بسبب الحروب والفوضى الأمنية، حرم عراقيون كثر من زيارة مدنهم التاريخية التي تقع في غير مناطقهم. لكنّ الفرصة سنحت لهم اليوم لزيارة الجنوب ومواقعه الطبيعية والأثرية.
الاستقرار الأمني، والترحاب الحار الذي عرف به سكان جنوب العراق في استقبال السائحين والضيوف من أيّ مكان أتوا، إلى جانب موسم الأمطار الذي أحيا مساحات واسعة من البوادي والمناطق الزراعية والجبلية في جنوب العراق، كلّها ساهمت في عودة تنظيم الرحلات السياحية من مختلف مناطق البلاد إلى الجنوب وخصوصاً مناطقه الأثرية والطبيعية؛ كالأهوار، والبحيرات، والمحميات التي تكثر فيها الحيوانات البرية، والبوادي التي يقصدها هواة الصيد والبحث عن الكمأ.
وللسياحة هذه فوائد اجتماعية أيضاً، إذ يقول مسؤولون محليون في مناطق ومحافظات جنوبية عراقية إنّ استمرار الرحلات السياحية من محافظات شمال ووسط وغرب العراق عزز التآلف الاجتماعي بين العراقيين وأعاد الثقة والمحبة وكسر حاجز التردد بينهم.
سجل منذ أواخر العام الماضي، وصول مئات الوفود والرحلات السياحية من مناطق عدة بالعراق إلى جنوب البلاد، خصوصاً نحو مناطق بدرة وجصان والمثنى وسوق الشيوخ وأور وبابل والبطحاء والكوفة وبادية البصرة والبصية والزبير ومناطق عدة فيها، كما يقول عضو مجلس محافظة البصرة محمد الفتلاوي. يتابع أنّ سائحين وهواة مغامرة أجانب وصلوا أيضاً: "هو مؤشر جيد فنحن لا ننظر إلى المسألة اقتصادياً فقط، بل من ناحية عودة الأمور إلى طبيعتها، وبدء تعافي العراق في أعقاب تحرير محافظة نينوى من تنظيم داعش، بشكل تدريجي، وهو أمر جيد بالنسبة للمجتمع الجنوبي عامة".
هي المرة الأولى التي تتوجه فيها الطالبة الجامعية نادية عبد الله (21 عاماً) في رحلة إلى جنوب العراق. في الغالب، كانت مثل هذه الرحلات الجامعية، وحتى العائلية تتوجه إلى منتجعات وشلالات شمال البلاد، أو حتى العاصمة بغداد. تقول نادية وهي طالبة قسم التاريخ في جامعة "ديالى" لـ"العربي الجديد": "من الجيد أن نتعرف على المناطق السياحية في بلادنا خصوصاً المناطق الأثرية. في جنوب العراق كثير من تلك الأماكن الساحرة، لكنّ المؤلم أنّ أغلبها يحتاج إلى الاهتمام فهي مناطق جميلة وفيها آثار مهمة ورائعة خصوصاً في محافظة بابل والعمارة والناصرية، كما أنّ أسعار الرحلة قد تكون مناسبة نوعاً ما، لكنّ دخول بعض المواقع الأثرية يتطلب دفع مبلغ يعادل ضعفي أجرة الرحلة، وهذا ما يمنع كثيراً من الطلاب من التعرف على تلك الآثار".
موظفة في شركة "سما ديالى" للسياحة والسفر، تقول لـ"العربي الجديد"، إنّ الرحلات السياحية إلى جنوب العراق ازدادت في الآونة الأخيرة، خصوصاً في العطلة الربيعية، وفي عطلة نهاية العام الدراسي، إذ إنّ هناك وقتاً جيداً للعائلات العراقية للذهاب لهذه الرحلات التي غالباً ما تكون ليوم واحد، كما أنّ أسعار تذاكر الرحلة مناسبة للجميع فهي بحدود 8 دولارات أميركية، للشخص الواحد، وأحياناً يكون هناك خصم وتخفيضات للعائلات بحسب ظروف الرحلة.
عشرات الأفواج السياحية قصدت الأهوار الجنوبية والشرقية بين محافظات ميسان وذي قار والبصرة. أغلب تلك الأفواج هي من عائلات وسط وشمال العراق، بحسب متعهد السفرات السياحية، غسان علي. يقول لـ"العربي الجديد": "ساعد الاستقرار الأمني في جنوب العراق في جذب عدد كبير من السائحين العراقيين في السنوت الثلاث الماضية، خصوصاً بعدما ملّ كثيرون من تكرار الرحلات إلى شمال البلاد. هم يبحثون عن وجهات جديدة، وقد جذبتهم الآثار والأهوار التي تتمتع بطبيعة فريدة من نوعها".
من جانبه، يقول بكر محمود، (30 عاماً)، من سكان محافظة ديالى (57 كم)، شمال شرق بغداد: "منذ صغري، أتمنى أن أزور آثار مدينة بابل بعدما قرأنا عنها كثيراً في كتب التاريخ وسمعنا ممن زاروها من الأصدقاء والمعارف عن جمالها الفريد. وبالفعل، اتفقت مع أصدقائي ان تكون سفرتنا المقبلة إليها، ولا بد من التقاط عدد من الصور مع أسد بابل".
يتابع الأستاذ في جامعة "ديالى": "ربما نكون قد زرنا مدناً أخرى خارج العراق لكنّنا للأسف إلى يومنا هذا لم نشاهد بعد مدننا التاريخية في جنوب البلاد والتي تزخر بالعديد من الآثار المهمة التي يتمنى أن يقصدها السائحون من مختلف مدن العالم. من المهم أن تعرف الأجيال الجديدة ما يضمه العراق من آثار ومدن تاريخية وحضارية".
وكانت منظمة "يونسكو" قد ضمت في يوليو/ تموز 2016، الأهوار المائية إلى لائحة التراث العالمي، وبذلك أصبح للعراق ثمانية مواقع على لائحة التراث العالمي، وهي آشور، وسامراء، والحضر، وقلعة أربيل، وأور، وأريدو، والوركاء، والأهوار.