انقضى عام 2018 سيّئ السمعة لدى أهالي سيناء، بعدما أوهمتهم الدولة بأنّه سيكون العام الأخير للإرهاب في المحافظة التي ما زالت تنزف. وها هي أحلامهم تُرحّل إلى عام 2019 الذي انطلق قبل أيام قليلة، وهي أحلام بالعيش حياة كريمة بخلاف ما يخبرونهم في ظل العمليات العسكرية المستمرة.
وكانت آمال سكان سيناء قد تقلّصت في خلال السنوات الماضية، في ما يتعلق بجعلهم متساوين مع محافظات مصر الأخرى. فالدولة بالنسبة إليهم تتعامل معهم بدونية منذ عقود، بينما يحاولون من جهتهم توفير ظروف حياتية تمكّنهم من البقاء في أرضهم. أمّا حقوقهم، والتي هي حقوق كل مواطن مصري، فصارت مجرّد أحلام وأمان، من قبيل التنقل بحرية والحصول على مقومات العيش، كالكهرباء والمياه والعمل والتعليم والطبابة. لا يتوقّف الأمر هنا، فقد باتوا يتطلعون إلى الحق في الحياة نفسها، في ظل القتل الذي وقع ضحيته مئات من أبناء سيناء على مدى الأعوام الخمسة الماضية.
يقول الناشط السياسي زهدي جواد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الظروف الحياتية التي تمرّ بها سيناء هي الأسوأ على مستوى الجمهورية، بينما انقضى عام 2018 من دون أن يحمل أيّ نهاية مفرحة لأهلها. هؤلاء أملوا بانفراج حقيقي في الوضع العام بالمحافظة، إلا أنّ الأحداث أتت بغير المتوقع. فالظروف ساءت في ظل العملية العسكرية الشاملة التي أطلقها الجيش المصري في المحافظة قبل نحو عام كامل، في التاسع من فبراير/ شباط 2018. هكذا، بات المواطنون لا يتمنّون سوى عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل بدء تلك العملية، مع الإشارة إلى عدم قدرة الجيش المصري على حسم المعركة القائمة مع تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" الإرهابي.
يضيف جواد أنّ "المواطن في سيناء لا يطلب الكثير. هو بحاجة إلى أمن يحفظ حياته في ظل التدهور الحاصل في هذا السياق، وإلى مستشفى يعالج مرضاه في ظل عدم قدرة مستشفى العريش العام على تأمين العلاج المناسب للمواطنين، وإلى مدرسة ذات مستوى تعليمي جيّد لأبنائه في ظل اعتماد المواطنين على الدروس الخصوصية لتعويض النقص الحاصل في أداء المدراس الحكومية، وإلى حرية الحركة داخل المحافظة وباتجاه المحافظات الأخرى في ظل الحواجز التي باتت منتشرة في كل شارع وميدان في سيناء". ويتابع أنّ "المواطن في سيناء بحاجة كذلك إلى مواد غذائية ومحروقات ومواد بناء وغيرها".
تجدر الإشارة إلى أنّ الظروف الإنسانية ساءت جداً منذ بدء العملية العسكرية الشاملة، بسبب إغلاق الجيش المصري الطرقات التي تصل المحافظة بخارجها على مدى أشهر عدّة، وكذلك وقف أعمال الصيد في البحر وفي بحيرة البردويل، بالإضافة إلى عرقلة الدراسة لكل المستويات التعليمية، عدا عن اعتقال مئات المواطنين من دون توجيه أيّ تهم إليهم. يُذكر أنّ عدداً كبيراً من هؤلاء ما زال رهن الاعتقال، إلى جانب آخرين مخفيين قسراً. وقد شهدت سيناء في السياق تراجعاً حقيقياً على صعيد الاقتصاد المحلي، إذ إنّ القدرة الشرائية للمواطنين انخفضت، وهذا أمر ظهر جلياً في الأسواق في خلال العام المنصرم.
من جهته، يقول إبراهيم المنيعي، وهو واحد من أبرز مشايخ سيناء، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الدولة فصلت المواطن في سيناء تماماً عن بقيّة الجمهورية، من خلال إجراءاتها الاستثنائية فيها تحت مظلة الحرب على الإرهاب، بينما حوّلت حقوق الإنسان في الحياة الكريمة إلى مجرد أحلام يحدّث المواطنون أنفسهم بها. فالعام المنصرم شهد أحداثاً سيّئة بالنسبة إلى سكان سيناء، من هدم للمنازل وتجريف للمزارع واعتقال للمواطنين وقتل، بينما عانى المواطنون من صعوبة الحصول على ما يضمن لهم مقوّمات الحياة بسبب الحصار".
يضيف المنيعي أنّه "في مقابل الإجراءات الأمنية التي حوّلت الحياة في سيناء إلى مأساة، ما زال المواطن السيناوي محفاظاً على بقائه في أرضه على الرغم من كل ما من شأنه أن يجعل العيش مستحيلاً هنا". ويشرح أنّ "ما يربط المواطن في سيناء بأرضه أكبر من كل المعوّقات، فهو يرى في وجوده على هذه الأرض واجباً وطنياً مقدساً لا يمكن التراجع عنه. لكنّ الدولة في المقابل، وبدلاً من أن تكافئ المواطن على صموده في خط الدفاع الأول عن مصر، فإنّها تدعوه إلى الرحيل عنها من خلال التضييق عليه". ويشير المنيعي إلى أنّ "المواطنين في سيناء يأملون بتحسّن الأوضاع الإنسانية والحياتية في المقبل من الأيام، في ظل التغيّرات الحاصلة في القيادة العسكرية والأمنية في مصر. فوزير الدفاع تغيّر قبل أشهر عدّة، وكذلك مسؤول الاستخبارات الحربية خالد مجاور الذي تربطه علاقات جيدة بمشايخ سيناء".