يشارك الطلاب بقوة في الحراك الشعبي الواسع في لبنان، ويهتفون من ساحاته ومحافظاته على امتداد الوطن لليوم الرابع على التوالي، مطالبين بحقوق تضمن لهم مستقبلاً جيداً في وطنهم، ومصرون على البقاء في الشارع حتى تحقيق المطالب.
ومن الواضح أن الطلاب يدركون جيداً ما الذي يريدونه من دولتهم، ويعلمون ما لهم من حقوق مثلما عليهم من واجبات. يحلمون بأن يجدوا عملاً بعد التخرج، وبأن يتمكن أهلهم من دفع أقساطهم كي يتابعوا دراستهم، وألا يكون مصيرهم الوحيد هو الهجرة خارج الوطن لأن لبنان غير قادر على احتضانهم وتوفير العيش الكريم لهم.
يسمي الطلاب المظاهرات بـ"عرس لبنان"، كونها أكبر مظاهرات شعبية يشهدها لبنان منذ عام 2005، إذ قدرت وكالات الأنباء عدد المشاركين فيها أمس السبت بـ1.2 مليون شخص في العاصمة بيروت وحدها.
وبدا توحيد المطالب بين الفئة الشبابية ملحوظاً، وكأنهم يعيشون في منزل واحد ويتشاركون المصائب ذاتها وكذلك الهموم والأفراح. مخاوفهم الآنية والمستقبلية ولّدت لديهم نوعاً من الإصرار والتحدي للبقاء في الساحات مهما كلّف الأمر.
فادي إبراهيم (21 عاماً) خريج محاماة من الجامعة اللبنانية، ويشارك في مظاهرات اليوم في بيروت منذ ساعاتها الأولى. قال لـ"العربي الجديد": "نازلين كرمال مستقبلنا وعائلاتنا"، متابعاً "نحن نريد أن نعيش ونعمل في هذا الوطن". وعن المخاوف من احتمال حصول أي أعمال شغب، أو مطاردات من عناصر الأمن كما حصل أول من أمس، ومن إطلاق القنابل المسيلة للدموع باتجاه المتظاهرين، أكد أن لا شيء يعيقه ويزرع الخوف بداخله، فمن وجهة نظره "إذا تحققت المطالب يكون كل ذلك فداء للوطن".
المطالب بالنسبة لإبراهيم واضحة وعددها قائلاً "إسقاط الحكومة، وتحديد موعد مبكر لانتخابات مجلس النواب، وإلى حين تحديد موعد الانتخابات وإجرائها، يجب إنشاء حكومة انتقالية يترأسها شخص يثق فيه الجميع"، مسمياً "شربل نحاس على سبيل المثال".
فادي إبراهيم بعد تخرجه ونيله شهادة المحاماة يمكنه أن يباشر عملاً حراً، ولكنه أشار إلى أنه سيصطدم بامتحان الدخول إلى نقابة المحامين. وقال: هل يمكنني أن أدخل إلى النقابة من دون الحصول على واسطة من سعد الحريري؟. وتابع "طبعا لا، وهذا ما لا أريده. لن أطلب حقي بالواسطة من أحد لممارسة عملي".
أما ألين بدر (20 عاماً) التي تتابع دراستها في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا، فتريد وطناً من دون ألقاب، حسب قولها، وأضافت "أتظاهر لأنني أريد أن أبقى في هذا البلد". وأوضحت بدر أنه ليس من العدل أن تكبر وتنهي دراستها في لبنان، وتعود كل جهودها إلى الخارج بعد هجرتها، معتبرة أنه من الأولى أن تبذل جهودها في بلدها لبنان.
وتابعت بدر في حديثها لـ"العربي الجديد": "لم يبق هناك شي اسمه دولة الرئيس، وألقاب المعالي والسعادة... فمن يسرقني ويسرقك له اسم واحد: الحرامي". كما دعت الجميع للنزول إلى الشارع، لأن الوضع ما عاد مقبولاً ولا يُحتمل.
أما رهف ضاهر، وهي طالبة علوم الحياة في الجامعة الأميركية، فلا تزال تواصل التظاهر منذ ليل الخميس الماضي، ووصفت حالها بالقول إنها خريجة وتحمل شهادة وتبحث عن عمل، لكن من دون جدوى.
وقالت ضاهر لـ"العربي الجديد" إن السبب الأول لنزولها إلى الشارع هو أنها لم تشعر قبل اليوم أنها لبنانية، مؤكدة بحسرة: "صرلي 21 سنة بغنّي النشيد الوطني ولا مرة حسيت بأهميته. صرلي 21 سنة بحلم أنه كون خلقانة بغير بلد، وما بدي بكرا أولادي يحسّوا بهالشي".
وعمّا إذا ما كانت خائفة من حصول أية إشكالات أمنية، أوضحت ضاهر أنها تضع في حساباتها احتمال حدوث ذلك، وإن الخوف موجود بعض الشيء، إلا أن المطالبة بالحقوق أقوى من الخوف. وأشارت إلى أن "الوحدة بين صفوف اللبنانيين أكبر بكثير من الخوف".
ومن المطالب التي تنادي بها ضاهر "إلغاء الطائفية السياسية". وقالت "لمَ لا يأتي وزير أو نائب ذو كفاءة من دون أن يمثل الطائفة الذي ينتمي إليها؟". وتابعت "نريد حكومة تكنوقراط، وكل وزير فيها يتسلم الوزراة الخاصة بشهادته واختصاصه". ومن مطالبها أيضاً "يجب أن يكون الحاكم من الشعب وللشعب".
وأكدت ضاهر أن عودة الدوام الدراسي لن تمنعها من النزول إلى الشارع، داعية الجامعات إلى تمديد الإقفال حتى تحقيق المطالب.
الطلاب والشباب المتظاهرون اليوم يتفقون على المطالب، وينتظرون حل الحكومة والمجلس النيابي.