تستقبل المحاكم العراقية يوميًا عشرات الدعاوى المقدّمة من مختلف شرائح وطبقات المجتمع، في ظل ارتفاع نسب الطلاق والجريمة والاعتداء على حقوق العمال، فضلا عن مشاكل كثيرة تثقل كاهل أصحاب الدخل المحدود.
أمّ حكمت، واحدة ممن اكتوين بهذه الظروف، التي ضاعفها طلاق ابنها، إذ تجمع ما تحصل عليه من دخل شهري لتصرفه على الدعاوى التي ترفعها طليقته، بعد أن تخلّت عن أبنائها تاركة رعايتهم للجدة والأب الذي يعمل بأجر يومي لا يغطي مصاريف العيش.
تقول أم حكمت (57 عامًا)، لـ"العربي الجديد"، منذ أن قررت طليقة ابني الانفصال عنه وهي ترفع ضده الدعاوى، وكل مرة بحجة، فتارة تدعي أنه هددها بالقتل بعد انفصالهما، وتارة أخرى تطلب زيادة النفقة على طفلهما الصغير الذي تتولى رعايته، بينما تركت إخوته الكبار ليرعاهم والدهم".
وتضيف "في كل مرة أذهب فيها إلى المحكمة أنفق الكثير من المال، ليس أقل من 100 ألف، أي حوالي 80 دولارا، وقد تشكل ثلاث إلى أربع محاكم في الشهر ونخسر بعض الدعاوى، وحتى إن كسبنا لابد من أتعاب للمحامي، وبالتالي نجد أننا ضيعنا الكثير من المال من أجل قضايا معظمها قائم على الكذب والخداع".
وتوضح أمّ حكمت، التي تعمل في صنع المكانس اليدوية من سعف النخيل، أن الأطفال بحاجة إلى مصاريف كثيرة لمأكلهم وملبسهم وتمدرسهم وتطبيبهم، ووالدهم ليس لديه عمل ثابت، أحيانا يعمل في البناء أو في البساتين أو يحمل بضائع للمحلات التجارية، وما نحصل عليه من مال بالكاد يكفينا، إلا أن الدعاوى المرفوعة ضده استنزفتنا، ولم يبق لنا حتى ما نأكله، وأصبحنا نقترض المال كل شهر".
أما هيفاء أحمد (49 عاما)، فتقول لـ"العربي الجديد"، إنها أنفقت أكثر من 9 آلاف دولار على المحامين ورسوم المحاكم خلال هذا العام، من أجل انتزاع حصتها في الميراث من أبناء زوجها المتوفى.
وتضيف "أنكروا حقي في الميراث، وهو بيت مزرعة وأملاك أخرى، رغم أنني أمتلك ما يثبت أنني زوجة أبيهم الثانية، لكنهم هضموا حقي بعد أن رفضت التسوية معهم من خلال منحي مبلغا ماليا للترضية".
في المقابل، اختار الحاج منعم حسين (71 عاماً) التخلي عن قضية تنازع على أرض صغيرة تفصل بينه وبين جاره. ويقول لـ"العربي الجديد": "وجدت أن ما سأنفقه على الشكوى يقترب من قيمة هذا الجزء من الأرض، لذا تركته وفوضت أمري لله، فالقانون اليوم بات في مصلحة من يملك المال ويدفع للمحامين".
بدوره، يقول خالد حسين علي، محام في محكمة استئناف ديالى الاتحادية، لـ"العربي الجديد"، إن قلة الوعي القانوني من طرف شريحة واسعة من المجتمع العراقي، سبب أساسي في زيادة المشاكل الاجتماعية، فمعرفة المواطن لحقوقه وواجباته، والمسطرة التي ينبغي أن يسلكها في كل قضية من دون التعرض للنصب والاحتيال وخسارة المال، أمور مهمة تغيب عن الكثيرين".
ويؤكد علي، أنّ عمل المحامين انتعش في الآونة الأخيرة، بسبب تردي الوضع الأمني والبطالة وكثرة الجرائم وحالات الطلاق وغيرها من المشاكل التي لا تُحل بالشكل العادي، بل تتطلب اللجوء إلى المحاكم، مع ما يستتبع ذلك من نفقات تثقل كاهل أصحابها.
ويلفت إلى أن قانون المحاماة هو الذي يحدد أتعاب المحامي عن كل قضية، ويوجد أيضا عقد الوكالة في القانون المدني الذي يترك أمر تحديد الأجور لطرفي العقد بين المحامي الوكيل والموكل، مشيرا إلى أهمية وجود محام في كل عائلة ليتابع شؤونها القانونية، في ظل تفاقم المشاكل واتساع دائرة الجهل بالأنظمة والقوانين.
من جهته، يوضح قاضي محكمة العمل، ستار البهادلي، أن محكمة العمل تنظر يوميًا ما بين 35 إلى 55 دعوى، مبينا أن "نسبة حسمها وصلت إلى 722 دعوى من أصل 1205، والمتبقي منها قيد الإنجاز لحين إكمال جميع الدفوع واللوائح المقدمة من قبل طرفي الدعوى"، موضحا أن "مبلغ الغرامات المسددة للدولة وصل إلى نحو 680 مليون دينار، حتى شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي".