يتعرّض مخزون المياه الجوفيّة لمدينة إب اليمنية (وسط) إلى الخطر من جراء البناء العشوائي، وقيام أحد المستثمرين بإنشاء محطة لبيع المشتقات النفطية في أرض تقع على الحوض المائي للمدينة، وسط تحذيرات أطلقتها المؤسسة العامة للمياه من انخفاض منسوب المياه في الآبار.
ويقول المواطن محمد الحميري، أحد سكان مدينة إب، إن "أزمة مياه الشرب تتفاقم بشكل كبير في المدينة ذات الطبيعة الخلابة والأمطار الغزيرة. وقد انقطعت المياه بشكل تام عن العديد من المناطق في المحافظة في ظل غياب دور السلطات الحكومية في حماية موارد مياه اليمن، وتوفير احتياجات المواطنين". ويؤكد لـ "العربي الجديد" إن يمنيين كثيرين من سكان مدينة إب يعتقدون أن الاستنزاف الكبير للمياه الجوفية من قبل المتنفذين في المحافظة يعد سبباً لعدم توفر المياه في بعض المناطق. ويصفهم بـ "نافذين مدعومين من السلطات المحلية، يحفرون الآبار المائية بشكل عشوائي، ما أدى إلى استنزاف المياه، وإقامة محطّات نفطية، ووضع مياه الصرف الصحي على مقربة من الحوض المائي الخاص بالمدينة، ما يشكل كارثة إنسانية".
وبحسب شهادات محلية مختلفة، فإنّ نافذين في المدينة أشاعوا البناء العشوائي في قلب الحوض المائي الخاص بمدينة إب ومنطقة جبلة، من دون اكتراث لما قد يلحق بالمياه الجوفية من ضرر بالغ، من خلال التأثير على التغذية التي يحتاج إليها الحوض المائي بشكل مستمر. وسمحت السلطات المحلية لأحد رجال الأعمال بإنشاء محطة وسط الحوض المائي، ما سيحول دون التغذية المائية للحوض، ويساهم في خفض منسوب المياه في الآبار الخاصة بمياه الشرب لسكان مدينة إب وجبلة، بحسب الناشط عادل عمر. ويشير الأخير إلى أن المؤسسة المحلية للمياه تقدمت بمذكرات للسلطة المحلية ومكتب الأشغال العامة وشركة النفط تبلغ عن عملية الإعتداء التي تطاول الحوض المائي. "لكن للأسف، لم تلق تجاوباً من قبل الجهات المعنية".
يضيف عمر لـ "العربي الجديد": "بعدما بدأ عدد من الإعلاميين والناشطين تسليط الضوء على تلك القضية، تحركت السلطات المحلية لمنع المستثمر من متابعة العمل مؤقتاً، وتشكيل لجنة لتحديد معالم الحوض المائي ورفع المخالفات السابقة والمستحدثة"، لافتاً إلى أن أبناء المحافظة ينتظرون قيام السلطة المحلية "بمنع تلك الجريمة التي أدّت إلى استياء أبناء مدينتي إب وجبلة، اللتين تعتمدان على الحوض المائي في وادي الدحثاث". ويوضح عمر أن مؤسسة المياه هي الأخرى قدمت شكوى إلى النيابة العامة، وما زال الجميع في انتظار التحركات الجادة التي تقضي بإزالة الاعتداءات السابقة والجديدة بشكل نهائي.
إلى ذلك، يؤكّد مصدر في المؤسّسة العامة للمياه في محافظة إب وجود العديد من الإشكاليّات التي تقف وراء أزمة المياه التي تعيشها بعض مناطق المحافظة، على رأسها جفاف مياه الآبار الجوفية نتيجة الاستنزاف والعبث الذي يتعرض له الحوض المائي لمدينة إب. يضيف أنّ زيادة الحفر العشوائي للآبار تسبب بضرر مباشر على الحوض المائي، وقلل منسوب المياه بشكل كبير.
وكان تقرير صادر عن المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي أكد تغيّر نسب المياه في كل الآبار خلال عام 2017، حتى وصل هذا الانخفاض إلى مستويات مقلقة خلال الربع الثاني من العام 2018. ويشير التقرير إلى انخفاض كبير لمنسوب المياه في معظم الآبار، تزامناً مع انخفاض معدل انتاج المياه من كل الآبار ليصل إلى ما بين 30 و50 في المائة من إنتاج الآبار الآمنة. كما انخفض منسوب المياه في الآبار إلى ما بين 50 و120 متراً تحت الأرض، لافتاً إلى أن هذا مؤشر يدل على "تدهور كبير وحرج في مصادر المياه التي تعتمد عليها المدينة في إمدادات مياه الشرب وتوزيعها على أحياء المدينة". ووفقاً لتقرير المؤسسة، فإن التزايد الكبير في أعداد المستهدفين والنمو السكاني المرتفع في المدينة، وموجة النزوح الكبيرة إلى مدينة إب، شكل عامل ضغط على مصادر المياه.
وكإجراءات عاجلة لإدارة أزمة المياه في مدينة إب، يؤكد تقرير المؤسسة على ضرورة إيقاف إصدار تراخيص حفر أو تعميق آبار المدينة وضواحيها، وتوقيف الآبار التي تضخ المياه للزراعة سواء كانت في إطار الحوض المائي أو الآبار التي في ضواحي المدينة، إضافة إلى خفض عدد ساعات تشغيل آبار المؤسسة والآبار الأخرى للحد من تدهور المياه فيها. وكانت السلطة المحلية في إب قد شكلت لجاناً لمنع أي اعتداءات جديدة داخل منطقة الحوض المائي، سواء عن طريق الحفر العشوائي أو عن طريق البناء العشوائي، إلا أن العمل ما زال مستمراً في منطقة الحوض المائي من قبل المستثمرين، وفقاً لما ذكره مواطنون لـ "العربي الجديد".
وبحسب التقرير الرسمي، فهناك تسع آبار تابعة للمؤسسة الحكومية، والتي توقفت بسبب نضوب المياه منها خلال الفترة الماضية، وهي: بئر السبل شارع 16، بئر السبل كاحب، بئر الجامعة، وبئر وادي اللحج، وبئر شارع بغداد، وبئر شارع بغداد، وفي جبلة بئر رقم 2 منطقة العرمة، وبئر رقم 3 منطقة الهبوب، بئر رقم 5 ذي عقيب. أما الآبار الخاصة الأخرى التي توقفت بسبب نضوب المياه منها في مدينة إب، فهي بئر النجار، الذي يغذي منطقة الظهرة في مياه الشرب، وآبار المشتل الزراعي الخاص بمكتب الزراعية، وبئر الجامعة الخاص في جامعة إب، وبئر جوبلة الذي يغذي منطقة جوبلة.