ثورة الدراجات... لبنانيون ينقلون احتجاجاتهم أبعد من الساحات

بيروت
F79ED122-582A-49B8-AE82-4B38F780EFB4
عصام سحمراني
صحافي لبناني، سكرتير تحرير مساعد في الصحيفة الورقية لموقع "العربي الجديد".
20 أكتوبر 2019
498ED5C0-B244-48DA-A35A-EB59D30AB44F
+ الخط -

الدراجات النارية التي تلاحق الشرطة سائقيها في لبنان يومياً، لقمع "مخالفاتهم"، يتحولون في التظاهرات الوطنية الكبيرة إلى عامل حاسم في إزعاج الشرطة والسلطات من خلفها. هذا ما يفعلونه حالياً في بيروت

الشتيمة نفسها، موجهة إلى عدة زعماء لبنانيين، كتبت ببخاخ أسود، على قاعدة تمثال رياض الصلح، في الساحة التي تحمل اسم رئيس حكومة عهد الاستقلال، أمام السرايا الحكومية التي يتظاهر ضدّها بالذات لبنانيون عابرون للطوائف، أوجعتهم الضرائب والرسوم، وأوجعهم استخفاف مثل هؤلاء الزعماء بهم.

في الساحة التي تمتلئ بأعلام لبنان وحدها، ويتزاحم المتظاهرون منها حتى ساحة الشهداء على بعد نصف كيلومتر تقريباً، تلتف مجموعة من خمسة رجال وسيدة، يتناقشون في الحراك، بينما يلف أحدهم على عنقه شالاً يحمل علم الحزب الشيوعي اللبناني. أصغر الحاضرين في المجموعة في الخمسين، ومع سؤالهم عما إذا كانوا قد شاركوا في تظاهرات "إسقاط النظام" عام 2011، يؤكدون ذلك جميعاً، لكنّهم يختلفون حول أسباب فشل الحراك يومها، وهو ما ينعكس على حديثهم عن الحراك الحالي، إذ يشيرون إلى أنّه لن يؤدي إلى نتيجة كبيرة سياسياً، لكنّه أدى نتيجة عظيمة في أفكار الناس، إذ كسر صورة الزعيم. يلفتون "العربي الجديد" تحديداً إلى صورة رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي شتم في مناطق جنوبية عدة، لا سيما في مدينة صور، المعقل التاريخي لحركة أمل التي يتزعمها.

في الضاحية
في الطريق الجديدة، على الأطراف الجنوبية لبيروت، وهي المحلة السنّية ذات الكثافة السكانية الكبيرة، والتي يلاقي فيها تيار المستقبل، وزعيمه رئيس الحكومة سعد الحريري الشعبية الكبرى، هدوء شديد جداً، وليست هناك أيّ إشارة إلى وجود احتجاجات ضد الحكومة.




بدورها، فإنّ الضاحية الجنوبية معقل آخر لحركة أمل ومعها حزب الله، الفصيلين الشيعيين الأكبرين، والمشاركين بقوة في الحكومة، وفي النظام اللبناني ككلّ منذ انتهاء الحرب الأهلية في لبنان، وإجراء أول انتخابات نيابية عام 1992. هنا بقايا احتراق إطارات عند تقاطعات الغبيري والمشرفية وكنيسة مار مخايل على الخط المؤدي من السفارة الكويتية، إلى جبل لبنان وشرقه، بينما يقفل الجيش اللبناني الطريق المؤدي إلى بعبدا حيث القصر الجمهوري الذي حاصر طرقات قريبة منه المتظاهرون في اليومين الماضيين. السخام والردم عند تلك التقاطعات يشيران إلى أنّ قطع الطرقات بالإطارات المشتعلة انتهى منذ السبت، خصوصاً بعد كلمة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وبعد الأخبار عن تكسير صور بري في الجنوب، ورد الفعل المسلح لأنصاره ضد المتظاهرين. وبينما تنعم الشوارع الداخلية للضاحية، سواء في الخط الجديد "هادي نصر الله" أو القديم، المؤديين إلى حي السلم ومن بعده الشويفات، فإنّ الخط الرئيس للشويفات مقطوع بالكامل في عدة أماكن بإطارات مشتعلة وعوارض وردم وكلّ ما تهيأ للشبان المتجمعين عند كلّ مفترق. هذا الخط يصل مناطق بعبدا وعاليه والشوف ببيروت. ومثله كثير من الخطوط المقطوعة، باستثناء تلك المؤدية مباشرة إلى التظاهرات التي يشهدها وسط بيروت.



في العمروسية وصحراء الشويفات، المتجاورتين، كما في شاتيلا وصبرا، الأقرب إلى بيروت، كثير من أسباب الثورة، على الأوضاع القائمة بكلّ ما فيها من فقر وحرمان، وتلوث بيئي يبرز في الشوارع المليئة بمياه الصرف الصحي والحفر بالإضافة إلى النفايات التي تمتد أحياناً بامتداد الشوارع من دون حصر لها في بقع محددة، لكن لا احتجاجات هنا أو في أيّ مكان داخلي من الضاحية، سواء في الشياح شمالها، أو برج البراجنة والتحويطة وحي السلم جنوبها. شاتيلا وصبرا معروفتان يوم الأحد باستقبال عشرات الآلاف من المتسوقين، خصوصاً من الطبقات الفقيرة، لكنّ المحلتين المتصلتين ببعضهما واللتين تضمان مزيجاً ديموغرافياً كبيراً من اللبنانيين والفلسطينيين (مخيم شاتيلا يقع هناك) والسوريين وغيرهم، كانتا هادئتين إلى درجة كبيرة، بالرغم من فتح كلّ المحال التجارية أبوابها ومعها البسطات والعربات.




أما الخط الممتد من جسر المطار إلى السفارة الكويتية بمحاذاة شاتيلا، وصولاً إلى السلطان إبراهيم عند البحر، فقد شهد تخريباً كبيراً منذ مساء الخميس، فعدا عن حرق الإطارات، كسرت شارات مرور، وتجهيزات طرقات مختلفة، أبرزها سياج حديدي وسطي أخضر اللون وضعته بلدية الغبيري قبل فترة، خلع من مكانه واختفى بغرابة.

وعند تقاطع الشيفروليه، في الضاحية الشرقية لبيروت، بمعتصميه المختلفين مذهبياً وحزبياً عن معتصمي الضاحية الجنوبية، إذ إنّ معظمهم من المسيحيين، غير المنتمين غالباً إلى التيار الوطني الحر برئيسه جبران باسيل ورئيسه السابق؛ رئيس الجمهورية ميشال عون، كانت سيارات نقل المياه تحاول ما أمكنها إزالة السخام المتشكل على الطريق من جراء حرق الإطارات قبلها بيوم، بينما تمرّ المياه من تحت معتصم شاب يدخن جالساً على كرسي، رافعاً قدميه على عارضة خشبية، يقطع بها الطريق المؤدي إلى فرن الشباك.



ملوك الشوارع
عند طريق المطار في خطيها القديم والجديد، تأخّر كثيرون عن مغادرة لبنان أو بلوغ مقاصدهم فيه بعد خروجهم من المطار، واضطر من لم ينقله الجيش اللبناني بآلياته العسكرية، إلى الاستعانة بقاطعي الطرقات أنفسهم، لنقله ونقل أغراضه بالدراجات النارية والتكاتك. لكنّ الطريق يوم الأحد كانت مفتوحة، ولا يعترضها غير حاجز للجيش اللبناني، يسأل الضابط الصغير عنده "العربي الجديد" عن "الأوضاع في الخارج"، قاصداً ساحات التظاهرات، في ما يعكس ربما وضع السلطة التي لا تعرف بعد ما الذي أيقظ اللبنانيين فجأة ودفعهم إلى ساحات التظاهر ضدّ الزعماء التقليديين جميعاً، كما لم يحصل من قبل.



الدراجات النارية كانت نجمة التظاهرات في كثير من الأحيان. فعدا عن نقل المتظاهرين، والسماح لأصحابها بالهروب أسرع، عند مهاجمة القوى الأمنية والجيش لهم، فقد تمكنت من نقل الاحتجاجات أبعد بكثير من ساحات الاعتصامات، تحديداً تلك الدراجات التي لا تحمل لوحات، أو غطى أصحابها لوحاتها بأكياس بلاستيكية، أو بأوراق لاصقة، منعاً لالتقاطها من الكاميرات المثبتة في كثير من شوارع العاصمة. هؤلاء تحركوا مجموعات مجموعات، خصوصاً في الليل، حاملين إطارات أشعلوها في نقاط مختلفة وقطعوا طرقات بيروت بها وبمستوعبات النفايات الحديدية، سواء على الخط البحري الممتد من مرفأ بيروت شمالاً وصولاً إلى الرملة البيضاء جنوباً، أو في الخطوط السريعة الداخلية، مثل سليم سلام - الكولا - المدينة الرياضية - المطار.

وبالإضافة إلى هذا النشاط، نظم الدراجون الذين لم يلتزم أيّ منهم بإجراءات السلامة المعتادة من اعتمار للخوذة على الأقل، وتقيد بشارات السير، مسيرات كبيرة، سبقتها الزمامير المرتفعة والهتافات، لا سيما هتاف "ثورة ثورة ثورة". كأنّ هؤلاء استغلوا الغياب الكامل لأجهزة السير التابعة لقوى الأمن الداخلي، المنشغلة أكثر بالحراك، والتي غالباً ما تلاحقهم وتحجز دراجاتهم وتسجل في حقهم غرامات كبيرة، كي يتفلتوا من أيّ قانون يعتبرونه ظالماً، طالما أنّه "يصدر ببساطة عن سلطة ظالمة" كما يقول أحدهم لـ"العربي الجديد" عند تقاطع بشارة الخوري، حيث التمثال الكبير لرئيس عهد الاستقلال، في العاصمة.

جميع الصور أعلاه بعدسة حسين بيضون












وفي الطريق المؤدي من بشارة الخوري إلى وسط بيروت، ارتفعت مكبرات الصوت بأغاني مارسيل خليفة وجوليا بطرس التي تظهر دائماً في مناسبات كهذه، بينما اصطفت مجموعات من الشبان توزع أعلام لبنان صغيرة وكبيرة على المشاة الذين تركوا سياراتهم بعيداً ومضوا إلى ساحات التظاهرات. في النزلة المؤدية إلى المكان، كانت الأعلام المعروضة للبيع تشهد إقبالاً كبيراً، لكنّ أحد سائقي الدراجات أخبر المشترين أنّ هناك من يوزع الأعلام مجاناً، متهماً البائع باستغلال الحراك، فانفض البعض عنه لكنّ آخرين فضّلوا استكمال عملية الشراء.




بالعودة إلى الساحات الأساسية للتظاهرات في وسط بيروت، يصل ثلاثة شبان ملثمين بكمامات رقيقة أخذوها من إحدى الصيدليات إلى محاذاة ساحة رياض الصلح. تسألهم "العربي الجديد" عن سبب وضعهم الكمامات بالرغم من أنّ ضرب قنابل الغاز توقف، منذ فجر السبت، فيردّ أحدهم بأنّهم شاركوا في تظاهرة ليل الجمعة وتمكنوا من الهرب من القوى الأمنية. يؤكد أنّ اتهامات المتظاهرين لهم بأنّهم مندسون مرفوضة، فهم يعبرون عن غضبهم من خلال رشق الحجارة والمفرقعات والتكسير والتخريب، وهو "حقنا، فالتظاهرات يجب أن تكون عنيفة أحياناً، خصوصاً مع سلطات من هذا النوع". ويقول آخر: "انظر إلى هذه المساحة الأثرية من بيروت (أمام تمثال رياض الصلح) لولا أنّنا نزعنا ألواح الخشب التي تغطيها لحرقها، لما ظهرت هذه الآثار. الآن ينظر الجميع إليها وسيعلمون إذا ما سُرقت الأرض وبني مشروع فيها، أنّه بني فوق آثار هي من حق جميع اللبنانيين".

أحد الشبان الثلاثة والحفرة الأثرية (العربي الجديد)

ذات صلة

الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير