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
— francesco strazzari (@franxstrax) August 24, 2018
|
لكن سالفيني وجد نفسه مجبراً، أمس، على قبول إنزال 16 شخصا قيّم الأطباء حالتهم الصحية بأنها تحتاج إلى عناية طبية، لكنه أصر على موقفه الرافض بإنزال الـ134 لاجئا الباقين، ما أظهر عمق الأزمة في المجتمع الإيطالي الذي بدا أنه على حافة انقسام وفرز عميقين، بين موقف صقلية المتسامح أكثر مع قوارب الهجرة وروما الماضية نحو التطرف.
وأتى رضوخ سالفيني بعد أن فتح القضاء تحقيقا بحقه، بتهمة "احتجاز أشخاص وتوقيفات غير قانونية واستغلال السلطة"، في قضية المهاجرين العالقين على متن "ديتشوتي"، بحسب ما أوردت وسائل الإعلام الإيطالية، مساء السبت. كما استهدف التحقيق الذي فتحته نيابة أغريغنتي في صقلية، مدير مكتب سالفيني، على أن تتولاه نيابة باليرمو، كبرى مدن هذه الجزيرة في جنوب إيطاليا، وفق المصدر نفسه. وفي وقت سابق السبت، استجوبت النيابة في صقلية عددا من كبار المسؤولين في وزارة الداخلية لتحديد المسؤولين عن إصدار الأوامر بمنع المهاجرين من مغادرة السفينة، بحسب ما ذكرت تقارير إعلامية.
— Alarm Phone (@alarm_phone) August 26, 2018 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
التشدد الإيطالي مستمر
ووصل التشدد في موقف الوزير سالفيني هذه المرة إلى حدّ التهديد بالاستقالة إذا سُمح لهؤلاء المهاجرين بالنزول في الميناء الإيطالي بدون اتفاق مع الاتحاد الأوروبي على توزيعهم. وأصرّ هذا الوزير المثير للجدل في مواقفه داخليا وأوروبيا، على أن "كل من على متن هذه السفينة مهاجرون غير شرعيين، وإيطاليا لن تقبل التحول إلى معسكر لجوء أوروبي، ولا أحد من هؤلاء سيسمح له بالنزول من دون موافقتي"، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الإيطالية "إنسا".
ووافق سالفيني في موقفه المتشدد، زعيم حزب "النجوم الخمسة"، المشارك في حكومة الائتلاف القومي المتشدد، لويجي دي مايو، الذي هدّد بدوره بأن "الحزب (النجوم الخمسة) سيصوت لإلغاء مساهمة البلاد المالية في الاتحاد الأوروبي العام القادم، إذا لم تحصل إيطاليا على ضمانات (بخصوص أعباء الهجرة)".
وخشية سالفيني من موقف رئيس البلاد، الأكثر انفتاحاً تجاه استقبال العالقين على سفن الإنقاذ "لدواع إنسانية"، وإيجاد حلول مع الاتحاد الأوروبي بعد ذلك، تمثلت في كلامه الذي وجهه الأربعاء الماضي للرئيس مارتيلا قائلاً: "إما أن تجد حلاً آخر للبلد أو تجد وزيرا آخر"، وهو التلميح الأكثر صراحة الذي يعبر عن تأزم العلاقة الداخلية في إيطاليا، والتي تنذر بعودة البلاد إلى مربع عدم الاستقرار السياسي منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ويعوّل سالفيني، زعيم "الليغا"، على إمكانية تنفيذ تهديده بإرجاع المهاجرين نحو ليبيا في حال عدم التوصل إلى اتفاق أوروبي حيالهم. ويُعدّ ملف الهجرة حساساً في إيطاليا التي وصل إليها منذ 2013 مئات آلاف الأشخاص هرباً من الحروب والاضطهاد والفقر في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. وتنص قوانين الاتحاد الأوروبي على أن يطلب المهاجرون اللجوء في دولة الوصول، لكن الحكومة الإيطالية الجديدة تستمر في منع السفن من الرسو في مرافئها.
— Sea-Watch (@seawatchcrew) August 25, 2018
" style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
— Sea-Watch (@seawatchcrew) August 25, 2018
|
أسباب ضاغطة
وسبق قرار إنزال المهاجرين من السفينة، أوامر أصدرها أطباء أمس بنزول 16 مهاجراً مريضاً من على متن سفينة الإنقاذ، في وقت أعلن فيه وزير الداخلية سالفيني أنه يعمل على إيجاد "حل إيجابي" للباقين وعددهم 134 شخصا.
وخضع المهاجرون لفحوص طبية أجراها أطباء تابعون لوزارة الصحة الإيطالية والصليب الأحمر، بعد أن رفض بعضهم تناول الطعام احتجاجا على احتجازهم على السفينة لأيام رغم الشمس اللافحة. وبعد الفحص، أمر الأطباء بنزول 11 امرأة وخمسة رجال من السفينة لنقلهم إلى أحد المستشفيات. وقال ستيفاني برنشيباتو، ممثل الصليب الأحمر "إن الحالة الصحية لمعظم المهاجرين ليست حرجة"، مضيفا أن المشكلات "نفسية بدرجة أكبر من كونها عضوية".
— Enough is Enough! (@enough14) August 25, 2018 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
ودعت الأمم المتحدة، أمس السبت، كل الأطراف لترجيح العقل بعد يوم من فشل اجتماع في بروكسل لمبعوثي عشر دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي في إيجاد حل للأزمة.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في بيان "الخائفون الذين ربما يكونون في حاجة لحماية دولية ينبغي ألا يقعوا في دوامة السياسات". ودعت المفوضية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى توفير أماكن لإعادة توطين من جرى إنقاذهم، وذلك "على وجه السرعة"، بما يتماشى مع اتفاق جرى التوصل إليه خلال قمة للاتحاد الأوروبي، في يونيو/حزيران الماضي، وحثت في الوقت ذاته إيطاليا على السماح "بنزول من هم على متن السفينة فورا".
— InfoMigrants (@InfoMigrants) August 23, 2018
" style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
— InfoMigrants (@InfoMigrants) August 23, 2018
|
أزمة الهجرة أوروبية
وتتواصل أزمة الهجرة أوروبياً، وتبدو أكثر وضوحا في تأثيرها على سياسة الهجرة التي تتبعها حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خصوصاً مع غياب التنفيذ الواضح للاتفاق "الطوعي" لتقاسم المهاجرين. فإلى جانب إيطاليا، تتنامى المخاوف من تحوّل إسبانيا أيضا إلى معبر بحري جديد نحو أوروبا، وتمثل ذلك في إصرار رئيس الحكومة اليساري، بيدرو سانشيز، على تقاسم الأوروبيين لنحو 170 مهاجرا، قبل رسو سفينة إنقاذ في مالطا، الشهر الماضي، وإن كانت مدريد استقبلت الجزء الأكبر منهم.
وفي السياق، ذهب المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، ألكسندر فينترستاين، الخميس الماضي، إلى القول إن المفوضية ترغب في حل سريع يمكّن هؤلاء من النزول من السفينة، "فنحن على استعداد لأن نكون أكثر فعالية لإيجاد حلول أوروبية مستدامة وطويلة الأجل".
وهرع دبلوماسيون أوروبيون من 12 دولة نحو اجتماع طارئ، يوم الجمعة الماضي، سعيا لمناقشة الأزمة، وفقا لم ذكرت صحيفة "بوليتيكو". كذلك نقل موقع "إي يو أوبزرفر" عن المتحدث باسم المفوضية أن "الاجتماع سيكون مخصصا للمناقشة وليس لاتخاذ قرارات"، ما يعني أن المسألة تتطلب مستويات أعلى لاتخاذ قرار ينقذ الأوروبيين مرة أخرى من ورطة قرارات التشدد التي تنتشر في صفوف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
نتائج الاجتماع الطارئ أنذرت بأزمة جديدة بعد "التلاسن" بين تيار اليمين القومي المتشدد في إيطاليا وساسة بروكسل، خصوصا مع رفض الأخيرة ما أطلق عليه "سياسة التهديد" بعدم دفع التزامات مالية بقيمة نحو 20 مليار يورو سنويا للاتحاد الأوروبي، إن لم يقبل الاتحاد استقبال 150 مهاجرا عالقين على ظهر السفينة الإيطالية. وبعد الاجتماع، صرح المتحدث باسم المفوضية، ألكسندر فينترستاين، للرد نيابة عن المجتمعين على تهديدات لويجي بالقول: "دعونا لا ننتهج سياسة إشارة الأصبع تجاه بعضنا (الاتهامات) ولا نعتقد أن التهديدات والتعليقات غير البناءة تساعدنا على لاقتراب من الحل، فالاتحاد الأوروبي يقوم على قواعد وأسس وليس على تهديدات".
— ¡ojalá! (@ojal35276393) August 23, 2018 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
والجدير ذكره، أن سفينة خفر السواحل "ديتشوتي" أنقذت منذ قرابة الأسبوعين نحو 190 شخصاً من على متن قارب مكتظ في البحر المتوسط. وقدر أن 13 منهم يحتاجون رعاية صحية فورية، فاتجهت بهم إلى لامبيدوزا الإيطالية، فيما كان 27 طفلا بلا معيل من القاصرين، أنزلوا من على متنها، ثم رست بالبقية في ميناء كاتانيا.
ووصل الاتحاد الأوروبي، حتى 19 أغسطس/آب هذا العام 2018، عبر المتوسط، نحو 65 ألف مهاجر، وفقا لأرقام رسمية صادرة عن منظمة الهجرة العالمية. 27 ألفا إلى إسبانيا، و19 ألفا إلى إيطاليا، و18 ألفا إلى اليونان، والبقية بين قبرص ومالطا.