أكد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن الحكومة المصرية مارست كل صور التضييق الأمني والقانوني على الحياة السياسية والمدنية والإعلامية في مصر خلال عام 2017، وأن "تزايد الأعمال الإرهابية واتخاذها بُعدا طائفيا ينذران بهشاشة الوضع الأمني في البلاد، وفشل سياسات مكافحة الإرهاب".
وتعمل منظمة المجتمع المدني المصرية من فرنسا بسبب التضييقات الأمنية، وقالت في تقريرها "خريف العرب الكيماوي.. عسكرة السياسة وتجديد السلطوية": "توجّه الدولة المصرية جزءًا كبيرًا من أدواتها الأمنية ووسائلها التشريعية لمواجهة القوى السياسية والمدنية السلمية. وتعتبر الظروف المروّعة لوضعية حقوق الإنسان في مصر، جزءًا من سياسة منهجية للإجهاز على القوى السياسية والمدنية التي ظهرت قبل وبعد ثورة يناير 2011، واستبعاد أي احتمال للتعبئة السياسية والاجتماعية مجددًا".
وأضاف التقرير: "وفّر سياق مكافحة الإرهاب ذريعةً لفرض إجراءات قانونية تتجاوز هدفها المعلن إلى التنكيل بالمعارضة السلمية، ونشطاء المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة بدلاً من استهداف الإرهابيين الحقيقيين، وأُدينت هذه الانتهاكات بشكل متكرر من جانب لجان حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان. لكن ذلك لم يمنع استمرار القبضة الأمنية".
وأوضح التقرير: "تجلّى قلق السيسي البالغ من خوض انتخابات رئاسية نزيهة وتنافسية، كما هو مقرر في الدستور في الربع الأول من عام 2018، في سلوك السلطات التنفيذية وأجهزة الأمن العدائي تجاه كل مرشح أعلن عن نيته منافسته في هذه اﻻنتخابات، وأفضت الضغوط على المرشحين المحتملين إلى استبعاد بعضهم بأساليب قهرية، أو اضطرار البعض الآخر لاتخاذ قرار عدم المنافسة. الأمر الذي دفع القائمين على الحكم في النهاية إلى الضغط على عدد من المناصرين للسيسي للترشح شكليًا في الانتخابات".
وعن القتل والتعذيب، قال التقرير: "استمرت السلطات الأمنية في ارتكاب جريمة القتل خارج نطاق القانون. ورصدت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات وقائع تصفية جسدية لـ115 شخصا خلال عام 2017، في مختلف محافظات مصر، خارج سيناء. وكان معظم الضحايا لحالات مختفية قسريا على مدار أسابيع وشهور، ورصدت آثار تعذيب وكدمات على جثث بعضهم".
وتابع: "في شمال سيناء، كذّبت تحقيقات المنظمات الحقوقية العديد من بيانات وزارة الداخلية والجيش المتعلقة بمصرع إرهابيين أثناء الاشتباك مع قوات الشرطة أو الجيش. فبعض الحالات كانت لأشخاص رهن الاحتجاز قبل إعلان قتلهم، أو لضحايا من النشطاء السياسيين، مع عدم وجود أدلة على ارتباطهم بجماعات مسلحة أو أعمال عنف. كما توجد حالات تصفية مباشرة لأشخاص دون القبض عليهم والتحقيق معهم".
ووثّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" انتشار التعذيب وسوء المعاملة وسط المعتقلين والسجناء، والذي أصبح أمرًا منهجيًا، ومن بينهم أطفال، سواء كانوا ناشطين سياسيين أو سجناء رأي أو ملاحقين في قضايا إرهاب أو في قضايا جنائية عادية.
وأكد التقرير "عادة ما يمارس التعذيب في مقار الأمن الوطني ومراكز الشرطة، وأحياناً في المقر الرئيسي للأمن الوطني بوزارة الداخلية. وفي العديد من الحالات، استخدم الأمن التعذيب لإرغام المشتَبه بهم على قراءة اعترافات مكتوبة مسبقًا أمام كاميرات الإعلام، والتي قادتهم إلى عقوبات الإعدام والسجن المؤبد في بعض القضايا. وتتنوع تقنيات تعذيب المتهمين، ومنها التعرض للصدمات الكهربائية، والاعتداء الجنسي، وإصابة مناطق حساسة في أجسادهم لإلحاق أكبر ألم جسدي ونفسي بهم وإجبارهم على تقديم اعترافات أو لإذلالهم".
وفي عام 2017، لقي 15 سجينا حتفهم نتيجة الإهمال الطبي داخل السجون، من بينهم محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، والذي تُوفي في سبتمبر/أيلول في مستشفى قصر العيني بالقاهرة بعد صراع طويل مع المرض في السجن.
وأضاف التقرير: "أدخلت حكومة السيسي سلسلة من التغييرات الهيكلية في بنية التشريع المصري لتغليظ القبضة الأمنية على المجال السياسي والإعلامي والمدني، وتسييس القضاء والمحاكم. وأمدّت بيئة الحرب على الإرهاب في مصر ومنطقة الشرق الأوسط، السلطات المصرية بمبررات لاستمرار إصدار قوانين مقيدة الحريات، ومهدرة ضمانات استقلال القضاء وضمانات المحاكمة العادلة".
وذكر أنه "في أعقاب التفجيرات التي استهدفت ثلاث كنائس في إبريل/نيسان 2017، تبنّت السلطات المصرية مزيدا من التعديلات القانونية في إطار الحرب على الإرهاب، ممثلة في قانون الإجراءات الجنائية، وقانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، وقانون تنظيم الكيانات الإرهابية، وقانون مكافحة الإرهاب. وقلصت هذه التعديلات من ضمانات المحاكمة العادلة، وضمانات حماية المتهم".
وطبقاً للتعديلات، أصبح للمحاكم الجنائية السلطة التقديرية في السماح بسماع شهود النفي، كما ألغت حق المتهمين في إعادة المحاكمة ونقض أحكامهم للمرة الثانية، كما ألغت التعديلات شرط حضور المتهم أو من يمثله أثناء صدور الأحكام. وأتاحت التعديلات أيضاً للمحاكم الجنائية إدراج أفراد وكيانات في إطار لوائح الإرهاب بناء على تقارير أجهزة الأمن لمدة خمس سنوات".
وفي سبتمبر/أيلول، أدخلت السلطات تعديلات على قانون الجنسية تتيح سحب وإسقاط الجنسية المصرية وفقًا لمعايير مرنة فضفاضة يمكن توظيفها بشكل سياسي ضد المعارضين والنشطاء السياسيين والحقوقيين. وأضافت حالة جديدة لسحب الجنسية المصرية ضد من يصدر في حقه حكم قضائي "يثبت انضمامه لأي جماعة أو جمعية أو منظمة أو عصابة أو أي كيان أيًّا كانت طبيعته أو شكله القانوني أو الفعلي، سواء كان مقرها داخل البلاد أو خارجها، وتهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها بالقوة أو بأي وسيلة من الوسائل غير المشروعة".
وتستمر السلطات القضائية في التوسع في إصدار قرارات الحبس الاحتياطي طويل المدة، والذي تجاوز ثلاث سنوات في العديد من الحالات. كما توسع القضاء المصري خلال الأعوام الأربعة الأخيرة في إصدار أحكام إعدام جماعية في قضايا معظمها له طابع سياسي. فبحسب بيانات الائتلاف المصري لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، حكم على 1162 سجيناً حضورياً بالإعدام حتى ديسمبر/كانون الأول 2017، وحُكم على 325 شخصاً بالإعدام غيابياً. وبلغ عدد المحالين لأخذ رأي المفتي قبل إصدار حكم بإعدامهم 1487 معتقلاً.
وأضاف التقرير: "أكثر ما يثير القلق هو التنفيذ الفعلي لكثير من أحكام الإعدام التي تنتهي لها بعض هذه المحاكمات. فمنذ 2013 أعدم 21 مدنيا أدانتهم محاكم عسكرية. وفي 26 ديسمبر/كانون الأول، نفذت السلطات المصرية في يوم واحد أحكاماً بالإعدام ضد 15 شخصاً من أبناء سيناء أُدينوا بالإرهاب في يونيو/حزيران 2015، بعد محاكمة عسكرية "لم تراعِ أدنى قواعد وضمانات المحاكمة العادلة للمتهمين".
وتفيد الأدلة التي جمعتها المنظمات الحقوقية المصرية بتعرض هؤلاء الأشخاص للاختفاء القسري والتعذيب، بل ولم يمارسوا حقهم في الدفاع. ويرجَّح أن يكون التعجيل في تنفيذ حكم إعدامهم مدفوعا بالثأر والرغبة في تهدئة الرأي العام بعد تصاعد عمليات جماعات العنف في سيناء ضد أهداف عسكرية ومدنية في الشهور الأخيرة من عام 2017.
وصنّفت اللجنة الدولية لحماية الصحافيين مصر من ضمن أكثر الدول عالميا في حبس الصحافيين والإعلاميين. وتوظف السلطات المصرية ترسانة من القيود على حرية التعبير الواردة في القوانين المصرية ومن ضمنها قوانين مكافحة الإرهاب لاعتقال وملاحقة ومحاكمة أصحاب الرأي والإعلاميين. ويعد احتجاز الصحافي والباحث إسماعيل الإسكندراني والإعلامي هشام جعفر، على ذمة قضايا ملفقة ترتبط بعملهما الإعلامي والبحثي من أبرز هذه القضايا.
وعانى العديد من سجناء الرأي من الاحتجاز الانفرادي ومنع الزيارات وعدم التواصل مع المحامين والأقارب، وعدم الحصول على الرعاية الطبية اللازمة، ومنهم عدد من قيادات الإخوان المسلمين وعلا القرضاوي ابنة الشيخ يوسف القرضاوي وزوجها حسن خلاف.
وفي يونيو/ حزيران 2013، بدأت حملة قضائية لقمع مجموعة من المنظمات الأميركية والألمانية الداعمة للديمقراطية، أحيل على خلفيتها 43 ناشطا للمحاكمة. ومنذ عام 2014، يتعرض أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية لحملة قمع واسعة النطاق، مارست خلالها الأجهزة الأمنية ضغوطا أو تهديدات على ممثلي المنظمات غير الحكومية الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان لتدفعهم إلى مغادرة مصر.
وذكر التقرير تعرّض نشطاء النوبة (جنوب مصر) لسلسلة من المضايقات والضغوط عليهم وعلى أسرهم، لوقف مطالبهم بحقوق الأقلية النوبية الثقافية والاقتصادية واﻻجتماعية. وأحالت السلطات 32 ناشطا وناشطة نوبية معظمهم من الشباب، من بينهم المحامي محمد عزمي الرئيس السابق للاتحاد العام النوبي، وسهام عثمان، إحدى مؤسسات جمعية جنوبية حرة، للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة طوارئ بتهم التحريض على الاحتجاج، وتعطيل النظام العام، والمشاركة في اعتصام غير مصرح به، وذلك بعد اعتقال عشرات الناشطين النوبيين في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين. كما تُوفي أحد المحتجزين وهو الناشط جمال سرور في نوفمبر/تشرين الثاني بسبب الإهمال الطبي في سجن أسوان ولم تحقق السلطات في الواقعة.